ماركينيوس : سنتفوق على دورتموند    بعد زيدان.. بايرن ميونخ يوجه أنظاره لمدرب إسباني    التشكيل المتوقع لمعركة الهلال وأهلي جدة    مبابي يوافق على تحدي يوسين بولت    منظمات إغاثية تطلق نداءً عاجلاً لتأمين احتياجات اليمن الإنسانية مميز    مسيره لطلاب جامعات ومدارس تعز نصرة لغزة ودعما لطلاب الجامعات في العالم    أمين عام الاشتراكي يعزي برحيل المناضل احمد مساعد حسين مميز    مليشيا الحوثي تقتحم قرية بالحديدة وتهجّر سكانها وتختطف آخرين وتعتدي على النساء والأطفال    تعاون حوثي مع فرع تنظيم القاعدة المخيف في تهديد جديد لليمن مميز    ضجة بعد نشر فيديو لفنانة عربية شهيرة مع جنرال بارز في الجيش .. شاهد    رشاد العليمي وعصابته المتحكمة في نفط حضرموت تمنع تزويد كهرباء عدن    ضعوا القمامة أمام منازل المسئولين الكبار .. ولكم العبرة من وزير بريطاني    «كلاسيكو» الأهلي والهلال.. صراع بين المجد والمركز الآسيوي    سلطات الشرعية التي لا ترد على اتهامات الفساد تفقد كل سند أخلاقي وقانوني    صنعاء.. اعتقال خبير في المواصفات والمقاييس بعد ساعات من متابعته بلاغ في هيئة مكافحة الفساد    جريمة مروعة في حضرموت.. قطاع طرق يقتلون بائع قات من عمران بهدف نهب حمولته    القاعدي: مراكز الحوثي الصيفية "محاضن إرهاب" تحوّل الأطفال إلى أداة قتل وقنابل موقوتة    ميسي وإنفانتينو ينعيان المدرب الأسطوري    تغاريد حرة.. رشفة حرية تخثر الدم    رغم تدخل الرياض وأبوظبي.. موقف صارم لمحافظ البنك المركزي في عدن    ليلة دامية في رفح والاحتلال يبدأ ترحيل السكان تمهيدا لاجتياحها    الحوثيون يطوقون أحد المركز الصيفية في صنعاء بعناصرهم وسط تعالي صراح وبكاء الطلاب    عقب تهديدات حوثية بضرب المنشآت.. خروج محطة مارب الغازية عن الخدمة ومصادر تكشف السبب    العثور على جثة مواطن معلقة في شجرة جنوب غربي اليمن    بسبب منعه عكس الخط .. شاهد بالفيديو قيادي حوثي يدهس متعمدا مدير المرور بصنعاء    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    هل يستطيع وزير المالية اصدار كشف بمرتبات رئيس الوزراء وكبار المسئولين    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    عندما قال شيخان الحبشي للشيخ محمد بن أبوبكر بن فريد أنت عدو للغنم    البدعة و الترفيه    فاجعةٌ تهزّ زنجبار: قتيلٌ مجهول يُثيرُ الرعبَ في قلوبِ الأهالي(صورة)    "ثورة شعبية ضد الحوثيين"...قيادية مؤتمرية تدعو اليمنيين لهبة رجل واحد    فيديو مؤثر.. فنان العرب الفنان محمد عبده يكشف لجماهيره عن نوع السرطان الذي أصيب به    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    "ضمائرنا في إجازة!"... برلماني ينتقد سلوكيات البعض ويطالب بدعم الرئيس العليمي لإنقاذ اليمن!    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل محسن أبوبكر بن فريد    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    خصوم المشروع الجنوبي !!!    لماذا اختفت مأرب تحت سحابة غبار؟ حكاية موجة غبارية قاسية تُهدد حياة السكان    الإصلاح بحضرموت يستقبل العزاء في وفاة أمين مكتبه بوادي حضرموت    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي عنتر.. الثائر الفدائي الذي اجترح المآثر التاريخية في معارك الكرامة والاستقلال والتحرر من براثن الاستعمار والإمامة الكهنوتية
أُغتيل مع أغلى رموز الثورة اليمنية في أكبر مجزرة كارثية شهدها الوطن صباح "13"يناير 86 ميلادية..
