شكلت محافظة إب ركيزة أساسية في محور النضال الوطني ضد قوى التسلط والاستعمار البريطاني البغيض حيث تنوعت صور الدعم الذي قدمته لمسيرة لكفاح الثوري الذي خاضه أبناء الوطن في سبيل الانتصار لحرية الانسان واستقلال الأوطان وليس جديداً القول بأن إب شكلت العمق الاستراتيجي والمجال الحيوي للثورة الاكتوبرية ضد الاحتلال حيث قدمت الدعم المادي والمعنوي لطلائع تلك الثورة منذ البداية خصوصاً بعد انتصار الثورة السبتمبرية وهو ما كفل لفدائيي أكتوبر سلامة البناء والتحرك والإعداد لعمليات المقاومة التي أرهقت المستعمر إلى جانب حماية الثورة السبتمبرية وملاحقة فلول الملكيين. عرض.. فكري الرعدي واحدية النضال وقد تجلى دور محافظة إب في صنع انتصار توفمبر في سياق الأحداث التي أعقبت عودة مجموعة الثائر راجح بن غالب بن لبوزة من جبهة القتال في المحابشة إلى ردفان وقد كانت أول مجموعة يتم تزويدها بالقنابل اليدوية، فعادت المجموعة مع أسلحتها الشخصية، والذخائر المخصصة لكل فرد مقاتل وكانت سلطات الاحتلال البريطاني قد أصدرت قانوناً يفرض على العائدين تسليم أسلحتهم ودفع غرامات مالية خمسمائة درهم وتقديم ضمانات بعدم العودة إلى الشمال مرة أخرى. لقاء إب لكن رياح الثورة جاءت بما لم تشته سفن الاحتلال فبعد الاتفاق على تأسيس جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل واصدار الميثاق الوطني وتسليم المذكرة إلى لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة والتوقيع على بيان اعلان تبني فكرة الجبهة القومية لأول مرة في 5 يونيو 1963م عاد المناضل راجح بن غالب لبوزة ومجموعته متخذين طريق العودة «صنعاء ذمار يريم إب قعطبة خوبر حالمين ردفان» وأثناء مرورهم في عاصمة محافظة إب التقى «لبوزة» بالمقدم أحمد الكبسي الذي تربطه به صداقة متميزة فطلب منه دراسة الأجواء في ردفان للقيام بالثورة مؤكداً استعداده لتقديم الدعم لتفجير الثورة بعد أن يتم الاعداد لها وتنظيم الجماهير في ردفان حتى تصبح الظروف مهيأة من كافة الجوانب بما فيها الأوضاع في شمال الوطن التي مازالت غير مستقرة بعد نتيجة للحرب الضروس التي تشنها قوي الملكية ضد الثورة السبتمبرية. وفي هذا اللقاء اقترح المقدم أحمد الكبسي على المناضل لبوزة أن يعمد بعد عودته إلى ردفان إلى تجهيز مجاميع جديدة للمشاركة في الدفاع عن ثورة سبتمبر من جهة وتدريبها وأسلحتها واعادتها إلى ردفان كقوة مدربة على القتال نتيجة لعدم وجود السلاح والذخائر لدى ابناء ردفان حتي يتمكنوا من مجابهة الاستعمار، وأثناء تواجد المجموعة في إب ذهب لبوزة مع ثلاثة من رفاقه إلى تعز لأخذ أسلحتهم التي كانوا قد أتوا بها معهم من ردفان عند وصولهم إلي تعز في بداية مشاركتهم في الدفاع عن ثورة سبتمبر وعاد في اليوم التالي إلى إب وهكذا بدأت محافظة إب تشكل معسكراً لتدريب أبطال ردفان. الشرارة الأولى للثورة وفي أعقاب وصول المجموعة إلى ردفان قام الضابط السياسي بطلب الشيخ راجح غالب لبوزة وزملائه طلب منهم تسليم ما بحوزتهم من أسلحة حصلوا عليها من قيادة الثورة في الشمال فرفضوا طلبه وجهزت بريطانيا قوة إلى الحبيلين ويوم 14 أكتوبر انطلقت شرارة الثورة واستمرت حتى نهاية نوفمبر استشهد فيها العديد من أبناء ردفان وعلى رأسهم الشيخ راجح غالب لبوزة ولجأ الآخرون إلى قعطبة وبدأ التفكير بتنظيم القتال ضد المستعمر وتحرك قحطان الشعبي وكان يشغل وزير شئون الجنوب وزملاؤه بعد التنسيق مع القيادة المصرية بتعز والذي كان المسئول عنها العقيد صفوت والمقدم رجائي. إب تنفذ وعد التحرير في 4 يناير 64م استشهد أحمد بن أحمد الكبسي عند خروجه من صنعاء متوجهاً إلى إب فخلفه في قيادة محافظة إب اللواء حسين شرف الكبسي الذي التقى بعد تسلمه العمل بسعيد ا لكبري واثنين من زملائه من قيادة الجبهة القومية وطلبوا من اللواء حسين شرف الالتزام بما كانوا متفقين عليه مع الشهيد أحمد بن أحمد الكبسي والتزم لهم بذلك واستمر الإعداد لبدء معركة التحرير وكانت مديرية قعطبة «التي كانت حتى مابعد إعادة تحقيق الوحدة واحدة من مديريات محافظة إب هي الملاذ الآمن لثوار 14 أكتوبر ومركز دعمهم وتأمين طرقهم. إب تحت قصف الاحتلال وفي شهر تموز 1964م تحركت فصائل المقاومة نحو العمل الميداني وكانت خمس فصائل على رأس كل فصيلة قائد ميداني هم علي أحمد عنتر وقائد صالح التوير وعلي شائع هادي وصالح مصلح ومحسن ناجي العقلة وعبدالمجيد المنصوب وانضم إليهم بعد فترة علي بن علي هادي ذي حران وعقالهم في مدينة قعطبة الحاج محمد المنصوب والشيخ محمد عبدالكريم والشيخ صالح مثنى وقائد خزينة وغيرهم.