الكشف عن شرط حوثي صادم مقابل السماح بنقل البنوك إلى عدن    انهيار كارثي للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي    ماذا يجري في الجامعات الأمريكية؟    صحفي سعودي: الأوضاع في اليمن لن تكون كما كانت قبل هذا الحدث الأول من نوعه    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    كأن الحرب في يومها الأول.. مليشيات الحوثي تهاجم السعودية بعد قمة الرياض    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    ريمة سَّكاب اليمن !    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



راجح بن غالب لبوزة.. الثائر الذي أشعل فتيل ثورة أكتوبر
نشر في 26 سبتمبر يوم 14 - 10 - 2012

كثيرة هي الأسماء التي دونها تاريخ النضال اليمني عبر مسيرته المختلفة التي خاضها اليمنيون ضد القوى الاستعمارية والملكية المستبدة في شطري اليمن، إلا أن هناك أسماء نقشت أحرفها من ذهب، ودوّنت بأحرف ناصعة على صفحات التاريخ اليمني العظيم، لتظل الأجيال تقرأها وتحنو لها الجباه إجلالاً وإكراماً لها عند كل ذكرى.. من بين هذه الأسماء المناضل والشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة، أسد ردفان وفارس الثورة الأكتوبرية الذي استطاع أن يشعل فتيل الثورة من جبال ردفان في صباح الرابع عشر من أكتوبر من عام 1963م هو ومجموعة من رفاقه الذين قدر عددهم بسبعين شخصاً تم توزيعهم إلى أربع مجموعات.. قاد لبوزة وابنه بليل مجموعتين منها، واستطاع لبوزة ورفاقه المناضلون منع تقدم القوات البريطانية التي ترافقها الدبابات والمدافع والطائرات وأجبروها على التراجع.
صمود واستبسال ردفان
يشير كتاب (حقائق جديدة عن الانطلاقة الأولى لثورة 14 أكتوبر لمحمد عباس ناجي الضالعي) إلى أن القوات البريطانية لم تستطع التقدم متراً واحداً أمام ضراوة القتال والاستبسال اللذين أبداهما المرابطون في ردفان، وبعد ساعات من القتال استشهد راجح لبوزة في هذه المعركة متأثراً بشظايا قذيفة اخترقت جسده، ليكون أول شهيد في معركة الذود عن الوطن، والتي انطلقت من جبال ردفان لتعم بعدها كل أرجاء جنوب الوطن المحتل، ودخلت الثورة باستشهاد لبوزة مرحلة جديدة من النضال ضد المستعمر, فبعد أيام من استشهاد راجح لبوزة تفجرت المعارك من جديد بين القوات البريطانية وجبهة ردفان، وألحقت بالقوات البريطانية خسائر فادحة، مما حدا بالقوات البريطانية إلى استخدام أنواع أسلحتها البرية والجوية في قصف مناطق ردفان دون تمييز، وقتلت عشرات النساء والأطفال في هذا القصف، وبعد أن عجزت قواتها المتمركزة في العند والضالع وعدن من إخماد الثورة من ردفان استقدمت فرقة عسكرية متكاملة من القوات الخاصة المتمركزة في جنوب أفريقيا يطلق عليها فرقة الشياطين الحمر، وهي فرقة مدربة على القتال في المناطق الجبلية، والمسالك الوعرة.
وتوسع نطاق الثورة، حيث تم فتح جبهة الضالع والشعيب ودثينة والصبيحة، وعدن، وغيرها من الجهات لتشمل الثورة كل أرجاء الجنوب.
بداية الكفاح المسلح
وبعد مرور ستة أيام على إذاعة بيان أصدرته وزارة الإرشاد القومي والإعلام في حكومة اتحاد الجنوب أعلن فيه نبأ استشهاد المناضل "لبوزة"، وبمرور تسعة أيام على استشهاد لبوزة أصدرت قيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في (23) أكتوبر 1963م بياناً أعلنت فيه قيام الثورة من أعلى قمم ردفان الشماء في 14 أكتوبر 1963م وبداية الكفاح المسلح ضد المستعمر بكل أشكاله وصوره.
وشاركت الفعاليات الطلابية والنسائية والنقابية في مسيرة النضال من خلال المظاهرات والإضراب والكفاح المسلح.
جبهة عدن شتت قوات الاحتلال
وبعد أن تشعبت المواجهات مع القوات البريطانية في المناطق الريفية وامتد إلى 12 جبهة، وأعلنت الجبهة القومية عن فتح جبهة عدن، ونقل النضال إليها, حيث أصبح للعمليات التفجيرية وطلقات الرصاص ببسالة المقاومة صدى إعلامي عالمي يصعب على الاستعمار البريطاني إخفاؤه.
وقد شكل نقل العمل العسكري إلى عدن انعطافاً استراتيجياً لتنظيم الجبهة القومية والثورة محلياً وعربياً، ودولياً، بل شكل مرحلة جديدة في حياة المناضلين أنفسهم الذين اشتركوا في العمليات العسكرية، فكان العمل العسكري والفدائي داخل المدينة عامل إرباك للقوات الأجنبية, حيث عمل على تحقيق الضغط على الجبهات الريفية المقاتلة، وتشتيت قوات الاحتلال، الأمر الذي ساعد على مد الجبهة القومية لنشاطها النضالي إلى مختلف مناطق الجنوب.
عمليات فدائية
وتطورت أساليب النضال المسلح ليشهد صوراً مختلفة كان أكثرها تأثيراً العمليات الفدائية, حيث شهدت أهم وأخطر العمليات الفدائية كالعملية التي اشترك فيها (30) شخصاً لضرب الإذاعة البريطانية في التواهي، وحادثة مطار عدن التي قتل فيها مساعد المندوب السامي البريطاني في عدن، وإصابة المندوب السامي، وعدد من مساعديه أثناء توجههم إلى الطائرة التي كانت ستقلهم إلى لندن.
كما ظهرت عمليات فدائية جديدة, حيث كان منفذ العملية هو الذي يحدد الهدف بنفسه دون الرجوع إلى القيادة المركزية، وأثبتت هذه العمليات نجاحها, حيث عملت على بث الرعب في نفوس الجنود البريطانيبن، خصوصاً بعد مقتل رئيس المخابرات البريطانية في عدن "هيري ييري" ورئيس المجلس التشريعي "آرثرتشارلس".