نشر في أخبار اليوم يوم 30 - 11 - 2010

علي أحمد ناصر عنتر اسم لرجل عظيم ولامع ذاع صيته بين أوساط اليمنيين وتقدم الصفوف الأولى للمناضلين في معارك الشرف والفداء ضد فلول الإمامة والملكيين حتى قيام ثورة 26 سبتمبر وقاد معارك التحرر ضد قوات الاحتلال البريطاني في الضالع حتى اندلاع ثورة 14 أكتوبر من جبال ردفان الشماء وخاض مع رفاقه في جيش التحرير القتال الضاري والكفاح المسلح لمدة 4 سنوات، اجترح خلالها الملاحم والمآثر البطولية حتى تحقق لشعبنا اليمني الأبي آنداك استقلاله الوطني في 30 نوفمبر 1967م.
يصعب الحديث عن مناضل ثورة وقومي حر في سطور هذه المقدمة أو الاستهلالة إذا كان بحجم القائد الرمز الشهيد علي عنتر الذي لا يمكن سرد أي حديث عن أسفار نضالات الثورة والاستقلال دون ذكر علي عنتر، فهو رقم وطني وتاريخي حفر اسمه في ذاكرة الأجيال اليمنية التي تتناقل سيرة حياته، العطرة كجزء من تاريخ اليمن الحديث والمعاصر ومن المستحيل اجتيازه في أي مرحلة كانت.
لماذا أطلق عليه الشهيد مساعد لقب "عنتر"
تقول الوثائق التي لا تقبل الشك والجدل والاجتهاد إنه وفي أحد أيام ربيع 1937م وفي أحد الكهوف على سفح قرية صغيرة اسمها "الخريبة" لجأت أمه فاطمة إليه لتضع مولودها الثاني الذي أسمته علي..
أما كيف لقب ب "عنتر" فقد تأثر المناضل الشهيد/ علي أحمد ناصر بالشهيد المناضل مساعد علي، قائد انتقاضة 56م ضد الاستعمار البريطاني وكان الشهيد/ علي أحمد ناصر أصغر المجاميع المقاتلة ولكنه أكثرهم تحمساً وشجاعة وذكاءً حتى أطلق قائد الانتفاضة والثورة الشهيد/ علي مساعد عليه لقب "عنتر" ومن يومها ألصق به لقب عنتر وصار دلالة عليه حتى اليوم.
لقد كان لانتفاضة "56" أثرها البالغ في تفتق الحس الوطني لدى المناضل الصغير" عنتر" الذي لم يتمكن حينها من المشاركة فيها بحكم صغر سنه وعدم توفر السلاح،
والأمر الذي دفع به إلى حمل عصا غليظة اتجه بها صوب ساحة المعركة التي دارت في قرية "الجليلة" وقرية "نعيمة" وانسحب رجال الانتفاضة منها.. إلا أنه بعد ذلك وبإصرار المقاتل الشجاع حصل على بندقية قديمة نوع "صابة" ومنح حق المشاركة مع مجموعة فدائية مسلحة وضعت كميناً لدورية بريطانية في منطقة الضالع واشتبكت مع جنود الاحتلال لمدة أربعة أيام متتالية، انسحب بعدها المقاومون بحكم عدم التكافؤ، إلا أن "عنتر" بقي في مكانه وعندما أفرغ آخر طلقة وتمكن من اللحاق برفاقه انتقدوه بشدة وقال مدافعاً عن نفسه:"كيف أنسحب وأنا ما أشفيت غليلي وهذه أول مرة يتحقق فيها أملي الذي تمنيته من زمان في أن تكون لي بندقية أقاتل فيها الاستعمار وعملاءه".
