القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    وفاة ثلاثة أشخاص من أسرة واحدة في حادث مروري بمحافظة عمران (صور)    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    التفاؤل رغم كآبة الواقع    رسميا.. الكشف عن قصة الطائرة التي شوهدت تحلق لساعات طويلة في سماء عدن والسبب الذي حير الجميع!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    انهيار وشيك للبنوك التجارية في صنعاء.. وخبير اقتصادي يحذر: هذا ما سيحدث خلال الأيام القادمة    الحقيقة وراء مزاعم ترحيل الريال السعودي من عدن إلى جدة.    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    مطالبات حوثية لقبيلة سنحان بإعلان النكف على قبائل الجوف    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    4 إنذارات حمراء في السعودية بسبب الطقس وإعلان للأرصاد والدفاع المدني    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تعز.. وقفة ومسيرة جماهيرية دعمًا للمقاومة وتضامنًا مع الشعب الفلسطيني    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"بن فريد" من القاهرة : ما يجري بالجنوب حاليا أشبه بمرحلة الاستقلال 67م
نشر في حياة عدن يوم 13 - 01 - 2012

ندوة حول "التصالح والتسامح" في القاهرة بعنوان "نتجاوز الماضي لنبني المستقبل"
حياة عدن
عُقدت ندوة مساء أمس الخميس في نادي الشباب اليمني بالدقي في القاهرة، تحت عنوان "التصالح والتسامح.. نتجاوز الماضي لنبني المستقبل". شارك فيها الاستاذ محسن محمد بن فريد، الامين العام لحزب رابطة ابناء اليمن - رأي، والدكتور محمد حيدره مسدوس، القيادي الاشتراكي المعروف، والمهندس الكاتب امين اليافعي. وقد حضر الندوة عدد كبير من الحضور.
وفيما يلي نص مداخلة الاستاذ محسن محمد بن فريد.
يسعدني كثيراً المشاركة في هذه الامسية الجميلة، وفي هذه المدينة الخالدة ، مدينة القاهرة ، وفي هذا الحي بالذات، حي الدقي، الذي ترعرت وشبيت فيه منذ ما يزيد على نصف قرن. فالقاهرة هي بيتنا الثاني. درسنا في مدارسها. وتخرجنا من جامعاتها، وفضلها علينا لا يمكن نكرانه. بل سيظل جميل نحمله لها في اعناقنا.
ويسعدني ايضاً المشاركة في ندوة تحمل عنوانا تهفو اليه قلوب ابناء بلادنا، وبلادنا العظيمة الصابرة هي في امس الحاجة إليه:
"التصالح والتسامح .. نتجاوز الماضي لنبني المستقبل"
فاشكر الاخ العزيز الاستاذ محمد عسكر وزملائه الاعزاء في نادي الشباب اليمني القائمين على هذه الندوة، واختيارهم الموفق لموضوعها وعنوانها، وارجو ان اسهم بمداخلتي هذه بما يحقق الهدف من الندوة. وما يعزز فكرة التصالح والتسامح.
وندوة كهذه، تحمل هذا العنوان ، مكانها الطبيعي على ارض الوطن، وفي مدينة عدن الخالدة بالذات. وهو ما يجب ان نسعى من اجله ونعمل على تحقيقه خلال الفترة القصيرة القادمة.
ايها الاخوة والاخوات..
يمكن ايجاز مداخلتي حول التصالح والتسامح في النقاط التالية:
أولاً: المرحلة الخطيرة التي يمر بها الوطن اليوم
منذ ما يقرب من عام وثورة شبابية شعبية سلمية تهز اركان النظام الفاسد المفسد في بلادنا . ثورة هي بمثابة زلزال صدع اركان النظام وافقده توازنه وسيفضي حتماً إلى زواله. وسبق الثورة الشبابية الراهنة في بلادنا الحراك السلمي الجنوبي العظيم، الذي كانت له الريادة في اطلاق رياح الربيع العربي منذ اكثر من اربع سنوات.