وهكذا وجد البريطانيون أنفسهم بين كماشة من النار والرصاص بفعل المقاومة الشرسة التي سادت كل أوساط الشعب ورجاله، وأخذت أشكالاً عدة، كما أن الدعم الدولي الذي لاقته المقاومة من الدول العربية وخصوصاً من مصر دبلوماسياً ومادياً عزز موقف المقاومة، وأجبر المستعمر على طرح السؤال الأكثر عمقاً وهو إلى متى البقاء في وجه الطوفان؟.
مساندة ثوار الشمال
وبعد سنوات من النضال البطولي الذي أبداه أبناء الجنوب وبمساندة من النظام والثوار في الشمال، اضطرت بريطانيا أن تعلن رحيلها عن جنوب اليمن وتمنحه الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م، لكن راجح غالب لبوزة الذي استشهد في جبال ردفان يظل فتيل الثورة وفارسها المقدام، وبفضله وبسالته وشجاعة رفاقه استطاع طوفان الثورة أن يعم كل مناطق الجنوب.
ولا ننسى هنا أن نشير إلى أن لبوزة مفجر ثورة 14 أكتوبر كان قد شارك في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر في شمال الوطن مع نفس المجموعة التي فجّر بها ثورة أكتوبر، ولم يقتصر دوره على النضال في الجنوب فقط، بل كان له نصيب في مطاردة فلول الملكية وأذيالها من خلال تنقله بين المحابشة وتعز، وإب، لمساندة الثوار في شمال الوطن.
واليوم ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لثورة 26 سبتمبر والذكرى التاسعة والأربعين لثورة 14 أكتوبر المجيدتين وذكرى الاستقلال الوطني 30 نوفمبر الغالية على قلب كل يمني بل وكل عربي لا يمكن أن ننسى راجح لبوزة وكل الأبطال الذين فجروا الثورة، فتحية ل (راجح لبوزة) الغائب جسداً الحاضر روحاً, أسد ردفان الذي يزأر داخلنا اليوم.. توقاً للحرية وعشقاً لهذه الأرض.
ثائر لا يشقّ له غبار
راجح غالب لبوزة نشأ يتيماً في منطقة «دبسان» يحمل على عاتقه همّ أسرة بكاملها خلفها أبوه ومضى.. لم يكن يملك سوى حفنة من تراب جرداء، عاش طفولته صراعاً مع الطبيعة القاسية ومضاربة مع لقمة العيش، فحمل على عاتقه ما كان كفيلاً بإجهاض حلمه مبكراً، لولا قوة العزيمة والإرادة اللتان امتلكهما، فسقى بهما بذرات توقه إلى الحرية، والرغبة في تحرير أرضه من المستعمر الغاصب.. لم يك متعلماً وإنما كان أمياً يتدثر بالحكمة، ولم يك مدنياً ولكنه كان قروياً يتسربل بالشجاعة، لا يعترف بلغة الخضوع، ولا يتحدث بمفردات المهانة، بل كان متمرداً حتى على نفسه وثائراً لا يشق له غبار، شامخاً كجبال ردفان، حمل بندقيته فانطلق إلى جوار إخوانه يطارد الإمامة ويدافع عن الجمهورية، وشامخاً كجبال ردفان، عاد إلى بلدته ليخاطب الاستعمار بلغة البندقية، فكان أول من قدم روحه قرباناً لثورة أشعل عود ثقابها من ردفان، فعمت نيرانها جميع أجزاء الوطن..
إنه الشهيد راجح بن غالب لبوزة أول من أشعل ثورة 14 أكتوبر، وأول من استشهد فيها.
ولد في دبسان
ولد الشيخ راجح غالب لبوزه في ردفان محافظة لحج في وادي دبسان، له من الإخوة واحد فقط هو محمد غالب لبوزة، توفي والدهما وهما في سن الطفولة حيث كفلتهما والدتهم، وترعرعا في منطقة ردفان، تزوج الشهيد في العام 1914م، وله من الأبناء أربعة، أكبرهم بليل راجح الذي يعد من الطلائع الأولى لانطلاق أول شرارة لثورة 14 أكتوبر المجيدة، وكان مع أبيه في ذلك اليوم عند استشهاده، مارس في حياته التجارة على ظهر جمل، وكان يقوم باستيراد الحبوب من إب وقعطبة والضالع إلى جانب غيرها من المواد الغذائية ليتاجر بها في بلدته.
بداية مشوار النضال
بدأ الشهيد يحس أن بلاده محتلة من قبل الاستعمار البريطاني، وأن عليه مقاومة هذا الاستعمار الغاشم، فبدأ بتشكيل خلايا سرية من أبناء ردفان وأعدهم لمقارعة المستعمر، ولكنها كانت جماعات غير منظمة شكلت بداية الانتفاضات، وكان بداية عملها المسلح في عام 1942م حيث كانت توجد ثكنة عسكرية لجيش شبره التابع للقوات البريطانية في منطقة ردفان في جبل الحمراء الحبيلين، كان يقود أول مجموعة تهاجم هذا المركز وبالأسلحة الشخصية، وقد تم القضاء على هذا المركز نهائياً.
زاكي الكرام
وفي عام 1956م ذهب إلى السخنة ومعه مجموعة من أبناء ردفان حيث حصلوا على سلاح «زاكي كرام» الماني قيل إنه زودهم بها الإمام أحمد ومن ثم عادوا إلى ردفان، وكان لهم لقاء في منزل شيخ قبيلة «آل قطيب» في قرية الثمير الحبيلين، وعندما وصلت الأخبار إلى الضابط السياسي البريطاني أمر بقصف المنزل بالطائرات «هوكر هنتر» فما كان من الثوار إلا أن قاوموا تلك الطائرات حتى تم إسقاط طائرتين مهاجمتين، وكان ذلك في العام 1957م.
صلح بين قبائل ردفان
وعند انتصار ثورة 26سبتمبر 1962م عمل الشهيد صلحاً بين قبائل ردفان، وذلك من أجل أن يتمكنوا من الذهاب إلى شمال الوطن للدفاع عن الثورة الوليدة، وانطلق لبوزة من مسقط رأسه من وادي دبسان حتى وصل منطقة «ذي ردم» حيث توجد قبيلتا الداعري والمحلاتي المتقاتلين فيما بينهما وعقد صلحاً فيما بينهما لمدة سنة، وكان يتواجد هناك سيف مقبل عبدالله وأبناؤه حيث ذهبوا معاً ومجموعة كبيرة من أبناء ردفان إلى قعطبة وكانوا حوالي «150» شخصاً، وتم ترحيلهم إلى إب ثم إلى الحديدة، وهناك سلمت لهم أسلحة شخصية وذخيرة.
