روائع جمعتها من بطون الكتب سقت لك بعضها كما هي وشذبت وهذبت بعضها وعلقت على بعضها وهي روائع متنوعة ستخلب لب القارئ وتدهشه وتفيده فإلى الروائع : وهل أنا إلا من غَزِيّة غزا عبدُ الله بن الصِّمة - واسم الصمَة معاوية الأصغر، من بني غزيّة بن جُشم بن مُعاوية بن بكر بن هوازن، وكان لعبد الله ثلاثة أسماء وثلاثُ كنى، فاسمه عبد الله وخالد ومَعبد، وكُنيته أبو فُرغان وأبو ذفافة وأبو وفاء، وهو أخو دُريد بن الصمة لأبيه وأمه - فأغار على غطفان فأصاب منهم إبلاً عظيمة فأطردها. فقال له أخوه دُريد: النجاة، فقد ظَفرت. فأبى عليه وقال: لا أبرح حتى انتقع نقيعتي - والنقيعة: ناقة ينحرها الزعيم من وسط الابل فيَصنع منها طَعاماً لأصحابه ويَقْسم ما أصاب على أصحابه - فأقام وعَصى أخاه، فتتبعته فَزازة فقاتلوه، وهو بمكان يقال له اللَوى، فقُتل عبد اللهّ. وجرح دُريد ثم قال يرثي عبد الله أخاه ويذكر عِصْيانه له وعِصْيان قومه برائعة من الروائع : ءأعاذِلَ إن الرزءَ في مِثل خالد ... ولا رُزْءَ فيما أهلك المرءُ عن يَدِ نصحت لعارض وأصحاب عارض ... ورَهْطِ بني السوداء والقوم شهَدى (1) فقلت لهمً : ظنُوا بألفي مُدَججِ ... سراتُهم في الفارسيّ المُسرَّد (2 ) أمرتُهم أمرِي بمُنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرُشد إلا ضحَى الغَد فلما عَصَوْني كنتُ منهم وقد أرى ... غَوايتَهم وأنني غيرُ مُهْتدي وهل أنا إلا من غَزِيّة(3) إن غَوَت ... غويتُ وإن تَرْشُد غَزيّة أرْشُد دعاني أخي والخيل بيني وبينه فلما دعاني لم يجدني بقعدد (4) تنادَوْا فقالوا أردَت الخيلُ فارساً ... فقلتُ أعبدُ الله ذلكم الردي فإنْ يك عبدُ الله خلَّى مكانَه ... فما كان وقَافاً ولا طائشَ اليَد ولا بَرِماً إذ ما الرياحُ تناوحتْ ... برَطْب العِضاه والضرّيع المُعضد كميشُ الإزار خارجٌ نصف ساقه ... صبور على الضراءِ طلاع أنجُد قليل التشكّي للمَصائب حافظٌ ... من اليوم أعقاب الأحاديث في غَد وهوَن وَجْدي أنّني لم أَقُل لَه ... كذبت ولم أبْخل عليه بما مَلكتْ يدِي القصيدة رائعة جدا تتحدث عن المجتمع الجاهلي وتعصبه ببلاغة مختصرة في بيت واحد وهل أنا إلا من غَزِيّة إن غَوَت ... غويتُ وإن تَرْشُد غَزيّة أرْشُد وتأمل البيت الأخير : وهوَن وَجْدي أنّني لم أَقُل لَه كذبت ولم أبْخل عليه بما مَلكتْ يدِي لم يبخل على أخيه بما مَلكتْ يدِيه وهو جاهلي !! بينما في عصرنا هذا هناك من أهل الإسلام من هو من الأغنياء وشقيقه لايجد اللقمة !!! علو في الحياة وفي الممات كان ابن بقية الوزير من الكرماء فأخذه السلطان عضد الدولة البويهي عام 366ه فأمر به فقتل فوضع بين قوائم الفيلة فتخبطته بأرجلها حتى هلك، ثم صلب على رأس الجسر في شوال منها، فرثاه أبو الحسين بن الانباري بأبيات رائعة لاتنسى ولا تطوى بل تحفظ وتنشر وتروى يقول