في ساحة التغيير تلفت انتباه الزائر ظاهرة كثرة الباعة المتجولين المتواجدين في الساحة من جميع الأجناس والأعمار، تراهم إما مجتمعين قريباً من المنصة الرئيسية متخذين من أطرافها سوقاً شعبية تجمع كل ما يحتاجه المعتصمون من مأكل ومشرب واحتياجات مختلفة أو متنقلين بعربياتهم في أرجاء الساحة .. وترى عدد كبير من الشباب وخاصة القاطنين في حي الجامعة يهرعون لفتح زوايا صغيرة أمام مداخل منازلهم أو عمل بسطة على رصيفهم ليقصدوا الله ويعتصموا في ذات الوقت حد قولهم. هروباً من بلاطجة البلدية الشاب قائد جامعي خريج كلية التجارة علوم سياسية يبيع أمام منزله الشاي والقهوة وبعض الوجبات الخفيفة أوضح انه ظل ولأكثر من ثلاثة عشر عاماً يتردد على مكتب الخدمة المدنية بحثاً عن درجته الوظيفية التي يبدو أنها قد ضلت طريقها للأبد وعندما فكر في عمل بسطة صغيرة في شارع هائل كان يشعر كل يوم بالاهانة حينما يأتي عامل البلدية الذي لا يحمل مؤهلاً ثانوياً ويساومه في قوته أو يلاحقه مع عصابته من شارع لأخر للقبض عليه والاستيلاء على بضاعته ومدخوله. ويرى صالح في صانع الثورات العربية محمد البوعزيزي حد قوله صاحب العربية التونسي قدوته الأولى، مؤكداً انه سيسير على نهجه ويقف ببضاعته ثائراً في وجه الظلم حتى يسقط هذا النظام الجائر أما محمد علي بائع الخيار المتجول على إحدى العربيات اخبرنا بان الفقر والجوع هما من أتيا به إلى الساحة ليقصد الله، بعيداً عن ملاحقة رجال البلدية الذين يتبلطجون عليه هو وأقرانه ويأخذون ما يكسبونه ويتلفون بضاعتهم دون وجه حق وبمباركة النظام الذي لا يلتفت إلى معاناتهم .. مشيرا إلى انه يجد الأمان تماما في الساحة حيث لا يستطيع رجال البلدية الدخول أو مطالبته بأي ضريبة أو نسبة . وأكد محمد دعمه للثورة التي تحقق أحلامه في صناعة مستقبل أفضل للوطن ولأبنائه وإيقاف الفساد المستشري في الوطن . ويحلم محمد أيضاً بان يعود لدراسته التي توقف عنها بسبب ظروف أسرته القاهرة التي لم تشفع لهم وتسمح بانضمامهم إلى ما يسمى بالضمان الاجتماعي . ويحلم أيضا انه إذا تخرج تكون شهادته وتعليمه ذات قيمة لدى المجتمع ويجد المكان المناسب للعمل وإلا سيظل طوال عمره بائعاً خلف هذه العربية .
طفولة ضائعة تحلم بمستقبل أفضل ضيف الله حسن سنان في الصف الثالث الابتدائي يبيع أعلاماً وشعارات عبّر فيها عن رغبته في رحيل هذا النظام الذي جعله وأسرته فقراء في وطن يزخر بالخيرات، بالرغم من أن والده يعمل إمام جامع، فهو لا يقبض من عمله الهام هذا إلا بضع ريالات لا تكفيه وعائلته خبزا لمدة أسبوع فقط، مما اضطره وإخوته للعمل في الشوارع لكسب رزقهم وبالرغم من صغر سنهم . قال : اعمل لأكسب قوت يومي وأسرتي , وأوفر مصاريف المدرسة ، مؤكداً انه يجمع جزءا من أرباحه ليعطيها عن طيب خاطر تبرعاً للثورة . سهيل أيضا في المرحلة الإعدادية يبيع طاقيات لكي يعيش بشرف حد قوله ويحلم أن تنجح هذه الثورة وان يرى اليمن في مصاف دول الخليج المتقدمة . يأمل أن يصبح طبيباً ويرى أن حلمه ذلك لن يتحقق إلا في ظل حكومة عادلة وأوضاع أفضل .
