فور الإعلان عن فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما في انتخابات الرئاسة الأميركية ،سارعت وسائل الصهيونية وكبار الباحثين والخبراء الصهاينة ،لاستئناف الحملة الدعائية القوية ضد جميع الجهات بمن فيها فصائل المقاومة الفلسطينية ،في إطار المنهج التحريضي الدائم ضد الجهات المعادية لهم ،حيث دأبت على ترديد أفكارها الدعائيةالمضادة سواء في وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية ونجحت طوال فترة إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش في إقناع المسئولين الأميركيين بصدق ما تقوله عن تلك الجهات ،ولهذا فأنها سارعت ومن منطلق ما ذكر بشأن اختلاف أفكار ومنهج الرئيس المنتخب و إمكانية حدوث تبدل في المواقف الأميركية تجاه بعض القضايا الهامة ، ولهذا فأن خبراء مركز الدراسات والأبحاث الصهيونية أخذوا على عاتقهم زمام المبادرة بإعادة تفعيل الحملة الدعائية المضادة ضد الأطراف المعادية للكيان الصهيوني بهدف استمالة قلب الإدارة الأميركية الجديدة وتكريس الصورة النمطية المعروفة من جديد قبل حدوث أي تحول. هذا ويشار إلي أن البعض في الكيان الصهيوني تخوف من حدوث أي تحول في المواقف الأميركية الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط واقتراب أدارة أوباما من أعداء إسرائيل المعروفين ،وفي هذا السياق كانت صحيفة معاريف الصهيونية قد أشارت في تقرير لمراسلها للشئون العربية "ايتمار عنبري" إلي أن الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما تعهد بإنهاء عزلة سوريا وعودتها إلى أحضان الأسرة الدولية ونقلت الصحيفة عن مصادر أميركية قولها :" لقد قام مقربون من الرئيس أوباما بنقل رسالة إلى مصادر سورية رسمية ،بشأن اعتزامه إنهاء عزلة سوريا وعودتها إلى أحضان الأسرة الدولية ،وقال مراسل الصحيفة أن هناك مصادر إعلامية قد صرحت بأن أوباما قام بإرسال مستشاره للشئون الخارجية روبرت مالي إلى الشرق الأوسط لكلا من مصر وسوريا ،وقال إن أوباما يولي أهمية بالغة بكلا من سوريا ومصر وأن يقوم بذلك بهدف خلق علاقات طيبة بين الدول ". وفيما يتعلق بالرؤية الصهيونية من مستقبل تعامل أوباما مع المنطقة ،أعد يوسي نيشر محرر الشؤون الشرق أوسطية بالإذاعة الصهيونية تقريراً وقام نيشر بإجراء حوار خاص مع روني بارت الخبير في السياسات الأميركية الشرق أوسطية في "معهد دراسات الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب، والذي استبعد بدوره وقوع أي خطوات درامية في منطقة الشرق الأوسط خلال الأسابيع المتبقية من حكم الرئيس بوش، مؤكداً أن هذا الأمر ليس مقبولاً في الثقافة السياسية الأميركية، ودلل على صحة حديثه بالتصريحات الصادرة على لسان وزيرة الخارجية الأميركية كوندا ليزا رايس والتي أكدت فيها أن إدارة بوش لم تعد قادرة على تحريك شيء ما في مسيرة السلام. وقال "إن الفترة القادمة لن تشهد أي تقدم في عملية السلام،وذلك على ضوء دخول "إسرائيل" في مرحلة الانتخابات، وهو ما يعني تعطل العملية السلمية حتى دخول اوباما البيت الأبيض وحتى تشكيل حكومة صهيونية جديدة بعد الانتخابات المقبلة. كما تطرق روني بارت الخبير في السياسات الأميركية الشرق أوسطية في حديثه إلي إمكانية وجود فرق بين مواقف أوباما وبوش، مشيراً إلي أنه وفيما يتعلق بالملف العراقي،فأن الخلاف بين الاثنين كان جوهرياً في البداية، حيث اشترطت إدارة بوش انسحاب القوات الأميركية من العراق بحدوث تقدم ملموس في الأوضاع الأمنية ميدانياً،في حين أن تصريحات اوباما لا تشمل مثل هذا الشرط، مشيراً إلي أنه لا يستبعد تعديلاً في موقف اوباما لدى توليه الرئاسة حول مسالة وضع شروط من عدمه للانسحاب. وفيما يتعلق بالملف الإيراني، أشار الخبير الصهيوني إلي أن هناك خلاف بين مواقف بوش وأوباما فمن ناحية الاثنان يعتبران فكرة إيران النووية غير مقبولة،ولكن اوباما وخلافاً لبوش يدعو لوقف مقاطعة طهران واللجوء إلى الحوار المباشر وعدم اشتراط الحوار بتعليق طهران لبرنامجها النووي، ولكن اوباما أيضا مثل بوش لا يستبعد الخيار