ونظام صنعاء يتخبط ويلفظ انفاسه، نجد امام ابناء الجنوب فرصة تاريخية نادرة، قد لا تتكرر، كي يجمعوا صفوفهم.. ويوحدوا او ينسقوا بين رؤاهم .. ويحققوا التصالح والتسامح ويقيمونه بالفعل على اسس صحيحة وسليمة. ان هذه المرحلة التي يمر بها ابناء الجنوب اليوم هي شبيه بتلك المرحلة الدقيقة والحساسة التي سبقت يوم الاستقلال في عام 1967. في تلك المرحلة تم فرض التنظيم الواحد والرأي الأوحد.. ودخلنا نفقاً لم نخرج منه حتى الان. فهل نكرر اليوم وفي هذه المرحلة التاريخية النادرة نفس الخطأ !؟
ثانياً: موقف حزب الرابطة من المصالحة الوطنية
كان حزب الرابطة دائماً وأبداً في صف الاعتدال والوسطية ومد الجسور في كل الاتجاهات منذ ما يزيد عن ستة عقود من الزمن. هذا الحزب الرائد الذي قام على اكتاف علماء خريجي الازهر الشريف وخريجين من افضل الجامعات.
كانت المصالحة الوطنية ديدن هذا الحزب طوال تاريخه. كان رأي حزب الرابطة منذ ما قبل الوحدة في عام 90 هو ضرورة اجراء مصالحة وطنية .. ووحدة وطنية شاملة. وان تقوم اوضاعنا في الجنوب على اسس ديمقراطية ثم نتوجه إلى وحدة مع الجمهورية العربية اليمنية على اسس واضحة وسليمة. ففي 1/12/1989 اصدرنا بيان بهذا الصدد.. وارسلنا برقية من جدة للاخوه في النظام في عدن بهذا المضمون، ثم وصلنا إلى عدن في 13 مارس 1990 (بعد ان حُرمنا منها لما يقرب من 22 سنة) وحاولنا اللقاء بحكامنا حينها في عدن.. إلا انهم كانوا منشغلين بلجان الوحدة وبالتسريع في اعلانها (في اتفاق لا يزيد على صفحة ونص.. بينما عقد ايجار شقة ، كما يكرر الاستاذ عبدالرحمن الجفري القول، لا يقل عن عدة صفحات) . وسبق ان ارسل حزبنا رسالة في عام 1985 للحكام في عدن حينها يحذرهم من تفاقم الصراع فيما بينهم و يؤكد على ضرورة تحقيق وحدة وطنية حقيقية بين كل أبناء الجنوب.
ولكن تمت الهرولة إلى الوحدة .. وقام حزب الرابطة بدور رئيسي في تكوين معارضة وطنية حقيقية تمثلت في التكتل الوطني للمعارضة. وبعد ثلاث سنوات من شهر العسل بين الحزبين الحاكمين، المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني ، اللذان تقاسما السلطة وتقاسما كل شي في الوطن، انتهى شهر العسل وانفجرت حرب صيف 1994. وهي الحرب التي كانت كارثة على الجنوب بكل المقاييس، كارثة انسانية واقتصادية وسياسية واجتماعية، وتم فيها استباحة الجنوب. وتحول الجنوب إلى غنيمة حرب. وتم توزيع الجنوب ارضاً وثروةً على المتنفذين في نظام صنعاء، بدءاً بالرئيس علي عبدالله صالح وحاشيته، ومشايخ القبائل الكبار، وقادة المحاور العسكرية.. الخ. وتم اسقاط الجنوب بالفعل من المعادلة السياسية وتحول الجنوب إلى ارض مباحة ومستباحة.
ثالثاً: مفهوم التصالح والتسامح كقيمة مطلقة
لاشك ان لجمعية ابناء ردفان الخيرية قصب السبق في فتح هذا الملف الشائك والحساس، ملف التصالح والتسامح، وذلك في 13 يناير 2006. وكانت فكرة التصالح والتسامح حينها تركز على التصالح والتسامح في اطار محدد خاص بصراع اطراف السلطة في فترة زمنية محددة.