اعتصام حتى يسقط النظام يحيى أفاد انه يقف في الساحة يطلب الله ويقف مع الشعب، جاء ببضاعته معتصماً ومصراً على رحيل النظام الذي ظلمه وظلم أصحاب العربيات في جميع عموم محافظات الجمهورية . اخبرنا انه لم يكمل دراسته وتوقف في الثانوية لأنه يعلم ألا وظائف إلا لأصحاب الوساطات وألا مستقبل له في التعليم، فآثر البيع على عربية لإدخال مصروفه وأسرته، متمنياً أن يجد في العهد الجديد الأمن والاستقرار الحقيقي وانتهاء الغلاء عبد الفتاح في الصف الرابع يبيع شالات رجالية اخبرنا ببراءة الأطفال قائلا ( أنا هنا اعمل وأظاهر ليسقط النظام ) حينما وصلنا إليه كان يدور حول بضاعته راقصاً وهو يردد الشعب يريد إسقاط النظام , معللاً سبب كرهه للنظام لأنه قتل الناس وأخرجه على صغر سنه إلى الشارع، متمنياً الأمن والأمان في ظل الدولة القادمة ومستقبل أفضل لجميع أطفال اليمن .
المرأة شريك ثائر للرجل زينب فتاة ترى في نظراتها الذكاء والإصرار على مواصلة المسير، تبيع السمبوسة وبعض المشغولات اليدوية المزينة بلون العلم الوطني ... أكدت أنها مع الثورة قلباً وقالباً، تأتي كل يوم بعد الظهر إلى الساحة حاملة بضاعتها، هاتفة بأعلى صوتها ليسقط النظام، تبيع للنساء ما لديها من بضاعة ثم تأخذ جزاء ما جنته من أرباح لتهديه للثوار .. تأمل في المستقبل أن ترى المرأة اليمنية شريكة حقيقية في صنع القرار وليست مجرد ديكور للتباهي به أمام الغرب .. وتتمنى أن يغير المجتمع اليمني نظرته اليوم تجاه المرأة بعد أن أثبتت أنها ليست ذلك المخلوق الضعيف الذي يحتاج للرعاية، بل أنها ثائرة مناضلة ومساندة لأخيها الرجل في نضاله ضد الظلم وتستطيع الوقوف بقوة معه .
القات سلعة أساسية في الساحة تجد كل ما يخطر على البال من بضائع، ابتداءً بالماء البارد والمشروبات الباردة والساخنة المختلفة، مروراً بالفواكه المختلفة والصحف والمجلات وصور تعبيرية وشعارات ثورية و طاقيات ومظلات للاحتماء من الشمس، إلى سلعة القات التي جاءت إلى الساحة لتأخذ حيزاً لا بأس به في الساحة كسلعة أساسية ولتوفر على المعتصمين عناء الخروج والبحث عنه أو الاستفراد بهم و اختطافهم أو أذيتهم من قبل بلاطجة النظام .
ترتيب ونظام ذاتي وعلى الرغم من اجتماع هؤلاء الباعة الكثر في الساحة، إلا أنهم اثبتوا حسن تصرفهم في الوقوف بشكل منظم دون مضايقة المعتصمين أو خلق الفوضى ورمي المخلفات في الشارع، كما تدعي البلدية التي تهذب من سلوكيات أصحاب العربيات الغير مسئولة حد قولها . وساعدهم في خلق هذا النظام قيام اللجنة التنظيمية في الساحة بوضع سيارة خاصة يقودها الثائر إبراهيم طاهر والذي ينادي بها على الباعة المتجولين لينتظموا في أوقات الصلاة والازدحام في أماكنهم وترتيبهم أو رفع مخلفاتهم، مؤكداً على تعاونهم الرائع معه عن اقتناع، نافيا أن تقوم اللجنة بأخذ أي مبلغ منهم وكل ما تقوم ويقوم به هو مجرد التنظيم فقط وهذا ما أكده كل الباعة الذين التقينا بهم والذين تمنوا أن يكون هذا هو الوضع الصحيح للبلدية الترتيب والمحافظة على النظام وليس البلطجة والجباية .. وعلى قدر رحابة الصدر للثوار لدخول الباعة المتجولين ساحة التغيير دون السؤال عن قناعاتهم أو أهدافهم حتى انه شاع بينهم أن البعض منهم أمن قومي أو سياسي، إلا أن أحداً في الساحة لم يمنعهم من طلب الرزق بينهم حتى كسبوهم معهم في ثورتهم، في المقابل يقوم أنصار النظام بطرد الباعة المتجولين من ميدان السبعين خلال الجمع السابقة لأسباب تافهة أو لمواقف خاصة باتحاد الباعة والبساطين المتجولين . لتعبر عن ضيق صدر النظام بالشعب الذي يحكمه ورفضه لأي فكر أو رأي يناقضه .