من الانصاف القول أن الجنوبيين لم يكن بإمكانهم الخروج بحرية إلى المليونيات الجنوبية وإقامة فعالياتهم دون خوف وفي قلب العاصمة الجنوبية عدن إلا في عهد الرئيس هادي.. ومن الإنصاف ايضا القول بأن أعمال القتل ضد الجنوبيين لم تتوقف بوصول الرئيس هادي إلى السلطة عامان الا ثلاثين يوما انقضت منذ تولي الرئيس عبدربه منصور هادي شؤون رئاسة الدولة حيث وصل إلى الحكم في اصعب فترة ممكن ان يصل اليها رئيس دولة.. المتاريس في الشوارع والبنى التحتية شبه منهارة والجيش منقسم ولاؤه بين من اسمتهم تلك الاحداث ب (الثوار) و(انصار الشرعية) .. الوقود منعدم وعجز الكهرباء بلغ اوجه.. و مع كل هذه الصعوبات حظي الرئيس هادي بدعم دولي غير مسبوق لم يحدث ان ناله رئيس قبله ولا يبدو انه سيحظى به رئيس بعده. بدأ الرئيس هادي مشواره الرئاسي بشكل هادئ ووضع نصب عينيه الهيكلة بداية لمشواره الرئاسي ثم مؤتمر الحوار وحاول في الوقت ذاته ترويض الثعابين التي لطالما فاخر سلفه صالح بأنه يرقص على رؤوسها ..وعلى الرغم من كل ما قطعه من اشواط وجد هادي نفسه في كل مرة يعود إلى نقطة الصفر. الهيكلة التدريجية: أول يوم تسلم فيه الرئيس هادي كان مطلب هيكلة الجيش والمطالب التي ترفعها ساحة التغيير في صنعاء المهيمن عليها أحد اكبر احزاب اللقاء المشترك المعارض سابقا والشريك في الحكم حاليا نصب عينيه.. حتى ان قوى سياسية طرحت الهيكلة كشرط لمشاركتها في مؤتمر الحوار قبل انطلاقه.. الا ان هادي فضل التصرف بترو وهدء أمام هذا الملف الخطير فلم يكن بالامر السهل انتزاع انياب ومخالب عائلة صالح من الجيش بسرعة . بدأ هادي اول قرار له يخص الجيش بعد شهر واحد فقط من توليه الرئاسة إذ اصدر قراره العسكري الاول في مارس 2012م بعزل احد اكبر اذرع صالح في الجنوب وهو اللواء مهدي مقولة قائد المنطقة العسكرية الجنوبية واحل محله اللواء الشهيد سالم علي قطن في حين تم تعيين مقولة في منصب نائب رئيس الاركان وهو المنصب الذي بدأ شرفيا أكثر منه تنفيذيا مقارنة بمنصبه السابق. أردف هادي قراره ذلك بقرارات كانت تصدر بين فترة واخرى بشكل منقطع.. نقل طارق محمد عبدالله صالح ابن شقيق صالح الى لواء الخشعة في حضرموت وهو يعلم انه لن يقبل بهذا المنصب بعد ان كان قائدا للواء الثالث حرس في صنعاء.. وعزل محمد صالح الاحمر عن قيادة القوى الجوية وقد تمرد في البداية لكنه سلم بعد الضغط الدولي وزيارة بنعمر له الى قاعدة الديلمي الجوية وبازاحة طارق ومحمد صالح الاحمر انزاح عبء ثقيل عن كاهل الرئيس هادي في حين كان ينتظر فرصة سانحة لاقالة وكيل جهاز الامن القومي عمار محمد عبدالله صالح - ابن شقيق صالح – وقد وجد الفرصة مواتية في التفجير الانتحاري الذي استهدف عرضا عسكريا في السبعين عشية الاحتفال بعيد 22 مايو معتبرا معتبرا الحادث اخفاقا امنيا يستدعي عزل عمار محمد عبدالله صالح وقائد الامن المركزي السابق عبدالملك الطيب المقرب من صالح اما شقيق عمار الاكبر يحيى فقد نجا من العزل كونه كان قد غادر الى بيروت قبل فترة طويلة من الحادث. بعد عزل عمار بدأ الرئيس هادي بتقليم اظافر الفرقة الاولى مدرع والتي كان يقودها اللواء علي محسن الاحمر والحرس الجمهوري الذي كان يقوده احمد نجل الرئيس السابق واصدر الرئيس هادي عدة قرارات بضم الوية من الفرقة والحرس الى الوية الحماية الرئاسية ، ثم اعقبها بقرارات توزيع عدد من الوية الفرقة والحرس على عدد من المناطق العسكرية القريبة منها وكانت تلك القرارات بمثابة تقليم اظافر يحد من قوة مخالب الفرقة والحرس على حد سواء. استمر الحال في تدرج الهيكلة الى ابريل 2013م، بعد شهر من انطلاق مؤتمر الحوار حيث ازاح هادي اخر من تبقى من القيادات العسكرية من عائلة صالح وهم نجله احمد وابن شقيقه يحيى بتعيين احمد سفيرا في الامارات وبقى يحيى عاطلا عن العمل في حين تم تعيين طارق ملحقا في المانيا وعمار ملحقا في اثيوبيا الا ان الاسوأ في تلك القرارات انها لم تشمل تسفير اللواء علي محسن الاحمر وابقت عليه كمستشار امني وعسكري يداوم في قصر الرئاسة. ربما كان الابقاء على علي