فيها: علوٌّ في الحياة وفي الممات ... لحقٌّ أنت إحدى المعجزات كأنّ الناس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيّام الصّلات كأنّك قائمٌ فيهم خطيباً، ... وكلّهم قيامٌ للصّلاة مددت يديك نحوهم احتفاءً، ... كمدّهما إليهم بالهبات ولّما ضاق بطن الأرض عن أن ... يضمّ علاك من بعد الممات أصاروا الجوّ قبرك، واستنابوا ... عن الأكفان ثوب السافيات لعظمك في النفوس تبيت ترعى ... بحرّاسٍ وحفّاظٍ ثقات وتشعل عندك النيران ليلاً ... كذلك كنت أيّام الحياة ولم أر قبل جذعك قطّ جذعاً ... تمكّن من عناق المكرمات ركبت مطّيةً من قبل زيدٌ ... علاها في السّنين الذّاهبات حبس بسبب البول الحجاج طاغية عصره حبس عشرات الألاف من المسلمين دون ذنب وبموته تم إطلاقهم وكان فيمن حبس أعرابي وجد يبول في أصل ربض مدينة واسط، وكان فيمن أطلق فأنشأ يقول: إذا نحن جاوزنا مدينة واسط * خرينا وصلينا بغير حساب لقد هزلت .علي بن أحمد بن علي بن سلك أبو الحسن المؤدب- ت 348ه - ومن شعره الحسن الذي سار في كل مكان : لما تبدلت المجالس أوجها * غير الذين عهدت من علمائها ورأيتها محفوفة بسوى الاولى * كانوا ولاة صدورها وفنائها أنشدت بيتا سائرا متقدما * والعين قد شرقت بجاري مائها أما الخيام فإنها كخيامهم * وأرى نساء الحي غير نسائها ومن شعره الذي طارت به الركبان : تصدر للتدريس كل مهوس * بليد تسمى بالفقيه المدرس فحق لاهل العلم أن يتمثلوا * ببيت قديم شاع في كل مجلس لقد هزلت حتى بدا من هزالها * كلاها وحتى سامها كل مفلس يا من يرى كان أبو العلاء المعري التنوخي الشاعر- ت 449ه - اللغوي، صاحب الدواوين والمصنفات في الشعر واللغة مشهورا بالزندقة قال ابن الجوزي: وقد رأيت لابي العلاء المعري كتابا سماه الفصول والغايات، في معارضة السور والآيات، على حروف المعجم في آخر كلماته وهو في غاية الركاكة والبرودة، فسبحان من أعمى بصره وبصيرته وقد زعم بعضهم أنه أقلع عن هذا كله وتاب منه، وأنه قال قصيدة يعتذر فيها من ذلك كله، ويتنصل منه، وهي القصيدة التي يقول فيها : يا من يرى مد البعوض جناحها * في ظلمة الليل البهيم الاليل ويرى مناط عروقها في نحرها * والمخ في تلك العظام النحل أمنن علي بتوبة تمحو بها * ما كان مني في الزمان الاول ونلتقي السبت القادم إن شاء الله تعالى مع روائع جديدة وفريدة والله الموفق . الهامش (1) عارض : من أسماء عبدالله أيضا ورهط بني السوداء أصحاب عبدالله (2) ظنوا : أيقنوا والمدجج : التام السلاح وسراتهم : خيارهم والفارسي المسرد : اللابس الدروع (3) غزية : قبيلة من هوازن وهي رهط الشاعر (4) القعدد : الجبان اللئيم القاعد عن المكارم (5) قوله زيد علاها يعني زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، لما قتل وصلب أيام هشام بن عبد الملك، أبو زيد بن عبد القوي [email protected]