وبعد هذه المعركة اضطر رجال الانتفاضة للمغادرة إلى مدينة قعطبة والتي جعلوا منها محطة انطلاق لعملياتهم العسكرية ضد المستعمرين وعملائهم وذات مرة قام علي عنتر على رأس فرقة فدائية بمهاجمة موقع الضابط السياسي البريطاني في منطقة "الصفراء" وأظهر خلالها شجاعة نادرة، حيث أصر على إطلاق النيران على الموقع عن قرب وتمكن مع رفاقه من إصابة عدد من المستعمرين ثم انسحبوا بنجاح، حينها قال الشهيد راجع لبوزة مفاخراً "لو أننا نملك مائة من أمثال علي عنتر لدمرنا كل معسكرات بريطانيا في الجنوب".
كان عنتر على معرفة باستخدام كل جديد في السلاح وكان يتردد على ثكنات الجنود الامام لهذا الغرض وذات مرة قصفت الطائرات البريطانية موقعاً لجنود الأمام فلاذوا بالفرار تاركين موقعاً لرشاش استولى عليه علي عنتر بشجاعة وإقدام وراح يكافح ضد الطيران البريطاني وتقديراً لشجاعته تلك منحه نائب الامام "السياغي" شهادة الشجاعة والبطولة.
معركة جحاف:
وقعت معركة جحاف عام 1957م واستمرت على جبل جحاف لمدة 14 يوماً وهي أبرز معركة مع جنود الاحتلال وانتصر فيها آنذاك من أسموهم ب"الشيوعية" وكان عنتر احد أبطال هذه المعركة بعد أن تعرض والده للاعتقال لإرغامه على تسليم ابنه، ولكنه قال لجنود الاستعمار وعملاءهم "ابني اختار هذا الطريق ولن أستطيع إبعاده عنها".
كانت يقظة وجسارة عنتر وهو في ربيع العمر في معركة جحاف المشهورة سبباً ليكثف الطيران البريطاني من هجماته على مواقع الفدائيين، فما كان من عنتر ورفاقه إلا التفكير لإيجاد مخرج من ذلك وهنا تجلت حنكة عنتر، الذي خطط لإبطال مفعول الطيران البريطاني من القصف على مواقعهم وتحويل القصف على مواقع الاستطلاع البريطاني ، مستخدماً علماً خاصاً يحدد نهاية الخط الأول للقوات البريطانية وطلقات مسدس إشارة تحدد اتجاه الفدائيين ومواقعهم، فتبنى عنتر ورفيقه أحمد مثنى مهمة الاستيلاء على العلم ومسدس الإشارة، حيث قام بالتسلل إلى جوار ضابط الاستطلاع البريطاني وأمسك بطرف العلم الذي كان يمسكه هذا الضابط بطرفه الآخر وبعد مشادة عنيفة وضع طرف العلم الممسك به تحت قدميه مصوباً بندقيته في رأس ضابط الاحتلال ليرديه قتيلاً ويعود حاملاً العلم ومسدس الإشارة إلى رفاقه وعندما قام الطيران البريطاني بغارة جديدة، قام عنتر بنصب العلم بالقرب من موقع رفاقه ووجه طلقات الإشارة باتجاه أكبر موقع لجنود الاحتلال، مما جعل الطيارين الانجليز يفرغون حمولات طائراتهم على مواقعهم.
عنتر في المهجر والإنفتاح السياسي
بسبب استمرار ملاحقة السلطات الاستعمارية لعنتر ورفاقه وعدم تمكنه من العودة إلى الجنوب ، لأنه كان محكوم عليه بالموت من قبل سلطات الاحتلال وخطورة بقائه في قعطبة قرر حينها السفر إلى الكويت نهاية عام 1958م.
وقد مثلت حياة المهجر بالنسبة له نقطة تحول ثورية في تاريخه النضالي السياسي المعادي للاستعمار، وكانت آخر عبارة قالها لرفاقه قبل سفره "سوف أسافر لآتيكم بأشياء جديدة ومن أجل أن أوفر البندقية والذخيرة التي بواسطتها أعود لمواصلة النضال إلى جانبكم.
وقبل وصول عنتر إلى الكويت كان مناضلو حركة القوميين العرب البارزون المتواجدون في الكويت يعرفون عنه مسبقاً وبالذات الدكتور/ أحمد الخطيب الذي طرح له ورفيقه محمد البيشي فكرة الانضمام إلى النضال السياسي المنظم في إطار حركة القوميين العرب التي وجد في برنامجها في تلك الفترة فكرة التحرير الوطني، حتى أن عنتر علق يومها مخاطباً رفيقه البيشي "إن هذا ما حلمت به طويلا ً وهذه أمنيتي التي حلمت بها منذ الطفولة".