في المحابشة
واصل الشهيد المسير من الحديدة إلى منطقتي عبس برفقة قائد لواء إب الشهيد المقدم أحمد الكبسي، وكان في استقبالهم هناك قائد القوات المصرية المرابطة في عبس والمحابشة، وتم تمركز القوة التي كان يقودها الشهيد لبوزة في المحابشة في منطقة الوعلية والمفتاح الخاليتين من السكان، ولا تتواجد فيهما إلا القوات المصرية، والشهيد لبوزة، والشهيد أحمد الكبسي، وعبدالمنعم رياض قائد القوات المصرية في المحور، وكانت تتواجد هناك مجاميع من القبائل المتمردة على الثورة حاصرت تلك المجاميع القبلية أبناء ردفان والقوات المصرية، حيث تقدم الشهيد لبوزة بمجموعة تتجاوز خمسين مقاتلاً، وفكت الحصار عنهم، فكان أن استشهد مجموعة من مقاتلي ردفان في تلك المعركة، وبوجود الشهيد أحمد الكبيسي برفقة الشهيد لبوزة طلب من القيادة بصنعاء لكي تعود مجموعة الشهيد إلى صنعاء، وذلك للالتقاء بالقيادة هناك والتشاور حول عودة المجموعة إلى ردفان وتفجير الثورة هناك لمقاومة الاستعمار البريطاني وانطلاق أول ثورة منظمة ضد الاحتلال البريطاني, ومن ثم عودة المجموعة مع أسلحتهم الشخصية إلى ردفان.
لقاء صنعاء
وكان لقاء صنعاء يضم المشير عبدالله السلال - رئيس الجمهورية - وبرفقته قحطان محمد الشعبي، ومحمد علي الصماتي، وثابت علي، وعبدالحميد بن ناجي، وغيرهم، وخرج اللقاء بقرار عودة المجموعة برئاسة الشهيد لبوزة إلى ردفان، إلا أنه لم تحدد ساعة الصفر لانطلاق الثورة, وترك الأمر للمجموعة لتحديد المكان والزمان المناسبين.
رسالة الضابط البريطاني
وعندما سمع الضابط السياسي البريطاني الموجود في الحبيلين بعودة الشهيد لبوزة ومجموعته إلى ردفان مع أسلحتهم وكذلك امتلاكهم لقنابل يدوية، أرسل رسالة يطلب فيها من الشهيد لبوزة ومجموعته تسليم أنفسهم وأسلحتهم إليه، وعدم عودتهم إلى الشمال بضمانة قدرها خمسمائة شلن آنذاك.
الرسالة التي وجهها الضابط السياسي البريطاني في الحبيلين (ميلن) باسمه وباسم نائب المشيخة في ردفان محمود حسن علي لخرم إلى راجح بن غالب لبوزة ورفاقه جاء فيها:
إلى حضرة الشيخ راجح غالب لبوزة ورفاقه العائدين من الجمهورية العربية اليمنية
السلام عليكم وبعد:
لقد تلقينا نبأ وصولكم من الجمهورية العربية اليمنية إلى وطنكم الجنوب العربي بين أهلكم في ردفان، وأنتم تحملون الأسلحة والقنابل، وعليه فإنّه يتوجب عليكم الحضور إلى عاصمة ردفان (الحبيلين) ومقابلة الضابط البريطاني، المسؤول السياسي البريطاني، والنائب محمود حسن علي للتفاهم معكم وبحوزتكم الأسلحة والقنابل مع خمسمائة شلن (درهم) ضمانة بعدم عودتكم إلى اليمن، وأنّ حكومتكم حكومة اتحاد الجنوب العربي سوف تضمن بقاءكم، ما لم فإنّكم سوف تنالون العقاب الشديد من حكومة بريطانيا وحكومتكم حكومة اتحاد الجنوب العربي.
والسلام عليكم
المستر ميلن
الضابط السياسي البريطاني المرابط في الحبيلين
النائب محمد حسن علي
نائب مشيخة القطيبي
16 / 9 / 1963م
رد الثوار
بعد استلام لبوزة للإنذار البريطاني دعا رفاقه والمواطنين إلى اجتماع في قرية تتوسط قرى ردفان، وأطلعهم على محتوى الإنذار، وطلب منهم رأيهم في الرد على بريطانيا، فكان رد الجميع بعدم الاستسلام. وتمّ تشكيل لجنة من أربعة أشخاص لكتابة الرد على بريطانيا. ولأنّ لبوزة لم يكن يجيد القراءة والكتابة فقد كتب الرد أكثر من أربع مرات من قبل شخص آخر وجاء فيه:
إلى حضرة الضابط السياسي البريطاني المرابط في الحبيلين والنائب محمود حسن علي نائب مشيخة القطيبي:
لقد استلمنا رسالتكم الموجهة إلينا بخصوص عودتنا من الجمهورية العربية اليمنية التي تضمنت تسليم أسلحتنا وكل ما بحوزتنا من قنابل وغرامة خمسمائة شلن وضمانة بعدم عودتنا إلى اليمن وتسليم ذلك إلى حكومتنا حكومة الاتحاد.
نحن نعتبر حكومتنا هي الجمهورية العربية اليمنية وليس حكومة الاتحاد، ونحن غير مستعدين لكل ما في رسالتكم، ونعتبر حدودنا من الجبهة وما فوق، وأي تحرك لكم من تجاوز حدودنا فنحن مستعدون لمواجهتكم بكل إمكاناتنا ولا تلوموا إلا أنفسكم.
والسلام ختام
الشيخ راجح بن غالب لبوزة
عن مجموعة العائدين إلى ردفان
من الجمهورية العربية اليمنية
28 / 9 / 1963م
طلقة عيلمان
وقبل أن يُغلق المظروف الذي وُضع فيه الرد أخرج لبوزة طلقة رصاص (عيلمان) من حزامه، ووضعها داخل المظروف، فكان ذلك تحدياً فسره كل طرف حسب فهمه وأهدافه.
قامت قيامة الإنجليز
وتم إرسال الرسالة مظرّفة وبداخلها طلقة نارية، وكلفت اللجنة قاسم شائف بإيصالها إلى الضابط السياسي البريطاني «ميلن» فقال قاسم شائف للشهيد لبوزة ماذا أقول لهم؟
تحرك لبوزة فوراً، وأخرج من حزامه طلقة رصاص زاكي كرام عليمان وقال لقاسم شائف: قل لهم لا يوجد معنا إلا من هذا العيار.. أخذ قاسم شائف الرسالة ووصلها، فقامت قيامة الإنجليز؛ تحمسوا وقالوا من هؤلاء الذين يتحدوننا؟ وطبعاً هم عندهم إمكانيات، عندهم مدفعية، عندهم طائرات عندهم.. أما المناضلون لم يكونوا يملكون سوى سلاحهم الشخصي وثلاث قنابل، وكان قد زودهم بها الشهيد أحمد الكبسي فور عودتهم إلى ردفان.

