الوطن الذي ننشده هو الوطن الذي يتسع للجميع ويقبل بالجميع، بعد الثورة الشبابية المجيدة فإن الكل أصبح مطالباً بأن يشترك في بناء البلد. بمعنى آخر فإن جميع أفراد هذا الوطن تقع على عاتقهم مسؤولية علاج سلبيات الماضي وتجاوز محنه. لقد حان الوقت لكي يصبح الوطن غايتنا ونسمو به عن جميع اتجاهاتنا وأفكارنا المناطقية والحزبية والشخصية. الوطن لا يحتاج لمزيد من الانقسامات بل يحتاج ليد واحدة تبني، ولا يحتاج لكثرة الاجتهادات والتجاذبات بقدر ما يحتاج لعقلية تستطيع أن تنتشله من رداءة وضعه الحالي وتبتعد به عن الأخطار. لقد مللنا الأنظمة الشمولية، سئمنا حكم الحزب الواحد وضجرنا من سلطة الفرد المطلقة، لذا فإن الوطن الذي ننشده هو الوطن الديمقراطي الذي يحترم فيه كل رأي ويكرم عنده كل فرد، وأظن أنه آن الأوان لكي نسمع صوت كل مواطن وحان الوقت لكي تتسع صدورنا للغير. ولعلي لا أخطئ إذا قلت أننا كنا نحتاج لهذا منذ أمد بعيد ولعلي لا أخطئ أيضاً لو قلت أن مشاكل الوطن منذ الأزل هي رفض الفئات الحاكمة لأي أراء أو نظريات لا تتماشى مع آليتها ونهجها في الحكم. لقد أدى صراع النظريات وتناحر التيارات السياسية والفكرية والمناطقية إلى ويلات عصفت كثيراً بالبلد وكادت تفتك به وذهب نتيجة هذا الصراع كوادر وعقليات رائدة كان يرجى منها صنع المعجزات. ولا يختلف اثنان أن صراع المصالح الشخصية والنزاعات المناطقية والعصبية والحزبية والسياسية أضاع على الوطن سنوات من العمل وأفقده أبناء أبرار مخلصين. إذاً وجب علينا الآن أن نتجاوز هذه المصالح الضيقة ونعلو عن تلك الأهواء السيئة ، إن الوطن الذي ننشده لا تصبح السلطة فيه محتكرة من فصيل معين أو حزب محدد أو اتجاه واحد بل تجتمع فيه جميع الفصائل والأحزاب والاتجاهات لصنع المستقبل خاصة وأن أعباء المرحلة القادمة كثيرة وصعبة وتتطلب أن يتحد الجميع فلا وقت للتمزق والتناحر ولا وقت للمكايدات السياسية والمزايدات السلطوية لا وقت لوضع الشروط وتوجيه الاتهامات .. لسنا في ميادين قتال وحرب ولسنا أعداء .. . علينا أن نتجه معاً لساحات البناء، بناء الوطن الذي ننشده. الوطن الذي ننشده تكون أولوياته هي الشعب والرقي به ورفع مستواه المعيشي يكون المواطن هو أعلى عناصره وقيمة الإنسان فيه عظيمة، وأظن أن هذا المواطن يستحق فعلاً أن نصنع لأجله الكثير والكثير. لقد أثبتت التجربة والأيام الماضية أن المعاناة السابقة في ظل الأنظمة الحاكمة الرديئة لم تستطع أن تهدم الجوهر الأصيل الموجود داخل إنسان هذا الوطن وأن تجفف فيه منابع الخير أو تسرق منه روح الإبداع، أو تنزع من جنباته الأمل فما أن وجد ذلك الإنسان الفرصة السانحة حتى رأيناه ينتفض ويثور ويصنع معجزات ظننا في يوم من الأيام أنه لا يستطيع صنعها. الوطن الذي ننشده يكون التعليم والصحة أهم بنود ميزانيته، فهل يعقل أن يكدس الطلاب في الصفوف وأن نترك مهمة بناء المدارس للجمعيات الخيرية وصناع المعروف ولا نوجد لها بنود إنفاق محترمة في ميزانياتنا العامة. ثم هل نستطيع أن نعلق الآمال العريضة في بناء الوطن على أجيال هي أصلاً لا تتجاوز المراحل الدراسية إلاّ بالغش والرشوة. أما في الجانب الصحي فهل يعقل أن نصف المواطنين المغادرين للوطن إنما يسافرون للعلاج في الخارج وهل يعقل أن المستشفيات الحكومية غير قادرة على توفير أدنى متطلبات السلامة الصحية وهل يعقل هذا الكم من عدم تحمل المسؤولية الذي نراه في مستشفياتنا ومجمعاتنا الصحية. الوطن الذي ننشده لا نرى جنوده في الشوارع والطرقات فمكانهم هناك على الثغور وفي الحدود وليس هنا في قلب المدن، في وطننا المنشود لا توجد معسكرات للجيش في وسط المحافظات أو حولها فيه يكون الجندي والشرطي أداة لحماية الأرض والشعب والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة وليس وسيلة لاستفزاز المواطنين واستغلالهم والاعتداء عليهم. أخيراً في الوطن الذي ننشده، ننشد الماء النقي والكهرباء التي لا تنقطع والشوارع النظيفة والبيوت الآمنة والشباب العامل والمواطن الصالح والقيادة الواعية والحاكم العادل.