لقد كان عنتر ينطلق من فهمه لبرنامج الحركة من مفهوم حمل المهام الثورية الخاصة باليمن المتمثلة بالنضال المسلح والمنظم ضد الاستعمار البريطاني وعملائه والنضال الراسخ ضد التجزئة ومن أجل وحدة الوطن اليمني.. وتحت ظروف الفقر والمطلب الملح لكسب لقمة العيش امتهن أعمالاً شاقة وكثيرة، فقد عمل حمالاً وعاملاً في شق الطرقات وحارساً أو "شوكي دار"، وذلك ما ساعده في التعرف على قطاع واسع من العمال اليمنيين في الكويت، حيث عمل على تشكيل وتنظيم خلايا سرية وبالذات من العناصر التي كانت تتحلى بالشجاعة والوفاء والإخلاص وتفكر بالعودة للنضال التحرري في الوطن وكثير من تلك العناصر التي نظمها عنتر عادت إلى الوطن وتبنت فكرة الكفاح المسلح ضد المستعمرين البريطانيين ومن ضمنهم رفاقه المناضلون قائد صالح، حنش ثاب سفيان، صالح أحمد مقبل، عبيد حسين، قائد عامر، وعبدالكريم الذيباني، أحمد حمودة، مثنى سالم عسكر، وغيرهم.
و في إطار نشاطه السياسي عمل عنتر على تنظيم اللقاءات السياسية التي اتخذت طابع المحاضرات الموسعة للعمال اليمنيين والتي كان يحضرها أيضاً عمال من الدول العربية الأخرى وكانت تلقى فيها محاضرات بعناوين "وطني مقدس وسمة رفيعة من سمات الحرية والسيادة والكرامة"، وكان للقاءات التي تتم مع الأعضاء المنضوين في حركة القوميين العرب من اليمنيين وبسرية لها خصوصياتها، لقد كان نشاط عنتر يتم بمنتهى السرية والحذر بحكم طبيعة النظام الاستعماري الذي كان يحكم الكويت الشقيق في تلك الفترة، حيث كان عنتر يختار مواقع التجمع غير المشكوك فيها، مثل مخفر شرطة "الدوقة" وكذا تنظيم التجمعات تحت مبررات أنها تتعلق بهموم العمال ومشاكل أسرهم في الوطن.
وبالرغم من النجاحات التي حققها في الكويت، من خلال نضاله السياسي، إلا أنه في قرارة نفسه لم يكن راضياً كل الرضا، لا سيما وهو بعيد عن وطنه ولهذا قرر العودة إلى الوطن ليواصل نضاله مع رفاقه في الكفاح المسلح، حاملاً لديهم ما سبق أن وعدهم به قبل مغادرته، إضافة إلى فهم سياسي وأسلوب وشكل جديد للنضال الثوري، كما حمل معه الكثير من خبرات النضال الثوري للشعبين المصري والجزائري وحمل معه أيضاً قيمة البندقة والذخيرة وفي جبيبه أيضاً اتفاق مع حركة القوميين العرب للعمل في الداخل.
غادر الكويت عام 1961م بعد أن اتفق مع قيادة الحركة على برنامج النضال المنظم والمنسق مع فرع الحركة في الداخل وكذا الإعداد السياسي والجماهيري للثورة المسلحة وقبل مغادرته نظم محاضرة للعمال اليمنيين في الكويت في مخفر "الدوقة"، قال لهم فيها :"آن الأوان للعودة للإعداد والقيام بالثورة ولا مجال للتأخر" ولكي لا يكشف أمر مغادرته للكويت قرر مع أحد عشر رفيقاً له الخروج ليلاً عبر السعودية وقد تم ذلك بالفعل على متن سيارة محملة بالأغنام، لأن عنتر وجد في ذلك خير وسيلة لإخفائه ورفاقه عن عيون حراس الحدود السعوديين، حيث لم تكن لديهم جوازات تسمح لهم بالمرور عبر الأراضي السعودية..