عشية انطلاق الثورة
بعد ذلك يوم 13 أكتوبر تحركت القوات البريطانية في وادي المصراح، واخترقوا الوادي، فاعتقلوا واحداً من زملاء الشهيد لبوزة وهو أحمد مقبل عبدالله بعد أن قاموا بمهاجمته فأخذوا سلاحه وصادروه واحتجزوه، فتناقل المواطنون الخبر من شخص إلى شخص ومن قرية إلى قرية حتى وصل الخبر إلى لبوزة، الذي أمر الجميع بتجهيز أنفسهم حينها، طالباً منهم التحرك باتجاه وادي «ضرعة» وحيد ردفان لإشعار الناس في تلك المناطق بما يجري، على أن يكون اللقاء رأس جبل «البدوي» في المساء، وكان غرض لبوزة من جمع المقاتلين في رأس جبل البدوي الإعداد للقيام بهجوم على مركز القوات البريطانية في منطقة الحبيلين رداً على اعتقالها لأحمد مقبل.

منطقة تجمع الثور
وفي منتصف الليل بعد أن تجمع الثوار وفاق عددهم ال 70 رجلاً أمرهم لبوزة بالتفرق على شكل مجاميع صغيرة، حتى إذا جاء الصباح بدأت مجاميع أخرى تنظم إلى المجاميع الأولى، فقام لبوزة بإعداد خطة قسّم فيها الثوار إلى أربع مجموعات..