محسن الأحمر داخل البلاد لاحداث نوع من التوازن بسبب بقاء علي صالح في صنعاء.. الا ان الثابت ان هذه القرارات التي ابعدت عائلة صالح عن المشهد العسكري أبقت على اللواء علي محسن الأحمر ابرز رموز النفوذ العسكري في العهد السابق. هادي والقضية الجنوبية عند انطلاق حملته الانتخابية في يناير2012م، القى المرشح التوافقي حينها الرئيس عبدربه منصور هادي كلمة موجهة الى الشعب لعل ابرز ما جاء فيها بشأن القضية الجنوبية هي قوله :"لا خطوط حمراء عند بحث القضية الجنوبية في الحوار الوطني". ومع اقتراب التحضيرات لمؤتمر الحوار الوطني كانت القوى التقليدية القبلية والعسكرية تجهز العميد عبدالله الناخبي الأمين العام السابق للمجلس الاعلى للحراك لتمثيل الحراك الجنوبي الذي أعلن مقاطعته لمؤتمر الحوار .. كان الناخبي احد ابرز المرشحين ليقدم كواجهة للحراك في حوار صنعاء إلا أنه افرط في التصريحات المعادية للحراك الجنوبي الى الحد الذي جعله من ادعاء تمثيله للحراك امرا اشبه بالمسخرة.. كما أن الرئيس هادي بدأ يعي ان الناخبي اصبح اداة بيد اولاد الاحمر ومن الممكن ان يسيروه كما يريدون ولهذا فضل استبداله بشخصية جنوبية اكثر ثقلا ومكانة وكان قبول محمد علي أحمد المشاركة في حوار صنعاء يواجه تحدي المقاطعة الجنوبية. طوال فترة انعقاد مؤتمر الحوار كان محمد علي أحمد يشدد على تمسكه بخيار استعادة الدولة، ولم يظهر من الرئيس هادي في البداية أي تعليقات مضادة إلى حين اقتراب الحوار من نهايته بدأ الرئيس هادي يلوح بسقف الوحدة بعد أن كان الترويج لمؤتمر الحوار طوال الفترة الماضية بأنه بدون سقف. ربما استفاد الرئيس هادي من اعتكافات محمد علي احمد المتتالية كون تعطل العمل في فريق القضية الجنوبية كان يؤدي إلى تعطيل عمل مؤتمر الحوار ككل وهو الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لضرورة التمديد للرئيس هادي وهو الأمر الذي لم يكن ليصبح ضرورة لو تم اختتام مؤتمر الحوار في موعده المحدد في سبتمبر الماضي إلا أن اعتكافات محمد علي أحمد وانسحاباته المتكررة تسببت بتأخير اختتام مؤتمر الحوار. استطاع الرئيس هادي شق عصا مؤتمر شعب الجنوب - الجنوبي المشارك في الحوار وهو الأمر الذي سهل من ابعاد محمد علي أحمد واستبداله بأخرين من مكونه نفسه بل من الذين اختارهم محمد علي لتمثيله في هيئة رئاسة مؤتمر الحوار ومكوناته. كان الرئيس هادي طوال الفترة الماضية يلمح بشكل مغلف إلى تأييده للدولة الاتحادية.. وجاء ذلك جليا في زيارته الاخيرة للعاصمة الروسية موسكو والتي قال فيها أنه أعجب بمشهد الأعلام الروسية وتعدد أعلام الاقاليم داخل الدولة الروسية الواحدة.. إلا أنه (الرئيس هادي) لم يكن شديد اللهجة أمام المشروع الذي يرفعه الجنوبيون الا بعد ان شارف مؤتمر الحوار على نهايته.. وكانت أشد عباراته مع الحراك الجنوبي هي ما قاله في خطابه بمناسبة ذكرى 30 نوفمبر الفائت حيث قال :"ان من يلهثون وراء شعارات استعادة دولة الجنوب يجرون وراء سراب ". أصر الرئيس هادي على رفض الحل الأدنى للقضية الجنوبية المتمثل بخيار الاقليمين وأصر على خيار الستة الأقاليم، لكن من الانصاف القول أن الجنوبيين لم يكن بإمكانهم الخروج بحرية إلى المليونيات الجنوبية وإقامة فعالياتهم دون خوف وفي قلب العاصمة الجنوبية عدن إلا في عهد الرئيس هادي.. ومن الإنصاف ايضا القول بأن أعمال القتل ضد الجنوبيين لم تتوقف بوصول الرئيس هادي إلى السلطة ومجازر الضالع خير شاهد. هل أحكم هادي سيطرته؟ على الرغم من نجاح الرئيس هادي في إزاحة غالبية رموز النظام السابق عن المشهد السياسي إلا أن الأمور لازالت تسير في منحى لا يطمئن له.. فالاغتيالات السياسية زادت وتيرتها خلال الفترة الماضية بشكل أكبر بكثير من أي وقت مضى.. والتفجيرات الارهابية تصاعدت والانفلات الأمني ظاهر للعيان.. واستهداف أنابيب النفط وأبراج الكهرباء لم تتوقف .. إلا أن غالبية هذه المشاكل مرتبطة بشكل رئيس بالتحري الأمني ..فهل لا زالت الأمور خارج سيطرة هادي بعد التغييرات الواسعة في الجيش والأمن ؟ سؤال يبحث عن إجابة.