ورداً على عمليات المقاومة لهذه الفصائل الثورية قامت قوات الاحتلال البريطاني وأمير الضالع بتشكيل مليشيا لضرب قعطبة، ونسبة لعدم تكافؤ طرفي المعركة فقد تكبدت المقاومة الوطنية خسائر فادحة في الأرواح، وحين أيقنت بارتفاع سعير القتال طلبت الدعم العاجل من قيادة الثورة في إب فأسندت بسرايا من المجندين بعد الثورة سرية الدميني وسرية خشافة وسرية الدعيس وتحرك اللواء علي محمد الشامي إلى قعطبة وكان يومها رئيس العمليات الحربية بصنعاء وتحقق من واقع العمليات وقد أوصل الدعم الذي شمل العتاد الحربي. احتضان ضحايا الاحتلال وارتفعت حدة القتال فأعلنت قيادة قوات الاحتلال البريطاني في عدن جعل منطقة الضالع تابعة لها، وحددت المنشورات التي ألقتها الطائرات موعد الخامس عشر من مارس 1965م لدخول البريطانيين لهذه المنطقة ولكنهم احتلوها قبل الموعد بيومين أي في الثالث عشر من مارس 1956م فتحولت مدينة قطعبة ملجأ كبير لأكثر من خمسة آلاف نسمة حيث فتحت البيوت لإيوائهم والمخازن الحكومية وغير الحكومية لاستضافتهم واستمرت هذه المعاناة ما يقرب من ثلاث سنوات. استنزاف العدو وفي مقابل ذلك ظل النمور ينالون من قوات الاحتلال البريطاني نهاراً ويعودون في المساء إلى معسكراتهم في منطقة تمتد ستين كيلو متراً من الحبيلين حتي سناح وكان التنسيق في منتهى الإحكام بين الثوار من الفدائيين في عدن وبين زملائهم في مختلف مواقع القتال في كل منطقة من مناطق الجنوب وهو ما أسهم في تكبيد العدو الغاصب خلال العام 1965م خسائر فادحة في صفوف قواته حيث انتزعت أراضي الضالع فقط 24 جندياً وضابطاً وأصيب ما يزيد عن 113 بريطانيا وأصبح إلقاء القنابل على جنود الاحتلال مشهداً مألوفاً لا تكاد منطقة يمنية لا تعرفه، وكذلك الحال في زرع الألغام وانفجار العربات البريطانية المختلفة بحيث أن الانجليز من شدة وضراوة المقاومة التي واجهوها اضطروا في 2281966م إلى إصدارأمر بإغلاق الحدود بين الشمال والجنوب، خصوصاً بعد تحول محافظة إب إلى رأس حربة للإمداد اللورجستي لثوار أكتوبر. مركز العمل السري في آخر 1966م قطعت القيادة المصرية الدعم عن قبائل الجبهة القومية بعد ظهور جبهة التحرير فقامت مجموعة من قادة الجبهة القومية بالاتصال باللواء علي محمد الحيمي قائد محافظة إب حينذاك وكان يحاول التوفيق بين قيادة الجبهة القومية وجبهة التحرير، وقدم دعماً للجبهتين وإلى جانب ذلك فقد أصبحت مدينة جبلة بمحافظة إب مركزاً للاجتماعات السرية للجبهة القومية والتي أسهمت بدورها في تسريع وتيرة الهزيمة التي ألمت بالمستعمر وأجبرته على قبول الجلاء عن الوطن. صرخة مشورة وإذا كان لأبناء محافظة إب شرف المشاركة في صنع انتصار نوفمبر 1967م فقد كان لهم شرف الدفع باتجاه صنع انتصار نوفمبر 1989 حيث ناشدوا القيادة السياسية العمل على تسريع البناء الوحدوي فزف إليهم رئيس الجمهورية البشرى بقرب حلول اعادة تحقيق الوحدة في خطابه الشهير الذي ألقاه في منطقة مشورة في الخامس من نوفمبر 1989م وهو ما كان حقاً حيث شهدت عدن توقيع اتفاق الوحدة التاريخي في الثلاثين من نوفمبر 1989 الذي كان الضوء الأكبر وضوحاً في انبلاج فجر الوحدة المباركة في الثاني والعشرين من مايو 1990 وختاماً لابد من الإقرار بقصور هذه السطور عن تقديم الصورة الكاملة للدور الوطني المشرف الذي لعبه ابناء محافظة إب في صنع انتصار نوفمبر المجيد، وسيكون لنا وقفة أخرى بتفصيل أكثر بإذن الله وليظل نوفمبر شاهداً على عظمة إرادة الشعوب وإلى الأبد