مجموعة بليل لبوزة
المجموعة الأولى كانت بقيادة ابنه بليل راجح لبوزة، وكانت مهمتها النزول من رأس جبل البدوي والتمركز في القمة على يمين قرية البيضاء بحيث تكون المواجه الأول للعدو أثناء عبوره لوادي المصراح.

مجموعة محسن مثنى
أما المجموعة الثانية فكانت بقيادة محسن مثنى حسين، وهذه كان مهمتها التمركز في أسفل الجبل خلف المجموعة الأولى لحمايتها.

مجموعة راجح لبوزة
والمجموعة الثالثة كانت أكبر مجموعة وهذه بقيادة الشيخ راجح لبوزة نفسه، وهذه كانت مهمتها السير إلى غرب الجبل وتطويق العدو وعدم السماح له بالانسحاب.

قوة الاحتياط
أما المجموعة الرابعة فكانت بمثابة قوة احتياطية لحراسة المجموعتين الأولى والثانية من ناحية ولاستقبال الوافدين من الثوار من ناحية أخرى.

بداية المعركة
بعد أن تحرك الجيش الإنجليزي، بدأت المعركة بإطلاق النار من قبل المجموعة الأولى التي كانت بقيادة بليل راجح لبوزة على مقدمة القوات الإنجليزية وتصدت لها بقوة ولم يسمح لها بالانتشار أو بالتقدم وعندما شاهدت المجموعة الثالثة الاشتباك بين المجموعة الأولى وبين القوات الإنجليزية قامت بإطلاق النار على مؤخرة الجيش البريطاني، فلجأت إلى القصف المدفعي المكثف، وكان التركيز على المجموعة الثالثة التي كان يقودها الشهيد لبوزة في أكمة «الضاجع»، وكان الشهيد قد تقدم على مجموعته هو وشخص آخر اسمه سعيد حسين العنبوب، فيما رأى مقدمة القوات تراجعت للوراء، وفي الساعة الحادية عشرة ظهراً أصيب موقع لبوزة بخمس طلقات مدفعية ثقيلة فأصابته منها شظية في الجانب الأيمن تحت الإبط اخترقت جسده حتى الجانب الأيسر على موقع القلب في حين كان قابضاً على سلاحه يطلق النار على مؤخرة القوة..

نبأ الاستشهاد
حينها دعا الداعي أن لبوزة قد استشهد، مما جعلهم يشعرون بالهزيمة.. الهزيمة طبعاً لأنه القائد، وعندما يقتل القائد يعد الجيش مهزوماً لا محالة.. استشهد وكان عمره «46» سنة رحمه الله.
وفي اليوم الثاني لاستشهاد لبوزة تم دفن جثمانه في قرية الذنب بمنطقة «عقيبة» بحضور حشد جماهيري كبير، جمعيهم وقفوا على قبر الشهيد هناك ليتعاهدوا على أنفسهم وبصوت واحد بمواصلة الكفاح الذي بدأه الثوار بقيادة الشهيد راجح غالب لبوزة.
بعد هذا صدرت الجبهة الوطنية بياناً عن انطلاق الثورة من ردفان، واعتبرت أن الشهيد لبوزة هو أول شهيد في ثورة 14 أكتوبر.
أول من قاد مجاميع المتطوعين من أبناء الجنوب للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر من الصعب رصد دور أبناء الجنوب في الدفاع عن ثورة سبتمبر، ولكننا سنعمل هنا على ذكر الدور الذي قامت به المجاميع الأولى من المتطوعين.
عند إعلان قيام الثورة صبيحة يوم الخميس 26 سبتمبر 1962م عبرت الجماهير اليمنية عن فرحتها بهذا الحدث العظيم في كل قرية ومدينة دون استثناء، إلا أنّ تعبير الجماهير الجنوبية المحتلة حينها من قبل الاستعمار البريطاني، كان له طابع مميز أظهر ثقل هذه الثورة، وفجر طاقات الشعب الوطنية، فقد خرجت الجماهير في شوارع مدينة عدن تردد الأناشيد الثورية المعبرة عن التأييد للثورة، ونشطت اجتماعات القوى الوطنية، وفي مقدمتها الحركة العمالية والأحزاب السياسية، وبدأت طلائع المتطوعين للدفاع عن ثورة سبتمبر تتجه نحو عاصمة الثورة صنعاء، منذ الأسبوع الأول لقيام الثورة وخاصة من المستعمرة عدن التي كانت الجماهير فيها أكثر وعياً وتنظيماً، ثمّ تقاطرت أفواج المتطوعين من كل من لحج وأبين وشبوة والضالع ويافع وحالمين والأزارق والشعيب والصبيحة.. إلخ.

أفواج المتطوعين
بعد وصول أفواج المتطوعين من الجنوب إلى مدينة تعز عملت القيادة العربية المشتركة، المكونة من القيادات العسكرية اليمنية والمصرية على توزيع المجاميع الأولى من المتطوعين الجنوبيين في ثلاث جبهات رئيسية هي:
1 - جبهة خولان: أرسلت إلى هذه الجبهة مجموعة مكوَّنة من أكثر من (90) مقاتلاً معظمهم من العسكريين في المؤسسات العسكرية والأمنية الجنوبية الذين هربوا من وحداتهم بغرض التطوع للدفاع عن ثورة سبتمبر والعناصر الهاربة إلى الشمال قبل الثورة، وقد عين قائداً لهذه المجموعة الرائد محمد أحمد الدقم من (الصبيحة)، وكان من قيادات هذه الجبهة المناضل علي عبدالله السلال.
2 - جبهة الحيمتين: بلغ عدد أفراد هذه المجموعة حوالي (100) متطوع، ومعظم أفرادها من العمال والطلاب والمدرسين الذين جاءوا من المستعمرة عدن، وقد عين قائداً لهذه المجموعة الأستاذ محمد عبده نعمان الحكيمي.
3 - جبهة المحابشة في لواء حجة: بلغ عدد المجموعة أكثر من (120) مقاتلاً، ومعظمهم من قبل ردفان، وكانت هذه المجموعة بقيادة الثائر راجح بن غالب لبوزة وأيضاً بقيادة المقدم أحمد الكبسي.
وقد أتى توزيع المتطوعين الجنوبيين على هذه الجبهات نتاجاً لأسباب عدة أهمها:
1 - ضراوة المعارك التي تشهدها تلك المناطق.
2 - تمكين أفراد المجموعات من القتال في جبهات ومواقع محددة يسهل التجانس فيما بينهم.
3 - اطمئنان القيادات العسكرية المصرية المتواجدة في تلك المناطق إلى عدم قدرة الاستخبارات العسكرية على اختراق أفراد تلك المجموعات.
4 - تمتع أفراد تلك المجموعات بشيء من روح الانضباط للأوامر.
إلا أنّه يمكن الإشارة إلى أنّ هذه الجبهات لم تبقَ فيما بعد هي وحدها التي تمّ توزيع المتطوعين فيها من أبناء الجنوب، بعد أن زاد عددهم، فقد تمّ توزيعهم على معظم جبهات القتال ضد الملكية، وتمّ إلحاقهم في صفوف الحرس الوطني والجيش، حتى إنّ بعضهم تمّ إلحاقهم بالكلية الحربية كطلبة ليتخرجوا منها قيادات عسكرية مؤهلة في جبهات القتال أمثال: ثابت عبده حسين، وعبدالله علي الضالعي، وأحمد مهدي المنتصر وغيرهم.