اما التصالح والتسامح الذي ننشده اليوم ونسعى إليه، فهو تصالح وتسامح شامل يعم كل الأطياف الوطنية وكل الوطن.. وننشده كقيمة مطلقة وليس كقيمة مرتبطة بفترة محددة من التاريخ.. وبأطراف محدده من ابناء الوطن.
وهناك تجارب انسانية رائعة في مجال التصالح والتسامح يمكن الاستفادة منها والبناء عليها. كتجربة المصالحة في جنوب افريقيا وتجربه المصالحة في المغرب، ورواندا.. وكمبوديا.. الخ
واضم صوتي هنا للكاتب والسياسي الاخ عبدالله ناجي علي عندما يقول "نريد تصالح وتسامح جنوبي شامل يعالج كل المحطات السياسية التي مر بها شعب الجنوب.. وهنا سنكون قد اغلقنا كل ملفات الماضي المأساوي لنتفرغ فيما بعد للاهتمام بحاضرنا الجنوبي ابتداء من تشخيص واقعنا بعقلية سياسية احترافية بعيداً عن هواة السياسة.. وبعيداً عن جراحات الماضي.. لكي نصنع حلول حضارية لمستقبل أفضل لشعبنا الجنوبي التواق والعاشق لدولة النظام والقانون."
رابعاً: التصالح مع التاريخ
اذ اردنا ان نحقق تصالح وتسامح حقيقي فعلينا اولاً ان نتصالح مع تاريخ الحركة الوطنية الحديثة في بلادنا. بل ومع تاريخ وسير الشخصيات البارزة من ابناء الوطن، سواء الخاص بالحكام السابقين من سلاطين ومشايخ وامراء ووزراء في حكومات مستعمرة عدن او وزراء حكومة الاتحاد وسلطنات حضرموت والمهرة. وكذلك رموز الوطن من علماء ورواد الحركة الوطنية والتنويرية والشخصيات الاجتماعية والقبلية، ومنهم من تعرض للكثير من الجور والظلم وأيضاً زُور وشوه تاريخه.. وصودرت او سُلبت كل حقوقه.
ان تاريخنا الحديث غائب..
وان وجد فهو مشوه، وظالم، وغير منصف..
وقد آن الأوان الآن ان يقف تاريخنا الوطني على قدميه.
كما ان علينا بالتحديد ان نتصالح مع مدينة عدن الخالدة ومع ابناءها الطيبين..
هذه المدينة التي كانت بمثابة المشعل التنويري والحضاري في جزيرة العرب في فترة الخمسينات والستينات.. والتي كانت الميناء الثاني في العالم يوم الاستقلال عام 1967. ثم دفعت عدن هي وابنائها ثمن صراعات المتصراعين والتي لم يكن لها فيها ناقة او جمل.
خامساً: فلنتصارح .. قبل ان نتصالح
كي يقوم صرح التصالح والتسامح على اساس متين وثابت ، من المهم أولاً ان نتصارح. والمصارحة ليس بهدف تصفية حسابات او دفع فواتير عن اخطاء وخطايا العقود الخمسة المنصرمة. وانما بهدف لئم الجراح وغسل القلوب.. وجبر الخواطر.
المصارحة والاعتراف بالخطأ.. بل والاعتذار عنه.
اما المصارحة الكبرى .. فهي انه بعد ما يقرب من خمسة عقود من الزمن ، فقد آن الأوان للحرس القديم في الجنوب ان يختفي من المشهد السياسي.. ويتحمل المسئولية جيل جديد من الشباب، جيل غير مشدود إلى الماضي بعقده وقيوده وخطاياه.. جيل هو الأقدر على التعاطي مع معطيات العصر ومتطلباته.
