إذا فاز المنتخب الإسباني لكرة القدم بلقب كأس العالم 2014 بالبرازيل، فلن يكون هناك أحد في التاريخ وصل لهذا المستوى غير هذا الفريق لأنه سيكون الوحيد الذي توج بلقبين متتاليين في كأس العالم ومعهما لقبان متتاليان في بطولة كأس الأمم الأوروبية ليجمع أربعة ألقاب متتالية في البطولتين الكبيرتين. والسؤال الآن هو: هل هذا الفريق الذي يدربه فيسنتي دل بوسكي يبدو في وضعية تؤهله لتحقيق هذا الإنجاز؟ وهل هذه هي الفرصة الأخيرة لهذا الجيل الإسباني الذي لن يتكرر أم أن هذا الجيل لم تعد لديه هذه الفرصة؟ ولمرات قليلة للغاية في التاريخ الرياضي ظهر هذا التطور الهائل في المستوى مثلما حدث من تطور في مستوى المنتخب الإسباني لكرة القدم الذي نجح على مدار ست سنوات فقط في تغيير صورته التقليدية كفريق اعتاد الخسارة إلى فريق عنيد في سعيه للنجاح، وبدأت القصة كلها في 2008 تحت قيادة المدرب الراحل لويس أراجونيس عندما قاد الفريق للفوز بلقب كأس الأمم الأوروبية (يورو 2008) ليكون اللقب الأول للفريق في البطولات الكبيرة منذ فوزه بلقب يورو 1964 وبعدها بعامين فقط توج الفريق بلقبه العالمي الأول من خلال كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا وذلك تحت قيادة دل بوسكي الذي تولى تدريب الفريق خلفا لأراجونيس بعد الفوز باللقب الأوروبي وفي 2012 قاد دل بوسكي الفريق للدفاع عن لقبه الأوروبي وأحرز لقب يورو 2012 بجدارة. ويأمل المنتخب الأسباني حاليا في استكمال دورة نجاحه من خلال الفوز باللقب العالمي الثاني على التوالي وما زال في صفوف الفريق حاليا 12 لاعبا من بين أعضاء الفريق الفائز بلقب يورو 2008 كما يمثل هؤلاء اللاعبون حتى الآن عصب وقلب الفريق بما يمتلكونه من مهارات وإمكانيات رائعة ومنهم على سبيل المثال حارس المرمى إيكر كاسياس وسيرخيو راموس وتشابي ألونسو وأندريس إنييستا وديفيد سيلفا وسيسك فابريجاس وتشافي هيرنانديز وفي المقابل دفع الزمن ببعض اللاعبين خارج الفريق حيث ابتعد البعض لكبر سنه مثل كارلوس بويول مدافع برشلونة الأسباني أو للإصابات مثل ديفيد فيا مهاجم أتلتيكو مدريد كما فقد بعض اللاعبين أهميتهم وبريقهم مع الفريق على مدار السنوات القليلة الماضية مثل فيرناندو توريس مهاجم تشيلسي الإنجليزي ورغم هذا نفذ دل بوسكي عملية "تجديد هادئة" داخل الفريق وهي عملية اتسمت بالتعقل الذي يعكس شخصية وطبيعة دل بوسكي حيث جدد دماء الفريق بلاعبين جدد ومن خلال طريقة غير ملحوظة وساهم في تنفيذ هذه العملية دون ضجيج استمرار العمود الفقري للفريق ثابتا ودون هزة نظرا لوجود مجموعة متميزة من اللاعبين بشكل مستقر في الفريق حتى وإن بدا الإجهاد على الفريق أحيانا ودفع دل بوسكي بلاعبين مثل سيرخيو بوسكيتس وجيرارد بيكيه وخوردي ألبا وخيسوس نافاس وآخرين ضمن صفوف الفريق ولكن كل هؤلاء اللاعبين اتسموا بالإخلاص لنفس الفكرة: وهي أداء الواجبات الهجومية والدفاعية والكرة تحت سيطرة أقدامهم، ورغم هذا ثارت بعض الشكوك وكان هذا أمرا طبيعيا مع مرور الوقت وأصبح السؤال الذي يراود الجميع هو: هل ينجح هذا الجيل في الفوز بلقب كأس العالم مجددا؟ وكشف الأرجنتيني خورخي سامباولي المدير الفني للمنتخب التشيلي عن شكوكه قائلا :"المنتخب الإسباني ليس كما كان عليه في كأس العالم الماضية، اللاعبون أصبحوا أكبر سنا، أرى المنتخب الإسباني الآن أكثر برجوازية، لا يملكون وقتا كافيا لتعديل الأوضاع بالنظر لاقتراب المونديال، وبالتأكيد إذا عدل الفريق الأوضاع، فلديه العناصر التي يعتمد عليها، لكنني أرى المنتخب الإسباني في لحظة تسمح له بتعديل الأوضاع لأنهم سيدفعون الثمن باهظا إذا لم يفعلوا". كما صرح البرتغالي فيرناندو سانتوس المدير الفني للمنتخب اليوناني بشيء مشابه وقال: بعض لاعبي المنتخب الإسباني بدأ مستواهم في اتخاذ منحنى، هذا أمر طبيعي بعد ست سنوات على القمة، لن أقول إن إنييستا وتشافي اللذين يحظيان بأهمية بالغة في هذا الفريق يلعبان بشكل سيئ، ولكن مستواهما تراجع قليلا، وهذا من الممكن أن يصنع الفارق". وفي المقابل، ما زال الألماني أوتمار هيتزفيلد المدير الفني للمنتخب السويسري يرى فرصا جيدة للمنتخب الأسباني في المونديال البرازيلي، وقال هيتزفيلد: إسبانيا يمكنها الفوز باللقب مجددا رغم أن الفريق لم يلعب بشكل جيد للغاية في كأس القارات كان هذا أيضا لأنه كان مجهدا، ورغم هذا كانت لديه القدرة على العبور للمربع الذهبي". وبالنسبة للعديد من أعضاء الجيل الذهبي للمنتخب الإسباني، سيكون المونديال البرازيلي الفرصة الأخيرة لإحراز لقب بطولة كبيرة ومن بين هؤلاء اللاعبين يبرز على سبيل المثال صانع اللعب تشافي هيرنانديز الذي قال: لن أشارك بالتأكيد في كأس العالم التالية (مونديال 2018 بروسيا) .. نتطلع بالفعل للمشاركة في المونديال البرازيلي، نأمل في أن نقدم أداء جيدا"، وينتظر أن يشارك المنتخب الأسباني في المونديال البرازيلي بمعظم العناصر التي فازت بلقب يورو 2012 ولكن سن هؤلاء اللاعبين أصبح أكبر بعامين ولا يبدو هذا أمرا ثانويا بالنسبة لفريق يتسم بكبر سن لاعبيه مثل حارس المرمى إيكر كاسياس الذي سيكون في الثالثة والثلاثين من عمره خلال المونديال البرازيلي وتشافي هيرنانديز /34 عاما/ وتشابي ألونسو /32 عاما/، ومن الصعب التنبؤ بالحالة البدنية التي سيكون عليها بعض اللاعبين البارزين في المنتخب الإسباني خلال المونديال البرازيلي وما إذا كان دل بوسكي قادرا على الاستعانة باللاعبين كبار السن المهمين في أداء الفريق لفترات قصيرة في المباريات ومن الصعب اعتبار كأس القارات 2013 مقياسا لتحديد أي شيء يتعلق بالمنتخب الإسباني في المونديال البرازيلي لأن الإجهاد كان واضحا على الفريق في المونديال البرازيلي ولكنه وصل المباراة النهائية قبل أن يخسر من المنتخب البرازيلي صفر/3. أما الشيء الوحيد الذي لا يرجح أن يفقده المنتخب الأسباني حاليا فهو روح التنافس الذي ساعد الفريق على الظهور والتفوق في أصعب اللحظات، هذا إلى جانب الجهود التي قدمها اللاعبون المخضرمون أصحاب المواهب الرائعة، هو ما يحتفظ به هذا الجيل الذي يأمل لاعبوه أن يظهروا كالساحر المرتعد الذي يقف أمام الرقم الأخير ثم يظهر حيلة أخيرة مدهشة وهو ما يعني أن الفريق لديه الرغبة الأكيدة في استكمال دورة النجاح وإحراز اللقب الرابع على التوالي في البطولات الكبيرة. عنوان الصورة كان هدف نجم كرة القدم الإسباني أندريس إنييستا في نهائي كأس العالم 2010 التسديدة التي أنهت عقودا من الغضب والضيق لدى المشجعين الإسبان وكان هذا هو الهدف الذي منح إسبانيا أول لقب لها في بطولات كأس العالم بعدما كان أفضل إنجاز سابق للفريق هو عبور دور الثمانية مرة واحدة فقط في مونديال 1950 بالبرازيل.