قانون الانفصال
عندما كانت مجاميع المتطوعين للدفاع عن ثورة سبتمبر من أبناء الجنوب تقاتل في المناطق الشمالية أصدرت بريطانيا قانوناً يحرم ذهاب أبناء الجنوب للدفاع عن ثورة سبتمبر، كما نص القانون على أنّ على كل العائدين من الشمال أن يقوموا بتسليم أسلحتهم وما لديهم من ذخائر وقنابل ودفع ضمانة قدرها خمسمائة شلن (درهم)، وعندما عادت بعض المجاميع من الشمال إلى مناطقها قدمت ضمانات بعدم العودة بواسطة السلطات المحلية.

العودة الى ردفان
مجموعة الثائر راجح بن غالب لبوزة، التي كانت تتأهب للعودة إلى ردفان، بعد مشاركتها في الدفاع عن ثورة سبتمبر، لعدة أشهر، ناقشت معها القيادات الجنوبية والشمالية أسلوب التصرف مع القانون البريطاني، فكان رد أبناء ردفان بأنّهم لم يسلموا أسلحتهم لبريطانيا، وأنّهم عازمون على مواجهة السلطات البريطانية، في حالة تطبيق هذا القانون عليهم، وقد سبق وأن ذكرنا آنفاً بأنّ تشكيل القبائل قد أُعلن في بيان 5 يونيو (1963م) عزمه على تفجير الثورة المسلحة ضد المستعمر البريطاني.

خطة تفجير الثورة
عند خروج مجموعة الثائر لبوزة من صنعاء كانت طريق عودتهم (صنعاء - إب - قعطبة - الضالع - حالمين - ردفان) وأثناء مرورهم بمدينة إب التقى لبوزة المقدم أحمد بن أحمد الكبسي قائد اللواء، الذي كانت تربطه ب (لبوزة) عَلاقات وثيقة جمعتهم فيها أعمالهم القتالية في جبهة المحابشة، فطلب الكبسي من لبوزة دراسة الأجواء في ردفان للقيام بالثورة، مؤكداً استعداده لدعم تفجير الثورة، بعد أن يتم الإعداد لها وتنظيم الجماهير في ردفان، حتى تصبح الظروف مهيأة من الجوانب كافة، كما شرح له بأنّ الأوضاع في الشمال لازالت غير مستقرة، واقترح الكبسي على لبوزة أن نتيجة لعدم وجود السلاح في ردفان، بإمكانه تجهيز مجاميع جديدة للمشاركة في الدفاع عن ثورة سبتمبر من جهة وتدريبها وتسليحها وإعادتها إلى ردفان كقوةٍ مدربة على القتال.
وعادت المجموعة إلى ردفان نهاية شهر أغسطس 1963م فاستقبلتها الجماهير في كل المناطق التي كانت تمر فيها.

إنذارات بريطانية
ومن أجل إخضاع هذه المجموعة وجهت السلطات البريطانية، بعدم عودتهم بأيام إنذارات شفهية تطلب منهم تسليم أنفسهم مع أسلحتهم ودفع غرامة مالية تقدر بخمسمائة شلن (درهم) على كل فرد، مع وضع ضمانات بعدم عودتهم إلى الشمال مرةً أخرى، إلا أنّ إنذاراتها لم تلقَ استجابة.

