لاشك أن كل واحد منا له أحلام وردية فيما يحمله قادم الأيام وله آمال و طموحات لربما عانق بها عنان السماء أو لربما جاوز بها الجوزاء في عليائها، لكنه لربما جاءت عليه لحظات تبين فيها ومن خلالها أنه كان يعيش أحلام اليقظة التي أن أفرط فيها فعليه مراجعة أقرب العيادات النفسية والالتزام بنصائح الأطباء النفسانيين. قد يتساءل بعضكم -وحق له ذلك- ما مناسبة هذه الكلمات والجمل المرصوصة التي تحمل بين سطورها تمتمات لا يفهم المراد منها، ولكنه سيعجب حينما يتبين له بأن المعني هو كاتب هذه السطور نفسه أو من كان على شاكلته، نعم هو أنا واستسمحكم بأن تعيروني عقولكم وسمعكم وأبصاركم ولا تغركم البهرجات الإعلامية حول أي إنسان فالحكمة ضالة المؤمن أيّا ً وجدها أخذها .. ففي إحدى أيام الأسبوع المنصرم كنت في سوق مدينة بيحان قابلني رجل صدقوني لا أعرف اسمه لغيابي المتكرر عن المدينة لطبيعة عملي خرجها.. سلم عليَّ وسلمت عليه وتحدث إلي وفي أثناء حديثي معه كانت زلة من لساني بكلمة لم أمر بها على عقلي في شأن السوق قلت: "هذا الشأن من اختصاص الدولة" نظر إلي شزرا تجمع غضب هذا اليوم في صدره.. كان متوشحا بندقه الكلاشينكوف ومنتطق الجنبية -السلاح الأبيض- حينها بدأ التفكير لدي سريعا.. أهمس في داخلي ماذا قلت: لعلي أخطئت في حقه أو لربما فهمني خطأ، فقلت له بصوت خافت ما الذي حدث، ردّ مباشرة وبصوت يصحبه الغضب عن أي دولة تتحدث؟ وهل توجد لدينا دولة حتى الآن؟ أستطرد قائلا: "لدينا مجموعة من اللصوص كانوا بالأمس تحت مظلة صالح وعصاباته الأجرامية، وهم اليوم تحت مظلة ما تسمونها ثورة.." ثم واصل كلامه لن أصدق ما حييت أن لدينا دولة إلا إذا رأيت أصحاب الكفاءات يقودنها لا عن طريق أحزابهم ولا مناطقهم ولا تكوينهم القبلي أو المذهبي أو العشائري كما هو الحال اليوم، سيكون لدي يقين أن لدينا دولة حينما أرى أفذاذا ممن تشهد لهم كفاءتهم وتأهيلهم العلمي وخبراتهم المشهود لها بذلك في تلك اللحظة فقط سأضم صوتي إلا صوتك بأن هذا الشأن أو ذاك هو من اختصاص الدولة وسنحيل إلىها كل همومنا ومشكلاتنا وقضايانا، لأنها دولة القانون لا دولة الشيخ أو رئيس الحزب . صدقوني هذا مضمون ما تكلم به الرجل وما دار بيني وبينه.. مع تهذيبي لبعض الألفاظ التي يقولها بسليقته الريفية كونه من ريف بيحان وليس من المدينة، لكنه مع ذلك أذهلني في طرحه لهذه المسألة بل بقيت بعد أن غادرني مندهشا مما قاله الرجل لم يتعلم في جامعة ولا أكاديمية سياسية أعرف منشأه تماما لكن نظرته إلى ما يدور من حوله يفتقدها كثير ممن يدعون بأنهم مثقفين أو حتى أنصاف مثقفين .. تعاليت على نفسي واعترفت له بأننا بلد بدون دولة فمرافقنا كلها أو بالأحرى أغلبها لا يمتطيها إلا من كان من أصحاب النفوذ جاء به الحزب أو القبيلة.. وهذا معيار الاختيار حتى اللحظة لدى الجميع دون استثناء لأحد.. ومع هذه الصورة المتشحة بالسواد فقد حاولت أن أفتح له نافذة من الأمل بأن الدولة قادمة وأن البلد يسير في طريق التعافي .. هذا هو أملنا في الغد وستظل أمنية السواد الأعظم ممن هضموا حقوقهم أو استبيحت ممتلكاتهم أو انتهكت أعراضهم أو قتلوا في عقر دارهم أو هجروا من مواطن سكناهم.. طموحنا أن نرى هذا البلد يفاخر بقياداته التي تقف خلفها دولة قوية ذات مؤسسات تشريعية وقضائية وتنفيذية ننفذ بها إلى صروح المدنية القائمة على أساس العدل والمساواة في الحقوق وتلتحق بركب الأمم الحضارية في الألفية الثالثة التي تتميز بأن لديها مجتمعات خالية من التمييز العنصري.