على مدى تاريخها الطويل شهدت تركيا أدوارًا مختلفة للحياة السياسية كان الجيش من المؤثرات الكبرى فيها، حيث شهدت العديد من الانقلابات العسكرية، على الرغم من وجود الدستور والقوانين التى تؤكد التداول السلمى للسلطة السياسية في تركيا. إلا أن تركيا شهدت في الفترة الأخيرة تجربتين مختلفتين للعلاقة بين الجيش وتيار الإسلام السياسى، كان أولها الانقلاب العسكري الذي أطاح بنجم الدين أربكان زعيم حزب "الرفاة" ذى المرجعية الإسلامية، والذي اضطر إلى الاستقالة فى 18 يونيو 1997، تحت ضغط العسكر الذين اتهموه وحزبه بمحاولة أسلمة المجتمع التركي. حيث أنه فى عام 1996 فاز حزب أربكان بالانتخابات التشريعية ونجح فى تشكيل حكومة، وقام بطرح رؤيته الاقتصادية التي لا تعالج الوضع المتدهور في تركيا فقط، بل تعتبر علاجًا لأزمات العالم أجمع، إلا أن الجيش التركي شعر بالخطر على النظام الأتاتوركي العظيم فصعد ضغوطه على حكومة أربكان من خلال مطالبتها بتنفيذ العديد من الإجراءات مثل مطالبتهم بمنع أي دعوات مؤيدة لتطبيق الشريعة الإسلامية، وحظر ارتداء الحجاب للنساء، إضافة إلى تجريم أي نشاط سياسي له دوافع دينية، وإغلاق مدارس تعليم القرآن التابعة للإسلاميين، ووقف بناء المسجد الجديد في حي "تقسيم" بإسطنبول، فضلاً عن فصل 160 من ضباط الجيش لارتباطهم بالتيار الإسلامي، وفصل بعض حكام الولايات لانتماءاتهم الإسلامية. اضطر اربكان إلى الاستقالة، وفي يناير عام 1998 تم حظر حزب الرفاه، ومنعته المحكمة الدستورية من تأسيس حزب الرفاه تحت ذريعة أن ذلك سيؤدي إلى المساس بمبادىء العلمانية، وحكم عليه بالسجن عامين وأربعة أشهر في العام 2002 - ثم خففت العقوبة إلى الإقامة الجبرية، وكان ذلك بتهم مختلفة منها منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، كما تم منعه من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات. وعلى الرغم من ذلك الحظر السياسي على اربكان وتقدم العمر به، إلا أنه استمر في العمل الإسلامي على الرغم من الضغوط الشديدة والمتكررة التي تعرض لها من قبل التيار العلماني واتخذت أشكالا مختلفة من الانقلابات العسكرية إلى استخدام القضاء والصحافة وشق صفوف أتباعه الذين لم يجرؤ أحد منهم على تكرار ما قام به زعيمهم، حيث لجأ اربكان إلى المخرج التركي التقليدي ليؤسس حزبا جديدا باسم الفضيلة بزعامة أحد معاونيه وبدأ يديره في الخفاء، حتى تعرض تلك الحزب للحظر في عام 2000م، وعاد بعدها ليؤسس حزب السعادة بعد انتهاء مدة الحظر في عام 2003م، حتى تم اعتقاله ومحاكمته في نفس العام بتهمة اختلاس أموال من حزب الرفاه المنحل، وحكم عليه بالسجن لمدة عامان وكان يبلغ من العمر وقتها 77 عاما. إلا أنه بعد مرور خمس سنوات وبالتحديد فى عام 2002 نجح حزب "العدالة والتنمية" ذو المرجعية الإسلامية بزعامة رجب طيب أردوغان وهو من تلاميذ أربكان بالانتخابات التشريعية، ونجح فى تشكيل الحكومة، ومنذ هذه اللحظة تغيرت الخريطة التركية، لتصبح تركيا نموذجا مخالفًا للعديد من الدول التى حدث بها انقلابًا عسكريًا. ومنذ تولي "العدالة والتنمية" الحكم في عام 2002 أستطاع الحزب الذي ينتمي إليه أردوغان أن يقلم أظافر العسكر، والحد من سلطاتهم الواسعة، والتي استهدفت أيضا بمحاكمات بتهمة التآمر لتدبير انقلاب، وحكم على أكثر من 300 ضابط بالسجن في سبتمبر 2012 بتهمة التآمر للإطاحة باردوغان في عام 2003، وقبل أيام صدر حكم بالسجن مدى الحياة لقائد الجيش المتقاعد الذي كان يحرض على الإنقلاب ، في رسالة قوية أراد القضاء التركي أن يبعثها للتفكير العسكري العنيف في تركيا ومصر والعالم ، أن زمن الإنقلابات لم يعد قابلا للتكرار. كما ساعد اردوغان على ذلك نجاح اقتصادى كبير حققته حكوماته، ألف قلوب قطاعات واسعة من الشعب التركى حوله. ويرى خبراء أن مصر تسير ناحية التجرية التركية حيث أنه بعد أن تم إجبار اربكان على تقديم استقالته ظل يعمل ويعمل وكان هو المرشد لأردوغان الذى جاء بعد الانقلاب بخمس سنوات على رأس حزبه "العدالة والتنمية"، واستطاع أن يخلص تركيا من قبضة العسكر، وهو ما قد يصل إليه الإخوان المسلمون في مصر بعض سنوات.