ونحن في حزب الرابطة قد قررنا ان نأخذ دور الريادة في هذا المضمار. فلدينا مشروع بعنوان "السفر إلى المستقبل".. وهو مشروع يرمي إلى اعداد وتدريب وتأهيل الجيل القيادي الجديد في الرابطة، الذي انتخب في المؤتمر العام التاسع للحزب الذي عُقد في عدن في شهر يناير 2009، ليتحمل مسئولية قيادة الرابطة خلال سنتين من الان.
ايها الاخوة والاخوات..
اننا امام لحظة تاريخية نادرة.. وفرصة تاريخية نادرة ايضاً..
واذا كنا قد أخطأنا المسار في عام 1967 ولم نحقق التصالح والتسامح حينها..
فأنا على ثقة بأننا سنكسب الرهان في هذه المرة.
وبالله التوفيق.
عُقدت ندوة مساء أمس الخميس في نادي الشباب اليمني بالدقي في القاهرة، تحت عنوان "التصالح والتسامح.. نتجاوز الماضي لنبني المستقبل". شارك فيها الاستاذ محسن محمد بن فريد، الامين العام لحزب رابطة ابناء اليمن - رأي، والدكتور محمد حيدره مسدوس، القيادي الاشتراكي المعروف، والمهندس الكاتب امين اليافعي. وقد حضر الندوة عدد كبير من الحضور.
وفيما يلي نص مداخلة الاستاذ محسن محمد بن فريد.
يسعدني كثيراً المشاركة في هذه الامسية الجميلة، وفي هذه المدينة الخالدة ، مدينة القاهرة ، وفي هذا الحي بالذات، حي الدقي، الذي ترعرت وشبيت فيه منذ ما يزيد على نصف قرن. فالقاهرة هي بيتنا الثاني. درسنا في مدارسها. وتخرجنا من جامعاتها، وفضلها علينا لا يمكن نكرانه. بل سيظل جميل نحمله لها في اعناقنا.
ويسعدني ايضاً المشاركة في ندوة تحمل عنوانا تهفو اليه قلوب ابناء بلادنا، وبلادنا العظيمة الصابرة هي في امس الحاجة إليه:
"التصالح والتسامح .. نتجاوز الماضي لنبني المستقبل"
فاشكر الاخ العزيز الاستاذ محمد عسكر وزملائه الاعزاء في نادي الشباب اليمني القائمين على هذه الندوة، واختيارهم الموفق لموضوعها وعنوانها، وارجو ان اسهم بمداخلتي هذه بما يحقق الهدف من الندوة. وما يعزز فكرة التصالح والتسامح.
وندوة كهذه، تحمل هذا العنوان ، مكانها الطبيعي على ارض الوطن، وفي مدينة عدن الخالدة بالذات. وهو ما يجب ان نسعى من اجله ونعمل على تحقيقه خلال الفترة القصيرة القادمة.
ايها الاخوة والاخوات..
يمكن ايجاز مداخلتي حول التصالح والتسامح في النقاط التالية:
أولاً: المرحلة الخطيرة التي يمر بها الوطن اليوم
منذ ما يقرب من عام وثورة شبابية شعبية سلمية تهز اركان النظام الفاسد المفسد في بلادنا . ثورة هي بمثابة زلزال صدع اركان النظام وافقده توازنه وسيفضي حتماً إلى زواله. وسبق الثورة الشبابية الراهنة في بلادنا الحراك السلمي الجنوبي العظيم، الذي كانت له الريادة في اطلاق رياح الربيع العربي منذ اكثر من اربع سنوات.
ونظام صنعاء يتخبط ويلفظ انفاسه، نجد امام ابناء الجنوب فرصة تاريخية نادرة، قد لا تتكرر، كي يجمعوا صفوفهم.. ويوحدوا او ينسقوا بين رؤاهم .. ويحققوا التصالح والتسامح ويقيمونه بالفعل على اسس صحيحة وسليمة. ان هذه المرحلة التي يمر بها ابناء الجنوب اليوم هي شبيه بتلك المرحلة الدقيقة والحساسة التي سبقت يوم الاستقلال في عام 1967. في تلك المرحلة تم فرض التنظيم الواحد والرأي الأوحد.. ودخلنا نفقاً لم نخرج منه حتى الان. فهل نكرر اليوم وفي هذه المرحلة التاريخية النادرة نفس الخطأ !؟
ثانياً: موقف حزب الرابطة من المصالحة الوطنية
كان حزب الرابطة دائماً وأبداً في صف الاعتدال والوسطية ومد الجسور في كل الاتجاهات منذ ما يزيد عن ستة عقود من الزمن. هذا الحزب الرائد الذي قام على اكتاف علماء خريجي الازهر الشريف وخريجين من افضل الجامعات.