العسكري،ولكن أنا اعتقد بان لدى غالبية العالم الانطباع بان الانتقال إلى الخيار العسكري كان أكثر سهولةً بالنسبة إلى بوش ومكاين مقارنة باوباما. وعلى المسار السوري، قال إن الخلاف يمكن وصفه بجوهري بين بوش واوباما لان إدارة بوش لم تكن متحمسة إزاء المفاوضات بين إسرائيل وسوريا، أما اوباما فقد صرح بوضوح بأنه يؤيد التفاوض على المسار السوري لأنه عندما قررت إسرائيل أن التفاوض مع دمشق مصلحة إسرائيلية فلا يمكن لواشنطن إلا أن تقبل ذلك وتبذل كل ما في وسعها من جهود لتحريك هذا المسار، لذلك أتوقع أن يؤيد اوباما المفاوضات الصهيونية - السورية ولكن ليس من الواضح هل تتدخل واشنطن في عهده في المفاوضات بالقدر أو بالشكل الذي يريده الأسد وهل سيضع شروطاً للأسد قبل رعاية واشنطن للمفاوضات. وفيما يتعلق بالمسار الفلسطيني، فاوباما يؤيد بطبيعة الحال مسار انابوليس وحل الدولتين للشعبين، كما يعارض اوباما فكرة الحوار مع حركة حماس قبل تبني الحركة للشروط الثلاثة التي وضعها المجتمع الدولي،واوباما مثل بوش يقول انه سيفعل كل ما في وسعه لإيجاد الحل للقضية الفلسطينية، وقال أنه لا يجد في هذا السياق خلافاً بين الاثنين،أما الخلاف فقد يظهر مستقبلا بين اوباما وحكومة "إسرائيل" المستقبلية، ويتمثل بتبني اوباما مواقف يمكن وصفها بأكثر توازناً حول الصراع "الإسرائيلي"-الفلسطيني مقارنة ليس ببوش وحده،بل مقارنة بغالبية الساحة السياسية الأميركية أيضا. وأشار الخبير الصهيوني ، إلي أن أوباما سبق وأن أدلى بتصريحات دعا خلالها "إسرائيل" لوقف الاستيطان وإخلاء المستوطنات ومنح تسهيلات للفلسطينيين،في الوقت الذي فيه مطلقاً عما يجب على الفلسطينيين أن يفعلوه مثل "مكافحة الإرهاب" أو القيام بإصلاحات في حكمهم أو في ديمقراطيتهم الداخلية. كما انه انتقد خلال المعركة الانتخابية السياج الأمني الصهيوني ، وقال أن اوباما محاط بمجموعة من المستشارين،الذين ينتمي بعضهم إلى الجناح الأكثر يسارياً وليبرالياً في الحزب الديمقراطي الأميركي ولا يعتقد احد أنهم من مؤيدي "إسرائيل"، لذلك أتوقع فيما يتعلق بملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ظهور خلافات بين إدارة اوباما وحكومة إسرائيل المستقبلية. وبحسب الخبير الصهيوني فإن عدد من مستشاري اوباما يعتقدون بأنه من الأهمية بمكان معالجة الصراع الصهيوني - الفلسطيني الذي وصفه اوباما ب "الجرح المفتوح" في السياسة الخارجية الأميركية الذي يمس بسياستها الشرق أوسطية حيال العالم العربي كما يعيق عملية تجنيد الدعم لمواجهة إيران. كما أنه وفي حالة عدم إبداء إدارة أوباما أي قد من الاهتمام بالقضية الفلسطينية، فأنه سيواجه بتحركات المجتمع الدولي الذي يولي ذلك أهمية قصوى، خاصة الأوروبيين الذين وضعوا خارطة طريق أوروبية للتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة وتنص على دعوة الإدارة الأميركية إلى تحريك مسار التفاوض "الإسرائيلي" - الفلسطيني، ويرى الخبير "الإسرائيلي" أنه من الممكن أن يندلع سيناريو متفجر في المنطقة، الأمر الذي من شأنه أن يلزم إدارة اوباما بالتدخل لمعالجة الأوضاع في الشرق الأوسط،وتنبأ بأن يكون موعد الانفجار في التاسع من شهر يناير القادم على الساحة الفلسطينية عندما ستعلن حركة حماس أن ولاية أبو مازن الرئاسية قد انتهت. وأنهي حديثه بالقول"أن الحكومة "الإسرائيلية" لن تتشكل قبل منتصف أبريل القادم، وهو الأمر الذي يمنح إدارة اوباما المزيد من الوقت الذي تحتاج إليه بعد دخول الرئيس المنتخب البيت الأبيض في 20 يناير المقبل،ليتولى المسئولون الأميركيون الجدد مناصبهم الجديدة ولاستكمال بلورة السياسة الخارجية الأميركية للمرحلة القادمة. الثابت أخيراً أن هناك إصرار صهيوني على نقل تركة الدعاية المضادة التي كانت تقوم بها في عهد بوش إلي عهد الرئيس المنتخب باراك أوباما ،وإذا نجحت في ذلك فأن السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط ستظل كما عاهدنها دون تغير ولن يطرأ عليها أي تغيير ،وهو الأمر الذي يأمله الكيان وتسعي من أجله بكل ما أوتيت من قوة.