وقال عنتر يومها معلقاً على الرحلة "إن هذه الرحلة هي أسعد رحلة.. فرائحة الأغنام أعادتني إلى أيام الطفولة في بيتنا الصغير وإلى تلك الجبال والشعاب التي تربيت فيها راعياً للأغنام"..
وبمجرد وصوله ورفاقه إلى منطقة "القيصمة" في الأراضي السعودية تم اعتقالهم واقتيدوا إلى مخفر للشرطة واتهموا بأنهم كفرة.. مشركون.. أرسلهم قاسم العراق لتفجير المنشآت النفطية السعودية.. وفي السجن دعا رفاقه للصلاة جماعة وانتحل شخصية إمام في الوقت الذي كان عارياً باستثناء "فوطة قصيرة"، وحينها قال أحد المسؤولين في السجن: هه.. أشوف هذا الكافر يصلي بأصحابه جماعة" فقطع علي عنتر الصلاة قائلاً:" يا خي مشهي عليك، خليني أصلي بأصحابي" وبعد أكثر من أسبوع نقل رفاقه إلى سجن "الملز" الرهيب الذي أطلق عليه عنتر "مقبرة" الأحياء وحكم عليه بالسجن لمدة شهر مع أقوى وأشد أنواع التعذيب، حيث كانوا يعاقبون بالجلد الشديد يومياً لسبب غير معروف.
وهناك وجدوا الكثير من السجناء اليمنيين فقال عنتر لرفاقه "إن جميع اليمنيين الذين ضاعوا والذين يبحث عنهم عبر الراديو كلهم هنا تقريباً".. وبعد خروجه مع رفاقه من السجن وصلوا إلى صنعاء بعد رحلة شاقة استمرت 60 يوماً وهناك التقى ببعض الرفاق، فقاموا بشراء أسلحة وذخائر من المبالغ المتبقية معهم وقبل وصولهم إلى قعطبة بلغ خبر بأنهم غادروا الكويت لغرض ما أسمته السلطة بالأعمال التخريبية في الضالع، حيث وصل ذلك الخبر إلى مسامع السلطات البريطانية وعند وصوله إلى قعطبة سمحت السلطات البريطانية لجميع رفاقه بالعودة إلى قراهم باستثناء عنتر الذي كان يتسلل ليلاً إلى جنوب الوطن ويلتقي بعدد من العناصر الشريفة في "الشعيب وخلة" والمناطق المجاورة لهما، لغرض تنظيمهم سياسياً وقد اقترن ذلك بعمل فدائي، حيث حاول مع خمسة من رفاقه عدة مرات اغتيال الضابط السياسي البريطاني في الضالع.
وبعد فشل كافة المحاولات ومنها الطلب الذي تقدم به أقاربه لدى السلطات الأميرية في الضالع بالسماح له بالعودة اتخذ قراراً بالعودة للعنف الثوري عن طريق تنفيذ الأعمال الفدائية ضد السلطات البريطانية وعملائها، باعتبار ذلك أفضل الطرق.. وفي أحد أيام خريف 1961م وأثناء تواجده السري في المنطقة وعقب عودته من زيارة لوالدته صادف في الطريق بالقرب من قرية "القرين" دورية بريطانية متجهة إلى الضالع، فقال حينها وبسرور الفدائي "صدفة خير من ألف ميعاد، أدوره شخصياً يقصد عنتر الضابط السياسي الانجليزي والآن أمامي" ومن مسافة 400 متر أطلق النار على سيارة الحراسة البريطانية، قتل فيها ضابطاً وأصاب جنديين وعلى إثر هذه الحادثة بدأ الحوار مجدداًَ مع أمير الضالع للقبول بعودة عنتر إلى الداخل، حيث اضطر أمير الضالع للموافقة على عودة عنتر بعد أن طلب منه أن يكون مواطناً صالحاً.
