أسوأ ما فعلته الأنظمة الاستبدادية في بلداننا أنها عطلت قدرات الشعوب و استبدت بثرواتها و نهبت خيراتها و صادرت مواردها، إذ جعلت من الشعوب مجرد "هتيفة" لا تجيد سوى الهتاف بحياة الزعيم و تمجيد فخامته و مصفقين لا يتقنون غير التصفيق كلما خطب القائد الفذ أو تحدث، و لهذا كانت الحصيلة النهائية عن نصف قرن من الاستبداد و الفساد و العبث أن تردت أمتنا في مهاوي الهزائم التي لا أول لها و لا آخر، و انتكست مرات و مرات في دياجير الفشل و التخبط و الحرمان و الفقر و التخلف. أخطأ الزعماء التقدير حين زينت لهم شياطينهم أن الشعوب لا يمكن لها أن تثور مهما كانت معاناتها و ليس بمقدورها أن تنهض كيفما كانت مبرراتها، ظنوا المظالم تحميهم وما علموا أن ليس يسكت رغم الظلم ممتهنٌ و في المقابل نجد أن أجمل ما في هذه الثورات أنها أعادت للشعوب اعتبارها و ردت للإنسان كرامته التي بالغت أنظمة الاستبداد في امتهانها، و هاهي الثورات الجديدة و الثورة اليمنية في طليعتها تضع في مقدمة أهدافها البناء الجاد و العمل الدؤوب و الاستفادة من كل القدرات في عملية التنمية الشاملة التي ظلت لعقود طويلة حلما يوزعه قادة الفشل و زعماء الإخفاق، و لعل تصدر الشباب أبرز تجليات الثورة الجديدة، كما و أوضح الأدلة على ما لاقته هذه الفئة في العقود الماضية من تهميش لدورها و إقصاء لتواجدها و الحد من فاعليتها و التعامل مع الشباب كما لو كانوا عناصر ثانوية و هامشية لا يذكرون إلا في سياق الحديث عن منجزات الحكام في مجالات الشباب و الرياضة، عندما أقدم محمد البوعزيزي على إضرام النار في جسده لم يكن يمارس فعلا ترفيا بقدر ما كان يقدم نفسه قربانا للخلاص من أنظمة عاجزة حولت الشعوب -و الشباب في المقدمة- إلى ملايين العاجزين و المعوزين الباحثين عمن يعولهم، و بالتالي بدا الشباب روادا لهذه الثورات حتى غدت تعرف بأنها ثورة الشباب، وإذا كانت الأنظمة الفاسدة سعت جاهدة لتعطيل قدرات الشباب باعتبارهم عماد النهضة و مرتكز البناء و التنمية، فإن الثورة اليوم ومن يتولون زمامها يضعون الشباب و قضاياهم في مقدمة الاهتمامات و بما يتوافق مع الدور الذي يضطلع به الشباب في التصدي للمهام الملحة حاضرا و مستقبلا و التحديات القائمة و القادمة في مختلف المجالات، و إن الشباب الذين قادوا الثورة بوعي و إدراك ومسئولية و كفاءة عالية سيكونون أكثر وعيا و مسئولية في المرحلة التالية لإسقاط النظام، بما يتفق و حساسيتها و ضرورة الحفاظ على ما حققته الثورة و أنجزه الثوار و العمل على جعل كل أهداف الثورة حقيقة يعيشها الشعب وواقعا يحياه الناس، لقد آن للشعب الذي تعطلت قدراته سنينا عديدة بفعل سياسات العجز و الفشل أن يباشر النهوض من كبوته، و حان له انتزاع حقوقه التي صودرت من قبل أنظمة الفساد، و إن زمن استغلال الشعوب و تعطيل طاقاتها ولى مع سقوط تلك الأنظمة و توارى مع انبلاج فجر الشعوب. و كم كان الشاعر الخالد أبو القاسم الشابي محقا وهو يربط الثورة بإرادة الشعب قائلا: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر