هل يوجد شيء مهين لكرامة الإنسان، أكثر من الموت جوعاً؟، وهل يمكن أن يكون هناك شيء آخر، يخرب البنية الاجتماعية، بقدر الموت بسبب الجوع؟ لقد مات 60 لاجئا فلسطينيا نتيجة الجوع، في مخيم اليرموك الذي تحاصره قوات الأسد، في إحدى ضواحي دمشق، إنه عدد الذين عثر عليهم أمواتا بعدما استحالت أجسادهم هياكل عظمية. وماذا عن المجهولين؟ الذين يموتون جوعا، في مناطق انقطعت معها الاتصالات، ولا ترد منها أخبار بأي شكل من الأشكال؟ إن الأسد يرتكب أكبر جريمة مشينة بالنسبة للانسانية، إذ يقتل الإنسان عبر تجويعه، لكن لا أحد يستطيع أن ينبس ببنت شفة، هذه "جريمة ضد الإنسانية" حسب توصيف القانون، لكن من الذي سيقوم بالمحاسبة؟ تخيلوا للحظة، أنكم في ذلك المخيم، وضعوا أنفسكم محل ذلك السوري الذي استحال جسده إلى هيكل عظمي، أغمضوا عيونكم، واشعروا بذلك العجز. اعتقد أننا عشنا مثل هذه الأيام العسيرة، إبان الحرب البوسنية، حيث شهدنا المأساة الانسانية التي تعرض لها المسلمون البوسنيون، في ظل الحصار الصربي، لقد شاهدنا أجسادا استحالت إلى هياكل عظمية، وأطفالا ماتوا جوعا في مخيمات، وأناسا تجمدوا من البرد لأنهم لم يجدوا شيئا يشعلونه ليتدفأوا، وأبرياء لقوا مصرعهم بالرصاصات العشوائية التي أطلقها قناصة. لقد كانت الحرب البوسنية ثاني وصمة عار، سجلت في التاريخ، بالنسبة للعالم الإسلامي، بعد القضية الفلسطينية، حيث لم يستطع العالم الإسلامي بأسره، منع قتل المسلمين البوسنيين، والتوقيع على اتفاقية في ظل ظروف قاسية للغاية. وها هو العالم الاسلامي يواجه وصمتي عار كبيرتين، هذه الآونة، في سوريا ومصر، بينما الأممالمتحدة لم تعد تحصي عدد قتلى الحرب الأهلية المتواصلة في سوريا، منذ أكثر من عامين، حيث تزايد القتلى، بحيث لم يعد يمكن إحصاءهم، ولا أحد يستطيع إيقاف هذه المجزرة. أما مصر فقد شهدت تنفيذ أكثر انقلاب مخزٍ في التاريخ، فضلا عن المجزرة بحق المدنيين، في ظل البث الحي، ولم يستطع أحد أيضا منع ذلك. إنهما وصمتا عار ينبغي على العالم الاسلامي التخلص منهما، فالقاتل والمقتول مسلم في هذه الجغرافيا، و منظمة التعاون الإسلامي، التي اعتقد أنها تشكلت بهدف منع أي تحالف حقيقي بين الدول المسلمة، يجب أن تتحمل النصيب الأكبر من هذا العار، وإنه لمما يحز في النفس أن الأمين العام السابق للمنظمة كان مرشح تركيا. إنه لأمر مخزٍ جدا، عدم الحيلولة دون موت المسلم جوعا، حتى لو سلمنا بعدم القدرة على وضع حد للحرب، والقصف، إنه وزر كبير. كيف للإنسان أن يكون عديم الرحمة، وظالما إلى هذ الحد؟ يدور حديث عن وجود عدد يتراوح بين 20 و 50 ألف نسمة في سوريا، يعيشون تحت خطر الموت جوعا، حاليا، والأدهى أن هذه الأرقام والمعلومات مجرد تقديرات، إذ يكاد ينعدم الدخول والخروج للمناطق المحاصرة، ما يعني احتمال أن يكون عدد الناس المهدَدين أكبر، وأن تبرز حالات موت ودفن جماعي. من الذي سيضع حدا لهذا العار؟ لقد كانت تركيا الأمل الوحيد للمظلومين السوريين، وكان أردوغان القائد الوحيد، الذي ينقل صيحة هؤلاء المظلومين للعالم، مع الأسف تركيا تتعرض لهجمات متواصلة منذ نحو عام، وهناك جهات تحاول إشغالها دائما. لا أحد يستطيع فعل شيء، ما أشده من عار على الانسان وما أشده من عار على العالم الإسلامي وكم هو مشين بالنسبة لنا