وكان عنتر قد جند 25 من رفاقه ليتولوا مهمة قتل الأمير وجنوده إذا أقدم على فعل غادر أثناء استقباله وبعودته حقق أحد أحلامه وقرر بعدها الانضمام إلى جمعية أبناء الضالع التي كانت تعمل تحت غطاء الأعمال الخيرية ومن خلال الجمعية استطاع الذهاب إلى عدن لنقل رسالة الدكتور أحمد الخطيب إلى سيف الضالعي الذي كان مسؤولاً أول عن فرع الحركة في منطقة الضالع وعلى إثرها مارس عنتر نشاطه السياسي الواسع في تشكيل الخلايا السرية للحركة في القرى واستقطب عدداً من العناصر العسكرية ومن بينهم بعض جنود الأمير والضابط السياسي وهذا ما جعله هدفاً للمراقبة، ولتجنب الملاحقة قرر مع بعض رفاقه فتح دكان بالقرب من موقع المحكمة وقد كتب عنتر في أحد مذكراته ما يلي "كان معنا دكان بالنهار أبيع فيه تمراً وفي الليل أعقد اجتماعات".
عنتر وثورة 26 سبتمبر
عند انفجار ثورة 26 سبتمبر عام 1962م في شمال الوطن واشتداد الهجمات المضادة في محاولة يائسة لوأد الثورة الوليدة في مهدها برزت الضرورة الملحة للإسهام في الدفاع عن الثورة أمام عنتر ورفاقه، باعتبارها أهم وأنبل مهمة نضالية تقع على عاتق المناضلين الشرفاء في الشطرين.. وإزاء هذه المستجدات الجديدة وبرئاسة عنتر عقد أبرز قادة حركة القوميين العرب في الضالع اجتماعهم في منزل الشهيد المناضل/ علي مساعد هادي، حيث تم في الاجتماع تدارس خطة للإسهام المباشر في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر بكل الإمكانيات المتاحة وبمختلف الطرق، كما أنه ناقش إمكانية الثورة في الشطر الجنوبي من الوطن بعد أن توفر أهم طرف موضوعي لذلك.. وعقب الاجتماع تحرك عدد كبير من الفدائيين مع إخوانهم من الجنوب للدفاع عن الجمهورية الفتية.. ولم يقتصر دور عنتر ورفاقه على هذا الجانب، بل إنه لعب دوراً كبيراً في إقناع عدد من إخوانهم الشماليين والذين فروا إلى الضالع عقب الثورة بالتوقف عن معاداته وخدمة أهداف الاستعمار والعودة إلى ديارهم والمساهمة في الدفاع عن الجمهورية وقد قال لهم عبارته الثورية الصادقة التي رواها رفيقه الحاج ناصر "الثورة قامت من أجلكم ولن تعود الإمامة بعد اليوم"..
وقد شارك عنتر ورفاقه بمن فيهم المغتربون العائدون إلى الوطن في العديد من المعارك، أبرزها معركة الجميمة بالقرب من قعطبة وفي أثناء ذلك قام عنتر ورفاقه بإحباط تهريب مجموعة من الدبابات من قعطبة إلى الضالع، فقط أبلغه أحد رفاقه القريبين من الضابط السياسي والأمير بالخطة، حينها تحرك إلى قعطبة لمقابلة القائد العسكري وإبلاغه بذلك، فلم يجد إلا نائبة الذي وجده جالساً مع مجموعة من ضباط الدبابات، وعندما أبلغه بالنبأ وسلمه رسالة بذلك مديره نحو مسدسه بطريقة لا إرادية، لكن عنتر وبسرعة مذهلة فتح أمان بندقيته وبعد تأكده من ملامح نائب القائد التي تدل على أنه متورط، سحب منه الرسالة وأسرع لاشعار رفيقه المجعلي، فذهبا معاً إلى عامل قعطبة الذي أبلع زيفاً أن رجال الدبابات سيتحركون الساعة التاسعة صباحاً إلى تعز وحينها زودهما العامل بألغام قاموا بزرعها في الطريق المؤدية إلى الضالع لتفجير الدبابات إذا تمت عملية التهريب، لكن مدبر الخطة شعروا أن خطتهم قد انكشفت ولم يجرؤا على تنفيذها، بعدها شارك عنتر ورفاقه في الدفاع عن جمهورية سبتمبر في العديد من الجبهات، في المحابشة وصنعاء وصرواح وغيرها، وكانت قيادته لمعركة صرواح في السبعينيات وهو مسؤول بارز في الشطر الجنوبي تدل على تقديسه لواحدية الثورة اليمنية، حيث تم تطهير صرواح من أعداء الجمهورية بعد تلك المعركة.
