ذات يوم وأنا على متن (حافلة) والبرد يتسلل خلسة من النافذة وإذا بأحد الركاب الذي كان يجلس إلى حوار سائق الباض يتلفظ بكلمات نابية على أصحاب تعز.. استمر الراكب (المحترم) في بذاءته. لم أتمالك نفسي.. قلت له عيب يصدر منك مثل هذا الكلام.. أنت شاب يبدو عليك متعلم فزاد في حدته وكلمات الشتم ضد أبناء تعز بأنهم وأنهم.. قلت ليس كل من ينتمي لتعز سواسية.. في كل بيت حمام.. هناك الصالح والطالح.. ولم يعقل الراكب المعتوه.. فتدخل الركاب وردوا عليه بأن ما يقوله عيب ولا يليق لأن أبناء تعز غالبيتهم مثقفين, متعلمين.. حين نزلنا أنا وهو من على متن الباص قال لي: ما دخلك أنت أنا أتحدث عن أبناء تعز معتبراً أني لست من المحافظة الحالمة.. فرديت كيف أنا من أبناء هذه المحافظة التي تنعت أبنائها بأقذع الألفاظ.. موقف سيء جعلني أكتب موضوعي هذا.. وقبل ذلك أضع امسي ومصدري فخر انتمائي للمحافظة باسم عبدالحفيظ شائع العريقي.. مواليد 1965 وادي المرام الأعروق لكني عشت وترعرعت في العاصمة صنعاء منذ سنواتي الأولى.. وهذا يعكس مزيج التوحد بين أبناء المحافظات الذي يجب أن نترفع جميعنا عن كل البذاءات ضد بعضنا بعضا كيمنيين ننتمي للجسد الأم اليمن.. أعود لموضوعي.. كلمات الراكب جعلتني استرجع شريط مأساة محافظتي العزيزة.. منذ قيام الثورة وتعز تدفع الثمن باهظاً سواء بحالتها ووضعها أو بأبنائها الأوفياء.. لقد أنجبت قامات وهامات في شتى المجالات وتصدر رجالها الشخصية التجارية والقيمة الكبيرة على مستوى الوطن.. المرحوم هائل سعيد أنعم..رجل البر والتقوى الذي وصل خيره إلى معظم مساكن الوطن.. وهناك شخصيات تطال أعناقها عنان السماء.. عبد الرقيب عبدالوهاب رحمه الله الذي كان أحد أهم مفاتيح حصار السبعين.. وعبدالغني مطهر رحمه الله والشيخ محمد عبده عثمان عبدالفتاح إسماعيل الشاعر الكبير عبدالله عبدالوهاب شخصيات وقامات عديدة أنجبتها المحافظة وبعضها هاجر بحثاً عن العلم أو لقمة العيش أو التجارة.. تعددت الأوجه وقدمت تعز نماذج عديدة أصبح بعضها منارات.. كلهم يحملون صفات الطيبة والتسامح التي تعكس فطرة الوعي التي جبلوا عليها.. السلاح آخر ما يشغل بالهم.. والقلم هو سيفهم البتار ورغم كل ذلك لا تزال تعز (حالمة) بالكثير من الأشياء الهامة.. معظم مديرياتها وعز لها تعاني في جميع ما يتعلق بالبنية التحتية والخدمات العامة.. ويبقى الماء هو هاجسها المؤرق.. عطشها تعدى حواجز القهر والألم.. ولولا بعض المشاريع التي قامت بها بيت هائل لكان الوضع أكثر سوءاً.. وأذكر منها مشاريع عشتها عن قرب عندما أنشأت بيت هائل مدرسة ومعهد في (الخطوة) قريتي وكذلك شق الطريق الوعر جبل (الزربي) غير أن معظم القرى لا تزال تعتمد على مياه الأمطار في الشرب وكذا (الحمير) كوسيلة مواصلات منا لا توجد مستشفيات ومن لا يصدق عليه بزيارة هذه القرى وسيعرف أنها تعيش في العصر الحجري.. مع الأسف لا يزال أبناء هذه المحافظة يحلمون بأشياء كثيرة هامة أهمها الأمن والأمان ويمنون النفس بأن تقوم الدولة بواجبها الذي أغفلته طيلة العقود الماضية.. وزاد من الثمن الذي دفعته مواقفها الثورية النضالية في الأعوام الثلاثة الماضية.. قوبلت ثورتها السلمية في إسقاط نظام فاسد سلمياً.. بنشر الفوضى وإنزال مسلحين ليعيثوا فيها فساداً وعبثاً وينشروا الفتنة المذهبية التي لا تمت للمحافظة وأبنائها بأي صلة لأنها ليست ثقافتهم أصلاً.. فهذه المحافظة لا تعرف المشيخة ولا المسلحين الذين يعزفون على وتر الهمجية.. وإذا ما تحدثنا على الجانب الرياضي الذي هو صميم حديثنا.. فلم نرى أي جديد لهذه المحافظة.. بنية تحتية صفر.. ستاد المطار القديم متعثر منذ عشر سنوات.. ستاد الجند في تعثر دائم.. لا توجد ملاعب معشبة وصالات رياضية ممنوحة من الحكومة.. طليعة تعز محلاته القليلة وأرضيته تحت السطو.. أهلي تعز لم يبني له منشآت توازي تاريخه وعراقته.. ليس هناك سوى الصقر الماضي نحو النموذجية بجهود ذاتية لرئيس مجلس الإدارة شوقي أحمد هائل وأعضاء مجلس إدارته.. عشرات السنين ونحن لا نشاهد غير ملعب الشهداء.. الذي يعاد تعشيبه من قبل شوقي هائل أيضاً.. ملعب الطائرة والسلة المجاور لملعب الشهداء لم يتم تجديده.. والسؤال أين هو دور الحكومة؟ والوزارة وصندوق النشء تجاه هذه المحافظة الحالمة منذ عقود هذه المحافظة التي قدمت نجوم وأجيال كبيرة.. الصقر أحمد ناصر علي هزاع منيف عبدالجليل توفيق عبدالجليل عبدالله عبده سعيد أولاد الشميري نبيل مكرم بلابل محمد درهم سمير ملاطف عبدالواحد وخالد عتيق. وأهلي تعز عبدالعزيز القاضي عبدالملك ثابت خالد الخولاني نجيب الشرعبي جميل حبيش نبيل حمود فارس عثمان محمد ناجي ناصر غالب المجيدي يحيى فارع. والطليعة مطار السقاف عبدالمجيد الشاوش عبدالله الأسد (بيليه) علي القربة محمد بخيت أرسلان النهاري بدر النهمي عبدالمجيد. وكان نادي الصحة منجم النجوم.. أندية عملاقة قدمت مستويات كبيرة.. وحققت بطولات في القدم والسلة والطائرة والطاولة.. ألا تستحق هذه المحافظة الحالمة بفضل ما أنجبت وقدمت ولا تزال تقدم من شخصيات محترمة تصحو من حلمها الطويل على واقع معمد بالاهتمام والحرص.