النجاح الجماهيري الواسع الذي حققه مسلسل (همي همك) في جزءه الثالث، الذي عرض خلال شهر رمضان الكريم على قناة (السعيدة) الفضائية، تقف وراؤه جملة من الأسباب والعوامل. فمؤلف المسلسل الفنان القدير (فهد القرني) استطاع أن يلامس مشكلات وهموم الإنسان اليمني، وما يعانيه من ظلم وقهر وحرمان وتخلف، يطال مختلف جوانب حياتيه، وما اتخاذه لأبناء تهامة مثالا على ذلك، إلا لكونهم الأكثر عرضة للظلم والاضطهاد من سواهم من إخوانهم اليمنيين. ومما يحسب للمؤلف انه لم يكتف بتناول معاناة ومشكلات الناس وهمومهم فحسب، بل تناول كذلك الأسباب والعوامل الرئيسية المنتجة لذلك الواقع السيء الذي يعيش فيه اليمنيون، كما تطرق إلى السبل والوسائل المناسبة الكفيلة بالقضاء على ذلك الواقع، أو على الأقل تحد منه. فإذا كانت السلطات المستبدة، كالسلطة الحاكمة في بلادنا تعد هي السبب الأساسي المنتج لمعاناة الناس وأوجاعهم ، والمصدر الرئيسي للقهر والتخلف الذي يواجهونه، كما هو الحال بالنسبة لليمنيين، حيث جسد المسلسل ذلك من خلال شخصية الشيخ ( طفاح ) وابنه ( عوض )، اللذين رأيناهما في المسلسل كيف أن القائمين على سلطات أجهزة الدولة يمنحونهما مزيداً من القوة والنفوذ ويغطون على كل ممارساتهما، ويسخرون لهم إمكانيات أجهزة السلطة، الأمر الذي جعلهما يتعدون على كرمات وحريات الناس، و يقوما بنهب حقوقهم وبسلب أموالهم وممتلكاتهم العامة والخاصة ويتحكمان بها كما يريدان دون حسيب أو رقيب. ومع ذلك لم يغفل المسلسل أن يشير أولا إلى أنه توجد هناك نماذج ايجابية بين أوساط المشائخ ورجال الدولة، حيث يعد الشيخ ( فاضل ) مثالاً للحالة الأولى، بينما يعد ضابط الشرطة الذي حقق في قضية مقتل ( نورية ) مثالاً للحالة الثانية. كما لم يغفل المسلسل أن يشير ثانياً إلى ما يتحمله المواطنون من مسؤولية عما يؤول إليه وأقعهم، فالخوف من الحكام المستبدين والاستسلام لما يقومون به ويرتكبونه من أفعال وممارسات ظالمة وجائرة ومشينة بحقهم، وذلك كما كان يفعل مثلا ( شوتر ) مع ( طفاح )، إنما يؤدي إلى بقاء واقعهم المزري على ما هو عليه، بل يستمر من سيء إلى أسوأ، بينما التصدي والمقاومة والرفض لممارسات وأفعال أولئك الحكام،وذلك على غرار ما كان يفعله مثلا ( فتيني) وابنه (نوري)، هو السبيل الوحيد للقضاء على الظلم وصنع واقع جديد خالٍ من الظلم والاضطهاد . فكم كانت جميلة تلك العبارة التي وردت على لسان (نورية)، التي تقول : إن هذا ماء الوطن وليس ماء طفاح)، كونها تدل وتبين على أن الشعب وليس الحكام هو المالك الوحيد لثروات بلاده وسلطاتها. ومها وصلت وبلغت فكرة المسلسل من سلامة ووجاهة، إلا أنها ما كان لها أن تحظى بكل هذا التقبل والتفاعل والتعاطف من قبل مشاهدي المسلسل، والذي تجسد ليس فقط بارتفاع أعداد مشاهديه فحسب، بل كذلك في اختلاف وتنوع مستوياتهم وانتماءاتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية والمناطقية والعمرية.. الخ. أقول إن فكرة المسلسل ما كان لها أن تحظى بكل ذلك الاقبال والتقبل من قبل المشاهدين، لو أن عناصر المسلسل الفنية لم تكن على قدر عال وكبير من التكامل والتجانس، حيث يأتي عنصرا الإخراج والتمثيل في مقدمتهم. فمخرج المسلسل العراقي ( فلاح الجبوري ) تمكن، بصورة رائعة من توظيف كل العناصر الفنية التي يتطلبها المسلسل بما يخدم فكرته ويجسدها، حيث لم يلمس أو يشعر المشاهد أن هناك خللاً أو تناقضاً بين أحداث المسلسل وتسلسلها وتتابعها المكاني والزماني، أو بين شخصياته وواقعهم، باستثناء بعض الحالات مثل : سؤل ( أم جمعة ) حول المطبخ في بيت ( شوتر ) واستغرابها من وضعيته، في حين أنها تعرفت على أوضاع بيت ( شوتر ) وقريته قبل أن تتزوج منه. نوعية السجون التابعة ل ( طفاح )، لم تكن على قدر من التناسب مع طابع وظائفها، حيث شاهدنا بعضها مبنية من القش ( اوراق القصب ) دون أن تكون مثبتة بالشكل المطلوب، وأخرى من البلاط ( البردين ) مع وجود فتحات كبيرة فيها، وكل ذلك إنما تتيح لأي سجين أن يهرب منها بكل سهولة. أما بيت (طفاح) فقد بدا متواضعاً جداً ولا يختلف كثيرا عن بيوت بقية سكان القرية، وهذا يتناقض مع ما يمتلكه من أموال طائلة، التي يحصل عليها من خلال عمليات النهب والسلب التي يقوم بها للممتلكات وحقوق سكان القرية . وفيما يتعلق بالفنانين الذين جسدوا شخصيات المسلسل، فان كل ممثل منهم قام بأداء الدور الذي اسند إليه بإتقان شديد، إلى درجة يمكنني أن أقول معها أن كلهم كانوا أبطلا للمسلسل، إلا أن هذا لا يمكنه أن يجعلني، وحالي هذا كما اعتقد لن يختلف عن حال الغالبية الساحقة من مشاهدي المسلسل، أن أنسى أو أتجاهل الآداء المميز الرائع للممثل القدير (نبيل الانسي )، في تجسيده لشخصية ( زنبقة )، حيث يمكنني القول إن ذلك الدور لو اسند لأي ممثلة ما كان لها ان تؤديه، كما أداه الممثل الفنان (الانسي). من جهة آخر يستحق المسلسل الإشادة كونه سلط بعض الأضواء على عدد من القضايا التى تهم المجتمع، حيث تأتي في مقدمتها قضية التعليم بما في ذلك مسألة محو أمية كبار السن، وكذا ظاهرة الزواج من امرأة أخرى، حيث حاول المسلسل نقد تلك الظاهرة، كونه جعل العلاقة بين الزوجة الأولى (زنبقة)، والزوجة الثانية (أم جمعة)، تتسم بالتوتر ومليئة بالمشاجرات المستمرة، ولعل أجمل عبارة قيلت في المسلسل بهذا الصدد، هي تلك التي وردت على لسان (فتيني)، والتي تقول : إن المرأة تتمنى الموت على أن ترى زوجها يقدم على الزواج من امرأة أخرى). أخيراً كنت أتمنى أن يتطرق المسلسل إلى ما تحدثه وتخلفه ظاهرة ارتفاع معدلات الولادة من نتائج سلبية مضرة تطال الأمهات والأسر بشكل خاص، والمجتمع بشكل عام. [email protected]