كانت المصالحة الوطنية ديدن هذا الحزب طوال تاريخه. كان رأي حزب الرابطة منذ ما قبل الوحدة في عام 90 هو ضرورة اجراء مصالحة وطنية .. ووحدة وطنية شاملة. وان تقوم اوضاعنا في الجنوب على اسس ديمقراطية ثم نتوجه إلى وحدة مع الجمهورية العربية اليمنية على اسس واضحة وسليمة. ففي 1/12/1989 اصدرنا بيان بهذا الصدد.. وارسلنا برقية من جدة للاخوه في النظام في عدن بهذا المضمون، ثم وصلنا إلى عدن في 13 مارس 1990 (بعد ان حُرمنا منها لما يقرب من 22 سنة) وحاولنا اللقاء بحكامنا حينها في عدن.. إلا انهم كانوا منشغلين بلجان الوحدة وبالتسريع في اعلانها (في اتفاق لا يزيد على صفحة ونص.. بينما عقد ايجار شقة ، كما يكرر الاستاذ عبدالرحمن الجفري القول، لا يقل عن عدة صفحات) . وسبق ان ارسل حزبنا رسالة في عام 1985 للحكام في عدن حينها يحذرهم من تفاقم الصراع فيما بينهم و يؤكد على ضرورة تحقيق وحدة وطنية حقيقية بين كل أبناء الجنوب.
ولكن تمت الهرولة إلى الوحدة .. وقام حزب الرابطة بدور رئيسي في تكوين معارضة وطنية حقيقية تمثلت في التكتل الوطني للمعارضة. وبعد ثلاث سنوات من شهر العسل بين الحزبين الحاكمين، المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني ، اللذان تقاسما السلطة وتقاسما كل شي في الوطن، انتهى شهر العسل وانفجرت حرب صيف 1994. وهي الحرب التي كانت كارثة على الجنوب بكل المقاييس، كارثة انسانية واقتصادية وسياسية واجتماعية، وتم فيها استباحة الجنوب. وتحول الجنوب إلى غنيمة حرب. وتم توزيع الجنوب ارضاً وثروةً على المتنفذين في نظام صنعاء، بدءاً بالرئيس علي عبدالله صالح وحاشيته، ومشايخ القبائل الكبار، وقادة المحاور العسكرية.. الخ. وتم اسقاط الجنوب بالفعل من المعادلة السياسية وتحول الجنوب إلى ارض مباحة ومستباحة.
ثالثاً: مفهوم التصالح والتسامح كقيمة مطلقة
لاشك ان لجمعية ابناء ردفان الخيرية قصب السبق في فتح هذا الملف الشائك والحساس، ملف التصالح والتسامح، وذلك في 13 يناير 2006. وكانت فكرة التصالح والتسامح حينها تركز على التصالح والتسامح في اطار محدد خاص بصراع اطراف السلطة في فترة زمنية محددة.
اما التصالح والتسامح الذي ننشده اليوم ونسعى إليه، فهو تصالح وتسامح شامل يعم كل الأطياف الوطنية وكل الوطن.. وننشده كقيمة مطلقة وليس كقيمة مرتبطة بفترة محددة من التاريخ.. وبأطراف محدده من ابناء الوطن.
