يدخل اليمنيون اليوم – أو هكذا يتوقع- منعطفا جديدا في تاريخهم، بعد أشهر من اندلاع الثورة الشعبية السلمية التي حاول نظام صالح جاهدا الوقوف في وجه تيارها الهادر و إعصارها الذي طال كل شبر في تراب الوطن. انتصرت الثورة ولا تزال في طريقها لاستكمال نصرها المنشود، وسقط نظام صالح ولا يزال في انتظاره السقوط المدوي، و هو ما يجعل اليمن أجمل بدون طابور الفساد الجاثم على الأنفاس 33 سنة هي فترة الحكم غير الصالح، والمؤكد هنا أن ثمة نزوع لعرقلة هذا التحول يكمن لدى بقايا العصبة المغتصبة للسلطة والتي ترى في الثورة تقويضا لمجدها و خطرا على مصالحها غير المشروعة، وبالتالي نرى أعراض هذا النزوع الشيطاني بارزة من خلال الاستمرار في المزيد من الجرائم البشعة بحق الشعب خصوصا في تعز حيث لا تزال أرقام ضحايا القصف العدواني تتصاعد كاشفة عن همجية مرتكبيها و بالمقابل يتجلى صمود الثورة في وجه القوة الحمقاء الغاشمة، الثورة في أجمل معانيها مقابل الجريمة في أبشع صورها، القتلة الممسكين بأدوات الجريمة والأحرار المتمسكين بنبل قضيتهم ومشروعية نضالهم السلمي الذي اختطوه طريقا وحيدا للوصول للهدف السامي والغاية النبيلة. تحاول البقايا بكل ما أوتيت من مكر وقوة وبطش الوقوف أمام خروج الوطن مما يعيشه من مآس ٍ جعلته يتردى في مهاوي التخلف والحرمان والجهل والأمية سنينا طويلة، لأن أي تغيير إيجابي في حياة اليمنيين حاضرا ومستقبلا هو في مجمله إدانة للحكم الفاسد والمستبد الذي ظل على مدى عقود ثلاثة يدير البلد بعقلية (ما بدا بدينا عليه)، وبالتالي فقد أوعز الحاكم المعزول إلى بطانته أن يجعلوا من الخراب سدا منيعا يحول دون تحول الوضع إلى ما هو أحسن، أن يعطلوا أي توجه للإصلاح و أن يهدموا أي مسعى للبناء، وهاهم يواصلون ما بدأوه وما دأبوا عليه كي يظل الحال على حاله و لكي يظل هو الآمر الناهي والحاكم بأمره، عقارب ساعته تسير للوراء أو تتوقف في مكانها، و أبواق إعلامه لا زالت تتجاهل أنه أمضى على ورقة عزله و بيان خلعه على الملأ و أمام الجميع، إعلامه يستقبل حكومة الوفاق بسلسلة افتراءات و حملات مضللة في سعي واضح ومكشوف لعرقلة ما تم الاتفاق عليه غير مكترث بما أبرمته الأطراف من عهود ومواثيق، وللنظام في الانقلاب على الاتفاقيات تاريخ طويل أفقده المصداقية أمام الداخل والخارج، ولولا ما حظيت به المبادرة الخليجية من حضور ودعم و تأييد دولي لما قبلت المعارضة جلسة واحدة للحوار بشأنها – ناهيك عن التوقيع عليها- ومع إصرار تلك البقايا على الانقضاض على ما أنجزته القوى السياسية وبفعل الثورة الشعبية فإن النقل السلمي للسطة من خلال المبادرة الخليجية و آليتها التنفيذية هو المطلب الملح والعاجل والضروري للبدء في بناء يمن جديد، يمن خال ٍ من الفساد والقمع والمحسوبية والنهب والفوضى، و من شأن ذلك أن يجعل من اليمنيين قوة بشرية قادرة على البناء والنهوض بالواقع الذي طحنه الفقر و أطبق عليه الحرمان، وماذلك على الله بعزيز.