عبارة أطلقها متظاهروا الشعب التونسي مباشرة باتجاه الظالم الحقيقي والمسئول عن شقائهم 23 عاما , لم يتوارى أحرار تونس خلف عبارات عامه كالسلطة اوالحكومة والمسئولين, فهولاء موظفين لدى الحاكم , يأتمرون بأمره , وينفذون سياسته. " برع بن علي ".. هي الشفرة التي أوصلت الشعب التونسي إلى النصر, وأسقطت حاكمهم المستبد , رغم كل محاولاته الالتفاف على الشعب , وتحميل الآخرين مسئولية أخطاءه. فقد أدى تحطيم عربة خضار الشاب محمد البوعزيزي في15ديسمبر الماضي إلى اندلاع ثورة عمت الشارع التونسي وقوبلت بالقمع والرصاص, وحينها ظهر " بن علي " في أول خطاب متلفز يصف المتظاهرين بأنهم قلة من المتطرفين وسيضربهم بيد من حديد , فرد عليه الشعب بمزيد من التظاهرات السلمية وبشعار واحد " برع بن علي ".. وبعد أسبوع ولما رأى مدى تخلص الشعب التونسي من الخوف ومواجهة القمع الأمني ..اطل "بن علي " من جديد , ليعلن تفهمه لمشاعر العاطلين , وعزل 3وزراء , فقوبل عرضه بشعار ثابت " برع بن علي " , بعدها تصاعدت التظاهرات وشملت كامل التراب التونسي , شعر "بن علي" بالخطر وبتناقص السلطة من يديه كل يوم بل كل ساعة , فحاول كبح جماح الثورة عبر التخلص من اقرب المقربين وتحميلهم المسئولية فأقال كبار مستشاريه وساعده الأيمن وزيرالداخلية ' ثم أقال الحكومة بأكملها , ومن جديد رفعت الجماهير شعارها المفضل " برع بن علي " . وقبل يوم من فراره.. ظهر" بن علي " للمرة الأخيرة على شاشات التلفزيون ضعيفا مهزوزا مستجديا , يعلن تفهمه لمطالب الجماهير, وان رسالتها قد وصلت, مبررا أخطائه بأنه وقع ضحية تضليل مستشاريه, معلنا عزمه إطلاق الحريات ورفع الحظر عن وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية,وتنظيم انتخابات مبكرة , وموكدا التزامه بعدم تمديد فترة رئاسته – كما فعل ذلك مرتين – ولن يحكم مدى الحياة , لكن الجماهير لم تصدق وعوده وردت عليه بشعارها الوحيد " برع بن علي " .. فما كان منه سوى الرحيل. هذا المشهد التاريخي ومنظر طائرة " برع بن علي " تغادر في الظلام , وتعلق في الأجواء لساعات عشر, ترفض المطارات استقبالها , نظرا لاحتوائها على شخص غير مرغوب فيه, منبوذ من شعبه.. وأمام الزلزال التونسي نستطيع اليوم الخروج ببعض الدروس والاستنتاجات التالية : - أهمية النضال السلمي في إحداث التغيير وترجمة أمال وتطلعات الشعوب في الحرية والعدالة والمساواة , وكيف نجح في بضعة أسابيع فيما عجزت عنه وسائل أخرى سنوات طوال. - دور وسائل الإعلام وقناة الجزيرة والهواتف النقالة كان محوريا في فضح جرائم السلطة, وكسر التعتيم المفروض من أجهزة " برع بن علي " القمعية . - سقط الظالم ولم تسقط الدولة , ومن دون حصول الفراغ الدستوري والانفلات الامني والجحيم الذي أرعبونا به طويلا . - أن الأنظمة الاستبدادية والحكام المعمرون في السلطة كثيرا, لا يغيرون سياستهم, ولا يسمحون بالنقد, ولا يقبلون النصح من احد, ولا يتعضوا بما حصل للطغاة السابقين, ولن يتغيروا من تلقاء أنفسهم أو يعترفوا بأخطائهم , إلا إذا وجدوا الجماهير في الشارع . - الانتخابات المزورة لا تعطي الشرعية للحاكم , بدليل إجراء " برع بن علي " انتخابات نيابية مزورة في عام 2009م, ومع ذلك ثار الشعب وأقاله, واعترف العالم بشرعية التغيير واهمل شرعية الانتخابات المزورة . - مدى ضعف وجبن الحاكم المستبد , إذ أن "برع بن علي" كان أول من فر ناجياً بنفسه , تاركاُ أتباعه " عبدت الطغيان " يواجهون مصيرا مظلماً . - دور الجيش التونسي المشرف , اثبت فعلا انه جيش الشعب وليس جيش الحاكم المستبد. - الفساد, سيطرة الأقارب والأصهار,الهيمنة الأمنية, انتهاك الدستور, الاستقواء بالخارج , قواسم مشتركة لكافة الأنظمة الاستبدادية , ومن أهم عوامل سقوطها أيضا. - حراك تونس خلال 3 أسابيع وبنحو 90 شهيدا حقق التغيير ونجح في إسقاط اعتي نظام قمعي في إفريقيا , بينما فشل الحراك الجنوبي لثلاث سنوات مضت وبمئات الشهداء في إحداث تغييريذكر, والسبب استهداف الوحدة وليس من صادرها.! - كل التنازلات للغرب والإشادات الأمريكية والأوروبية لم تفلح في حماية نظام " برع بن علي " من السقوط , بل كانت أول المتخليين عنه ,حفاظا على مشاعر الشعب التونسي بحسب بيان وزارة الخارجية الفرنسية اقرب حلفائه , ومثل تصريح باراك اوباما صفعة لكل المستبدين في أوطاننا ,حينما أعرب عن تقديره واعتزازه بشجاعة وكرامة الشعب التونسي . - طالبت القوى السياسية والنخب بالإصلاحات والنظام يرفض , ورفعت الجماهير لأسابيع شعار التغيير فركع النظام , وهذه رسالة للمعارضة إذا تقاعست عن قيادة حركة التغيير فسوف يتجاوزها الشارع لا محالة . - الشباب أداة التغيير وصناع التحولات الكبرى , وحضورهم الكثيف في التظاهرات التونسية كان لافتا ومميزا . - 90 شهيدا سقطوا على محراب الحرية والتغيير في تونس , في مقابل عشرات الألوف يسقطون ثمنا للسكوت على فساد الحاكم المستبد, ويذهبون ضحايا للازمات والحروب العبثية التي يشعلها. - بفعل التعتيم الإعلامي, قدم النظام البائد صورة وردية عن تونس , ثم كشفت ألانتفاضه الجماهيرية الصورة الحقيقية لتونس ,وان الازدهار الاقتصادي محصور في أقرباء " بن علي " دونا عن بقية فئات الشعب . - فضحت انتفاضة تونس حجم التواطوا الأوروبي الأمريكي مع نظام بن علي القمعي , وتغاضيهم عن جرائم النظام وانتهاكه للحقوق والحريات ألعامه والخاصة . - الرئيس الأسبق بورقيبة افطرعلنا في شهر رمضان.. فرحل مطرودا , ومنع " بن علي " الناس في تونس من الذهاب إلى الحج العام الماضي.. فرحل مطرودا ..ألا يكف بقية الحكام عن الاستهزاء بالدين والمعتقدات. ختاما : ما سبق استنتاجات وقراءة أولى للحدث التونسي العظيم والذي ولاشك لن تكون تداعياته حكراً على التراب التونسي , إنما على المنطقة بأكملها , ولن أتحدث عن اليمن فللحديث بقية .. انتهى ............... فوزي الجرادي 15/1/2011م