المحرر السياسي هل نحن بحاجة إلى تأزيم الأوضاع؟. . ألم يئن الأوان لأن يستريح هذا الشعب ولو قليلاً من نكد السياسة، وسياسة النكد؟. . وهل قدر هذا الوطن أن ينتقل من حرب إلى أخرى ومن كارثة إلى أكبر من أختها؟، وما الذي تبقى لوطن يدخل بالفجائعية كل يوم، وتحديد مواقف اللامهادنة بدون سابق إنذار؟ هل نحن نعي جيداً الحالة الجماهيرية التي صارت تعيش الألم النفسي الرهيب والمعاناة على التوالي؟. . أسئلة يفرضها نكد الراهن السياسي الرابض الذي لا يريد أن ينزاح ولو قليلاً والذي يدخل على الدوام في مرحلة تجديد الأزمات، فهي تتوقف ببساطة لتتجه إلى الحوار ثم إلى القاعدة، وإذا لم يكن هذا ولا ذاك، فإن التوتر السياسي بين الشعبي العام وأحزاب المشترك هو البديل. هكذا المشتغلون في السياسة لا يريدون للوطن قليلاً من الاستقرار والتحولات التنموية، ولا يرغبون في إفساح المجال لما هو خلاق وإنساني ليكون حاضراً، من أجل ذلك يحدثون شروخاً في جدار الوطن، ويتخذون من لغة الاتهام والإدانة مجالاً حيوياً لتفجير الأوضاع، وإحباط مسيرة التقدم، ويدخلون البلاد بفعل هذا الملازم لهم من المناكفات السياسية والمواقف العدائية المجانية ما يزيد الوطن قلقاً وتوجساً من القادم المعبأ بالبارود في أقل الأحوال. والواقع أننا بفعل هذا المتميل غيضاً من السياسي صرنا نتحسس ذواتنا لنسأل، هل مازلنا على قيد الحياة؟، وهل كل شيء على ما يرام؟، وهل ثمة شمس ستشرق ثانية؟. . فلم نعد كمواطنين نطالب الجُرء قبل خوفنا من الخوف، من انتقالنا إلى مرحلة أشد ضراوة من سابقاتها. عمر الثورة اليوم 48 عاماً ، لم يسترح فيها الوطن ولم يهدأ له بال، ولم يعره الساسة اهتماماً قدر اهتمامهم بذواتهم، كأن هذه البلاد لا تستحق الحياة، والمعنيون فيها ليسوا منتمين إليها، والإنسان في بلاده موصولاً بالخوف لدرجة الرعب، هو لا يعرف من أين يأتي، لأن الساسة يتقنون صناعته بكثير من التبديل والذرائعية التي يجيدون العزف عليها. . كيف إذاً لنا كبشر نريد الحياة ونحب العيش ويحذونا الشعور بالأمل الجميل أن نستقر على بارق غيث وإنقاذ وطن من براثن التصريحات النارية والمناكفات السياسية والاشتغال على جلب الهموم؟. . كيف لمستثمر ورأس مال يريد أن يفعل شيئاً في بلد الحكمة أن يقبل بموضعة نفسه وثمة أوضاع متوترة وقلق سائد، وموت مجاني، وضمير وطني في إجازة؟. . من أين إذاً يأتي استقرار الأوضاع في وطن الحكمة والسياسيون فاقدو الحكمة ويلعبون على من يفوز بالضربة القاضية ضد الآخر؟. . من أين لنا نافذة نطل عليها لنرى زمناً ننعم فيه بالهدوء والسكينة ونحن من حرب إلى أخرى ندور. . كأن الذي نعشقه هو الموت العلني والقهر السياسي؟. . ومن أين لهم أن يكونوا أصحاب رؤى وطنية وثمة انزلاق حقيقي ضد الآخر ومواقف مسبقة ودراسة حصيفة لكيفية الإيقاع بالشركاء في الوطن؟. . "الشعبي العام" يدعي الحقيقة وينكرها على الآخر، وأحزاب المشترك تمارس العدمية طولاً وعرضاً، فلا تعرف متى يكون الوطن وطناً، والمواقف مبدأً، وبين هذا وذاك يكون المواطن هو الضحية، فلا أمان ولا سلام ولا حياة أمل ولا قليل من العيش الهنيء يمكن أن يقع عليه هذا الوطن الغلبان، ولا الوطن يزداد تعميراً وبناءً وحركة اقتصادية نشطة واستثماراً، وكيف له أن يقع على شيء من هذا والأجواء ملبدة بالتوتر والخوف والخُدع، وصناع الأزمات يدركون كيف يكون القادم نذير شؤم وتمترس واتخاذ المركب الصعب، مسيرة بدلاً من المسيرة التنموية؟؟. . من أجل ذلك نريد السياسي أن يكون عاقلاً، متعقلاً ، يقبل بالآخر، يحاوره بحب وثقة وطمأنينة، يشعر أنه في ذات الهم معه. . نريد السياسي أن يكون أكثر ترشيداً لخطابة الانفعالي وأن يؤمن بلغة العقل والمنطق وكل ما هو متفق مع الذات اليمنية وهي تجوب عوالم الفرح فلا تراها ، لأنها بين نارين: "سياسيون أعداء وأعداء سياسيون"، وبينهما يغب وطن وتتألف أزمة جديدة، وبمقدور الجميع أن يكونوا أكثر تهديداً مع الوطن وأكثر إخلاصاً لو أنهم آمنوا بالغد الجميل ولديهم الثقة بأن الحوار الخالي من المواقف المسبقة وسوء النوايا، أجدى وأنفع من توتير الأجواء حد محاصرة الإنسان في قوته اليومي ومسيرة كفاحه من أجل أبنائه وهم يعانون شظف العيش وما تجود به عليهم سياسة الأعداء. . بمقدورهم أيضاً أن يكونوا مع التنمية والرفاه والتقدم لو أنهم تخلوا عن مواقف مسبقة قابلة لأن تفجر أوضاعاً من العدم. . بمقدورنا جميعاً أن نكون هناك "الطيبين" لو أننا آمنا بالإنسان وامتلكنا ضمير الانتماء، وأحسسنا بالآخر وما يعانيه من ثُكل وخوف وأمراض وحاجته إلى أن يكون آدمياً ولو سنة واحدة خلال عمر الثورة التي استلهم معنى أن تكون خيراً وبركة وقبل أن يستغل عليها الساسة حروباً مثل الدفاع عنها تارة والتآمر تارة أخرى عليها. . تكون الثورة بهذا المنطق وسيلة ابتزاز ضد الآخر. . تكون إدانة للآخر حين يتهم بالخروج عنها وتكون حكراً وامتلاكاً لمن يجعلها اتهاماً، ولعل هذا الإنكار والامتلاك في الذل، والقهر ذاته كالذي يريد السياسة أن تكون أشبه بتعميم على كل أرجاء الوطن. . فمن أين إذاً يصلح الحال ويأتي الاستثمار وينعم الوطن بثورته وثمة ثوار ليسوا أحراراً وأحرار ليسوا ثواراً؟؟.