من يقرأ القرآن الكريم يرى صورًا وتعبيرات بلاغية جديرة بالتوقف، أمام هذا النص الإلهي البليغ، ومعجزة الله الكلامية التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ليرى الناس الهدى والفرقان ويهديهم من الظلمات إلى النور، فجاء كآية للناس بجلال كلماته وجمال مفرداته وعظمة بلاغته، ليظل "الفرقان" و"البيان" لدى الناس، قادر على جذب أسماعهم وأبصارهم، ويأسر قلوبهم. وفى القرآن العديد من الآيات التى نزلت بلغة جميلة ووجيزة قادرة على التعبير الجمالي والتصوير الفني، ومفردات كثيرة زينها الحسن والإبداع والإتقان، ومن تلك الآيات الجمالية التي جاءت في القرآن: وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) قوله تعالى: واصبر على ما يقولون أى من الأذى والسب والاستهزاء، ولا تجزع من قولهم، ولا تمتنع من دعائهم. واهجرهم هجرا جميلا أي لا تتعرض لهم، ولا تشتغل بمكافأتهم، فإن فى ذلك ترك الدعاء إلى الله. وكان هذا قبل الأمر بالقتال، ثم أمر بعد بقتالهم وقتلهم، فنسخت آية القتال ما كان قبلها من الترك; قاله قتادة وغيره. وقال أبو الدرداء: إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتقليهم أو لتلعنهم. وقال السعدى في تفسيره: لما أمره الله بالصلاة خصوصا، وبالذكر عموما، وذلك يحصل للعبد ملكة قوية في تحمل الأثقال، وفعل الثقيل من الأعمال، أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به، وأن يمضي على أمر الله، لا يصده عنه صاد، ولا يرده راد، وأن يهجرهم هجرا جميلا، وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه، فيقابلهم بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه، وأمره بجدالهم بالتي هى أحسن. وقال البيضاوي في تفسيره: واصبر على ما يقولون من الخرافات. واهجرهم هجرا جميلا بأن تجانبهم وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى الله فالله يكفيكهم كما قال: وذرني والمكذبين دعني وإياهم وكل أمرهم فإن بي غنية عنك في مجازاتهم. أولى النعمة أرباب التنعم، يريد صناديد قريش. ومهلهم قليلا زمانا أو إمهالا.