كثيرة هي صور الفساد في هذا الزمن الرديء، والهيئة العامة للتأمينات والمعاشات بعدن صورة للفساد بكل المقاييس.. فالناظر لأحوال المتقاعدين يجد كيانه يرتجف وهو يشاهد معاناتهم، فهم ما بين عجوز أحدب، يتوكأ على عصا مضطربة، يبحث عن حقوقه من سنين، وأرملة تندب حظها وتشكو ضياع مستحقاتها، وعاجز ضعيف يطلب الخلاص مما هو فيه، بعد أن أعطيت له شيكات بلا رصيد، وموظف مغلوب على أمره، والجميع هناك في جحيم مستعر وجدوا أنفسهم في هيئة خربة أضاعت الأموال بالتجاوزات وتناست الحقوق والواجبات، فأصبح كل شيء فيها متعثراً. "أخبار اليوم" التقت المتقاعدين في الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات بعدن، ونقلت معاناتهم لعلها تنفس عن بعض كربهم، فخرجت بهذه الحصيلة: ما إن تغوص في أعماق مبنى الهيئة تصيبك خيبة الأمل، حين تشاهد العجزة والمسنين يقفون وقد طال بهم الأمد، وهم يبحثون عن مرتباتهم، وقد تعلقت نفوسهم بذلك الأمل الذي غيبته ضمائر المفسدين، الذين لم يسلم من فسادهم حتى الموظفين في الهيئة. * مع الموظفين: تجاوزات مالية أثرت بشكل مباشر على مرتبات الموظفين، الذين قد لا يجدون مرتباتهم في الشهور القادمة وهناك التقينا ببعض الموظفون والموظفات الذين لا تقل معاناتهم عن المتقاعدين وأخبرونا قائلين: بعد أن رأينا التجاوزات المالية في الإدارة والتي تصرف بطريقة غير قانونية والتي أثرت على رواتبنا ومعاشات المتقاعدين، اعترضنا ونفذنا إضراباً بناء على طلب رئيس النقابة، وبعدها بدأت الإدارة باستخدام ممارسات تعسفية بحقنا، منها التهديد بالأمن القومي، وتبعها قرارات بتحويل الكادر المؤهل ووضعه في أماكن غير مناسبة ونفذت الإدارة الأعمال على شكل مقاولات مع موظفين ليس لهم علاقة بالعمل وأوكلوا إليهم مهام الإستراتيجية الثالثة، بعد أن كانت من اختصاص قسم البيانات والهدف من ذلك الإرباك وعدم الرقابة. وأضافوا: كما ألغت الإدارة التخصصات وربطت كافة الأعمال بالمدير العام، من أجل حرمان الموظفين من الإضافي، ما ترتب عليه تراكم معاملات المتقاعدين. * معاناة المتقاعدين: عند دخولنا مبنى الهيئة لاحظنا الإهمال المتعمد، وما لفت انتباهنا هو دفاتر المتقاعدين وهي مرمية على الأرض، بالإضافة إلى كثير من النقص في البيانات المتعلقة باستفسارات المتقاعدين وعدم معرفة الحالات التي لم تستلم الإستراتيجية وعدم متابعة الحالات المرفوعة وضياع بطائق المعاشات، وأخيراً نقل المتقاعدين إلى مراكز بعيدة عن سكنهم. * شيكات بلا أرصدة: كان في حالة بائسة، فقد مضى على إحالته إلى التقاعد شهور، بعد أن كان يعمل في الإنشاءات وقال العاقل/ شايف سعيد صالح: أنا أسكن في إحدى قرى لحج وقد أحلت إلى التقاعد، لكن لم يتم تحويل مرتبي إلى البريد وقد حررت لي الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات شيكاً بمرتبي، وعندما ذهبت إلى البنك تبين أنه شيك بدون رصيد، وإلى الآن وأنا أبحث عن مرتبي وقد أنفقت نصفه كمواصلات. هو الآخر الأخ/ أحمد سعيد وجدناه يحمل شيكاً، تبين أيضاً أنه بدون رصيد. * لا مراعاة للمرضى: الحاجة/ عيشة عبدالله صالح، لم تجد من يراعي كبر سنها وإصابتها بالمرض، وقد أحيلت إلى المعاش بعد أن كانت تعمل في المؤسسة العامة للنقل البري، حيث تحدثت قائلة: كما ترى يا ولدي أنا في عمر لا يسمح لي بالتنقل، لكن إدارة الهيئة لا توقر الكبير وكأنه ليس لديهم أمهات، وقد تعبت من الطلوع والنزول كل يوم ولم تنجز معاملتي. وأضافت: أنا مصابة بمرض القلب ولا يوجد لي أي مصدر وأعول أسرة والله يعلم بالحال. * كسيحٌ مُقعد: وجدناه مقعداً، يسند ظهره إلى الجدار وبجانبه عكاز وبدا حزيناً، وقد توارت أمانيه وانزوت أفراحه، إنه الحاج/ مرشد علي، الذي تم تحويله من محافظة أبين وقال الوالد/ مرشد: تم تحويل ملفي من محافظة أبين على أساس أن أستلم مرتبي من هنا وإلى الآن مر أسبوع ولم تنجز معاملتي وأنا كسيح وأشكو إلى الله الواحد، هو القادر على إنصاف المظلومين. * لا حياة لمن تنادي: الوالد/ صالح عبدالله هادي يقول: مر على ترددي إلى الهيئة "20" يوماً، أخسر فيها مواصلات ولم يصرف لي دفتر التقاعد، ولم يكن وحده من يعاني، فالوالد/ سيف حسن مرشد لم تصرف له العلاوة على مدى ثلاث سنوات متتالية. * سنوات من الألم: الوالد/ نعمان فارع غالب، يقول: على مدى ثلاث سنوات من عام 2008م، وأنا أتابع من أجل الاستراتيجية الثانية والناس اليوم قد استلموا الاستراتيجية الثالثة ونحن يواعدوننا من يوم إلى يوم. نفس الكأس يتجرع مرارته الوالد/حميد حمود عبدالله، فقد قال: مدير الكادر أكل راتبي لمدة تسعة أشهر، وأنا عندي رسالة "أحد الأجلين" وإلى اليوم لم نتسلم مستحقاتنا وعندما قابلت المدير وقلت له يا ابني نحن تعبنا "من الروحة والجية"، بكل وقاحة قال لي: لا يوجد عندنا لكم مرتبات!.