يوم الثورة
يقول المقدم ركن محمد عباس ناجي الضالعي حول ليلة ثورة 14 أكتوبر 1963م ومقدماتها
صحيح أنّ يوم 14 أكتوبر 1963م لم يكن يوماً قد حدد مسبقاً بأنّه يوم الثورة، لكن تفجير الثورة كان قد تم الاتفاق عليه، وهذا ما أكده المناضل الراحل ناصر علوي السقاف، الذي كان حينها نائب قحطان محمد الشعبي بقوله: عاد راجح بن غالب لبوزة من الجبهة، جبهات الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر ومعه 100 مقاتل، وقد سمع بقانون حكومة الاتحاد، وبعد التشاور مع القيادة والحكومة من شماليين وجنوبيين أعلن أنّه سيعود وسيقاوم إذا تطلب الأمر ذلك.. أخذنا وعد لبوزة بعين الاعتبار، المهم عاد الرجال إلى ردفان وطالبوهم بتسليم السلاح فرفضوا فنشب القتال.
في اليوم الثاني لاستشهاد المناضل لبوزة أي في 15 أكتوبر 1963م قام المناضل صالح علي الغزالي بتحرير رسالة إلى المقدم أحمد الكبسي قائد لواء إب حملها إليه الأخ صالح أحمد حسين البكري أبلغه فيها نبأ استشهاد راجح بن غالب لبوزة وما تعرضت له قبائل ردفان من اعتداء بريطاني غاشم وطلب منه إبلاغ قحطان الشعبي وقيادة الجمهورية في صنعاء بذلك.

بيان حكومة الاتحاد
بعد مرور ثلاثة أيام من استشهاد لبوزة أي في يوم 17 أكتوبر 1963م أصدرت وزارة الإرشاد القومي والإعلام في حكومة اتحاد الجنوب العربي بياناً أُذيع من إذاعة عدن بأنّ فرقة مؤلفة من الجيش والحرس الاتحادي تعرضت لنيران فريقين من رجال العصابات كانوا يطلقون النار من مراكز تقع في الجانب الجبلي ويتألف الفريقان من ثمانية وثلاثين رجلاً على التوالي، وكان هؤلاء بقيادة قائد رجل العصابات الرجعي المفسد من جبل ردفان راجح غالب لبوزة الذي عاد مؤخراً من اليمن، يحمل أسلحة وقنابل يدوية وألغاماً يحاول إشاعة الإرهاب في المنطقة، ولم يصمد أتباع اللص لبوزة أمام القوات الاتحادية المدربة تدريباً عالياً، التي أرغمتهم على الفرار رغم تحصينات رجال العصابات في مراكزهم، وقد خسر رجال العصابات اثنين منهم، كان أحدهما راجح لبوزة نفسه، بينما أُصيب أربعة آخرون، ولم تُصب القوات الاتحادية بأي خسائر.

تشويه الحقائق
كانت بريطانيا تعتبر من يخرج عن طاعتها إرهابياً، لهذا نجد كل بياناتها التي صدرت بمناسبات عدة وخاصة في عمليات قتالية وقعت بين قواتها والثوار، تصف المقاتل اليمني بأبشع الصفات بغرض تشويه الحقائق أمام الرأي العام المحلي، وفي هذا البيان ما يدل على ذلك، ليس فقط في تشويه المناضلين من أبناء ردفان وقائدهم راجح غالب لبوزة، وإنّما في ذكر عدد الضحايا من الطرفين، ففي هذا اليوم قالت بأنّ الثوار خسروا اثنين من بينهما راجح لبوزة نفسه، والحقيقة أنّه استشهد من الثوار لبوزة فقط، وقالت في بيانها إنّه أُصيب أربعة منهم، شخص واحد بجراح وهو سعيد العنبوب، الذي كان يُقاتل إلى جانب لبوزة في موقع واحد، كما أنّها لم تعترف بخسائرها، لكن شهود عيان من أبناء المنطقة شاهدوا بأم أعينهم بعد انتهاء المعركة، في الساعة الثانية بعد ظهر يوم 14 أكتوبر 1963م، الدماء النازفة في المواقع التي كانت تتمركز بها القوات البريطانية.

مواصلة مسيرة الكفاح
بعد مرور ستة أيام على إذاعة البيان البريطاني، من إذاعة عدن ومرور تسعة أيام على استشهاد الثائر راجح غالب لبوزة، أصدرت قيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في 23 / 10 / 1963م بياناً أعلنت فيه استشهاد لبوزة، مؤكدةً عزمها على مواصلة مسيرة الكفاح المسلح، التي بدأها لبوزة ورفاقه، وتوعدت القوات البريطانية بزيادة مسيرة القتال حتى تحرير الوطن المحتل، واعتبرت لبوزة قائداً من قادتها المتفردين بالشجاعة والرجولة والقدرة القيادية.. وقد عملت الجبهة القومية على توزيع بيانها على وسائل الإعلام العربية وفي مقدمتها إذاعة صنعاء التي أذاعت البيان نصاً في تاريخ 26 / 10 / 1963م.
- الجمهورية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.