* الآن يكون الرئيس التونسي –السابق- زين العابدين بن علي قد «فهم» تماماً أنه لم يكن يفهم شيئاً.. وأنه لم يفهم شعبه على الإطلاق، وأمامه متسع من الوقت.. الوقت بكامله ليفهم أشياء كثيرة، على رأسها أن قوة الحاكم المستبد ضعف، وضعف الشعوب قوة لا تقف لها أو أمامها قوة في الأرض. * صفعة من رجل أمن في وجه خريج جامعي عاطل عن العمل كانت كافية لأن تحمل التوانسة الأحرار على التوحد وتوجيه صفعة هائلة في وجه الديكتاتور أقتلعته ونظامه من الجذور وألقت بهم خلف الحدود وخلف السجون والمخابئ وخلف المهانة والهوان.
* شاب تونسي مجرد بائع خضار، صادروا عربيته، كما يفعل كل يوم في شوارع وأسواق العاصمة صنعاء أشاوس البلدية والبيئة والسلطات المحلية، واعتدوا عليه بالضرب فصادر حكمهم وحاكمهم وأحالهم أثراً بعد عين، ولعنته ستظل تلاحقهم حتى آخر متر مربع في اليابسة.. حساب مفتوح لن يغلق أبداً.
* محمد البوعزيزي نبي الثورة الشعبية التونسية أحرق نفسه ليمنح شعبه سبباً للانقلاب الهائل على الخوف والخروج إلى الشوارع وإشهار الرفض، وفي غضون بضعة أسابيع لا غير كان البوعزيزي أيقونة الثورة والتغيير، قد أشعل النار في نظام الديكتاتور وأتى عليه دفعة واحدة. مات البوعزيزي (رحمه الله) ليحيا أكثر ولتحيا الجماهير التونسية بلا خوف ولا مهانة وبلا قهر وبلا استبداد وبلا ديكتاتور.
* هل يفهم الآن بن علي الرئيس المخلوع كم كان بائع الخضار الجامعي العاطل عن العمل أقوى منه، وأعظم صيتاً وسلطة، وأسمع كلمة عند الشعب التونسي؟
* وهل يفهم، الآن بن علي الرئيس المنبوذ الفار اللاجئ، كم كان ضعيفاً بقوته واستبداده؟ وكم كان البوعزيزي الخالد الماجد الرمز قوياً بضعفه. وكم كان التوانسة أقوياء ببائع الخضار الذي أشعل ثورة غير مسبوقة في بلاد العرب وأيقظ بموته الأسطوري العظيم الآمال والأحلام في ملايين القلوب العربية المشوية بنيران القهر والظلم والاستبداد.
* الشعب التونسي العربي العظيم كان السبّاق هذه المرة بدرجة امتياز، منح العرب سابقة للتماثل والتناسخ والتناسل. الفضاء الجماهيري العربي بات ملَّقح، الأجواء حبلى، والمسافة بين الحمل والولادة اختصرت وتقلصت إلى بضعة أسابيع لا غير، بحكم التطور وتماشياً مع عصر السرعة سجل السرعة القصوى.
* هل يفهم الحاكم العربي، زملاء بن علي، ما لم يفهمه صاحبهم؟
وهل تفهم الشعوب العربية، أشقاء التونسيين، ما فهمه وحذقه أشقاؤهم الخضر في تونس الخضراء؟
* وهل تفهم الأحزاب والنخب والمعارضات العربية أنها باتت عاطلة عن العمل وعديمة الجدوى وأعجز من أن تحرك شارعاً أو تغير واقعاً أو تبلغ سامعاً؟ البوعزيزي صنع ثورة يتسارع المعارضون لاقتسام كعكتها الحكومية الآن.
* الشارع وحده بات وحده يحرك ويتحرك.. يقود ولا يقاد.. يقرر وينفذ بالأصالة عن نفسه ولا ينيب عنه أحداً. أقال جميع العجزة والمهرطقين وما حاجته إلى الموتى؟!