يمكن القول إن الأحداث كانت كثيرة فى عهد سيدنا النبى محمد عليه الصلاة والسلام، ولم تأخذ جميع "الأيام" التي وقعت فيها هذه الأحداث حقها، ومن ذلك يوم "بدر الآخرة"، فالرسول الكريم قد خرج لملاقاة قريش فى منطقة بدر مرة أخرى، ولكن ما الذي يقوله التراث الإسلامى فى ذلك؟ يقول كتاب البداية والنهاية ل الحافظ ابن كثير تحت عنوان "غزوة بدر الآخرة": وهي بدر الموعد التي توعدوا إليها من أحد كما تقدم. قال ابن إسحاق: ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من غزوة ذات الرقاع، أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا، ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبى سفيان. قال ابن هشام: واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول. قال ابن إسحاق: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا، وأقام عليه ثمانية ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان فى أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية الظهران، وبعض الناس يقول: قد بلغ عسفان. ثم بدا له في الرجوع فقال: يا معشر قريش إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب، ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، فإن عامكم هذا عام جدب، واني راجع فارجعوا، فرجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق، يقولون: إنما خرجتم تشربون السويق. قال: وأتى مخشى بن عمرو الضمري، وقد كان وادع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ودان على بنى ضمرة، فقال: يا محمد أجئت للقاء قريش على هذا الماء؟ قال: "نعم يا أخا بنى ضمرة، وإن شئت رددنا إليك ما كان بيننا وبينك، وجالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك". قال: لا والله يا محمد ما لنا بذلك من حاجة، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا. قال ابن إسحاق: وقد قال عبد الله بن رواحة يعنى في انتظارهم أبا سفيان ورجوعه بقريش عامه ذلك، قال ابن هشام: وقد أنشدنيها أبو زيد لكعب بن مالك: وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد * لميعاده صدقا وما كان وافيا فأقسمُ لو لاقيتنا فلقِيتَنا * لأبت ذميما وافتقدت المواليا وعن الزهرى وابن لهيعة، عن أبى الأسود، عن عروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر الناس لموعد أبى سفيان، وانبعث المنافقون فى الناس يثبطونهم، فسلم الله أولياءه، وخرج المسلمون صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وأخذوا معهم بضائع وقالوا: إن وجدنا أبا سفيان وإلا اشترينا من بضائع موسم بدر. ثم ذكر نحو سياق ابن إسحاق فى خروج أبى سفيان إلى مجنة ورجوعه، وفى مقاولة الضمري، وعرض النبي صلى الله عليه وسلم المنابذة فأبى ذلك. قال الواقدي: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها في ألف وخمسمائة من أصحابه، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة، وكان خرجوه إليها فى مستهل ذى القعدة يعنى سنة أربع، والصحيح قول ابن إسحاق: أن ذلك في شعبان من هذه السنة الرابعة، ووافق قول موسى بن عقبة أنها فى شعبان، لكن قال في سنة ثلاث وهذا وهم. فإن هذه تواعدوا إليها من أحد، وكان أحد في شوال سنة ثلاث كما تقدم، والله أعلم. قال الواقدي: فأقاموا ببدر مدة الموسم الذى كان يعقد فيها ثمانية أيام، فرجعوا وقد ربحوا من الدرهم درهمين، وقال غيره: فانقلبوا كما قال الله عز وجل: { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } [آل عمران: 174] .