وهناك تجارب انسانية رائعة في مجال التصالح والتسامح يمكن الاستفادة منها والبناء عليها. كتجربة المصالحة في جنوب افريقيا وتجربه المصالحة في المغرب، ورواندا.. وكمبوديا.. الخ
واضم صوتي هنا للكاتب والسياسي الاخ عبدالله ناجي علي عندما يقول "نريد تصالح وتسامح جنوبي شامل يعالج كل المحطات السياسية التي مر بها شعب الجنوب.. وهنا سنكون قد اغلقنا كل ملفات الماضي المأساوي لنتفرغ فيما بعد للاهتمام بحاضرنا الجنوبي ابتداء من تشخيص واقعنا بعقلية سياسية احترافية بعيداً عن هواة السياسة.. وبعيداً عن جراحات الماضي.. لكي نصنع حلول حضارية لمستقبل أفضل لشعبنا الجنوبي التواق والعاشق لدولة النظام والقانون."
رابعاً: التصالح مع التاريخ
اذ اردنا ان نحقق تصالح وتسامح حقيقي فعلينا اولاً ان نتصالح مع تاريخ الحركة الوطنية الحديثة في بلادنا. بل ومع تاريخ وسير الشخصيات البارزة من ابناء الوطن، سواء الخاص بالحكام السابقين من سلاطين ومشايخ وامراء ووزراء في حكومات مستعمرة عدن او وزراء حكومة الاتحاد وسلطنات حضرموت والمهرة. وكذلك رموز الوطن من علماء ورواد الحركة الوطنية والتنويرية والشخصيات الاجتماعية والقبلية، ومنهم من تعرض للكثير من الجور والظلم وأيضاً زُور وشوه تاريخه.. وصودرت او سُلبت كل حقوقه.
ان تاريخنا الحديث غائب..
وان وجد فهو مشوه، وظالم، وغير منصف..
وقد آن الأوان الآن ان يقف تاريخنا الوطني على قدميه.
كما ان علينا بالتحديد ان نتصالح مع مدينة عدن الخالدة ومع ابناءها الطيبين..
هذه المدينة التي كانت بمثابة المشعل التنويري والحضاري في جزيرة العرب في فترة الخمسينات والستينات.. والتي كانت الميناء الثاني في العالم يوم الاستقلال عام 1967. ثم دفعت عدن هي وابنائها ثمن صراعات المتصراعين والتي لم يكن لها فيها ناقة او جمل.
خامساً: فلنتصارح .. قبل ان نتصالح
كي يقوم صرح التصالح والتسامح على اساس متين وثابت ، من المهم أولاً ان نتصارح. والمصارحة ليس بهدف تصفية حسابات او دفع فواتير عن اخطاء وخطايا العقود الخمسة المنصرمة. وانما بهدف لئم الجراح وغسل القلوب.. وجبر الخواطر.
المصارحة والاعتراف بالخطأ.. بل والاعتذار عنه.
اما المصارحة الكبرى .. فهي انه بعد ما يقرب من خمسة عقود من الزمن ، فقد آن الأوان للحرس القديم في الجنوب ان يختفي من المشهد السياسي.. ويتحمل المسئولية جيل جديد من الشباب، جيل غير مشدود إلى الماضي بعقده وقيوده وخطاياه.. جيل هو الأقدر على التعاطي مع معطيات العصر ومتطلباته.
ونحن في حزب الرابطة قد قررنا ان نأخذ دور الريادة في هذا المضمار. فلدينا مشروع بعنوان "السفر إلى المستقبل".. وهو مشروع يرمي إلى اعداد وتدريب وتأهيل الجيل القيادي الجديد في الرابطة، الذي انتخب في المؤتمر العام التاسع للحزب الذي عُقد في عدن في شهر يناير 2009، ليتحمل مسئولية قيادة الرابطة خلال سنتين من الان.
ايها الاخوة والاخوات..
اننا امام لحظة تاريخية نادرة.. وفرصة تاريخية نادرة ايضاً..
واذا كنا قد أخطأنا المسار في عام 1967 ولم نحقق التصالح والتسامح حينها..
فأنا على ثقة بأننا سنكسب الرهان في هذه المرة.
وبالله التوفيق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.