انفجار ثورة 14 أكتوبر
عند انطلاق الثورة في ردفان برز دور علي عنتر ورفاقه في توضيح عظمة جبهة ردفان وأهمية الثورة مع اشتداد الضغط على هذه الجبهة وعقب لقاء سري مع المناضل المرحوم الرئيس قحطان الشعبي وفخري عامر ومندوب القيادة المصرية في الشمال تبنى عنتر مسألة إيصال التعزيزات بدون أية تكاليف وبالفعل كلف عنتر بعضاً من رفاقه بمهمة نقل الذخائر والأسلحة على ظهور الحمير والجمال من قعطبة إلى جبال منطقة "شقع" لفتح جبهة الضالع وجعل عنتر من زواجه برفيقة دربه فاطمة لقاءً موسعاً للمناضلين وبعد أيام من زواجهما قال لها "أنا مكلف بقيادة العمل الفدائي في الضالع وقد قررنا تفجير الثورة في جبهة الضالع وسوف أصعد الجبل، إذا سأل أحد عني قولي له إن عنتر هرب إلى صنعاء ليسافر إلى الغرب".
وبعد تسعة أشهر أنجب منها "جهاد" ابنه الأول والذي احتضنه لأول مرة وعانقة بكل لهفة وشوق وحنان الأب الثائر وقال مداعباًَ له ما أجملك "يا جهاد لقد صار طولك بطول القذيفة وليتك كنت قذيفة "للبلانسيد" من أجل أرمي بها قصر الأمير".
وفي 20 يونيو 64م وبعد استكمال المجاميع الفدائية تدريباتهم في تعز بدأ الاستعداد للعودة لتفجير جبهة الضالع ومع بداية الدقائق الأولى من الساعة الثانية بعد منتصف الليل وصبيحة 24 يونيو 1964م كانت الطلقات الأولى لأول هجوم على معسكر الانجليز ومقر الضابط السياسي في الضالع ونسف محطة تموين القوات البريطانية بالمياه وبهذا تم الإعلان عن فتح ثاني جبهة بعد جبهة درفان ، دشن بها مرحلة جديدة من حرب العصابات المنظمة التي لا تعرف التوقف ولا التهدئة أو الرحمة ولا تعرف التهاون إلا بخروج المستعمر الانجليزي.
عنتر.. قائد مسيرة سقوط الضالع
في صبيحة 22 يونيو 1967م شهدت الضالع أكبر وأعنف مسيرة جماهيرية قادها عنتر ورفاقه وعلى متن إحدى الدبابات البريطانية ألقى الشهيد الثآثر علي عنتر خطاباً سياسياً هاماً، وخاطب فيه الجماهير المتحمسة قائلاً: "أيها الرفاق تحقق النصر وتحررت منطقة الضالع من المستعمرين وهو الانتصار الذي صنعته هذه الجماهير الغفيرة بفضل تضحياتها الكبيرة من أجل الحرية والاستقلال"..
وفي سبتمبر بدأت مسيرة التحرك نحو عدن عبر عدة جبهات حيث وصل إلى البريقة في ال"30" من نوفمبر عام 67م ليحتفل مع الشعب اليمني كله بعيد الاستقلال والتحرر من براثن الاستعمار البريطاني.
كلمتنا الأخيرة
هذا جزء يسير من المسيرة النضالية لحياة أشهر مناضلي الثورة اليمنية الشهيد البطل/ علي أحمد ناصر عنتر وفي الساعة العاشرة من صباح 13 يناير المشؤوم عام 86، وقعت أكبر مجزرة كارثية شهدها اليمن الجنوبي آنذاك وحصدت أغلى وأعظم رموز الثورة اليمنية وفي مقدمتهم القائد الوطني الحر الشهيد/ علي ناصر عنتر الذي سيظل مسكوناً في ذاكرة اليمنيين بمختلف شرائحهم، فرحمة الله تغشاه..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.