بساق مبتورة وأخرى تتآكل نتيجة الإهمال الطبي، يمشي الشاب العشريني "محمد أحمد" في شوارع مدينة تعز متكئاً على عصاه، فاقداً الأمل بمستقبل يجد اليوم أنه أضاعه مع ساقيه وهو يقاتل من أجل بلده الذي أراده أن يكون حراً. "محمد" الذي بترت إحدى ساقيه إثر إصابته في إحدى جبهات القتال بمحافظة تعز، وسط اليمن، فيما أصيبت الأخرى بشظايا تسببت بجروح عميقة فيها، يقف اليوم عاجزاً عن إكمال العلاج، فقد دفعت أسرته كل ما تملك لعلاجه، دون جدوى. "محمد" واحد من عشرات آلاف فقدوا أطرافهم في محافظة تعز والتي حصدت النسبة الكبيرة من الإعاقات التي خلفتها الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين، في مدينة باتت مشكلة معاقو الحرب مؤرقة كما تستشفها من حديث الصحفية/ وئام عبد الملك بقولها: "ما إن تدخل المستشفيات في تعز، يلفت نظرك عد الشباب الذين فقدوا ساقا أو ذراعا بسبب الألغام أو القذائف".. في تعز تتعاظم المأساة مع زيادة استهداف مليشيا الحوثي والمخلوع صالح للمدنيين بالقذائف والألغام.. "ما كل هذا الحقد على هذه المدينة الجميلة؟": تتساءل وئام وتضيف: "القذائف التي يمطرون بها الأحياء من وقت لآخر، تكفي لأن تبث الرعب في قلوب الصغار وتلحق بهم الأذى، وفوق ذلك يعاقبون الأبرياء بزراعة الأرض بالألغام، فيذهب العشرات ضحايا لها".. مأساة مستمرة يظل لتعز نسبة كبيرة من الإعاقات التي خلفتها الحرب الدائرة في المدينة، بما ينبئ بقادم مخيف.. وتظل المأساة مستمرة مع زيادة استهداف المدنيين من قبل المليشيات الإنقلابية التي تقصف الأحياء والمنازل السكنية بشكل عشوائي، ومن لم يمت بالقذائف كان له نصيب من الإعاقة. فالقذائف الموجهة لم تكن وحدها الفاعل الحقيقي، بل تبقى مشكلة الألغام هي المشكلة الحقيقية التي باتت تؤرق الكثيرين من أبناء مدينة تعز، وهو ما يعني استمرارها لما بعد الحرب. حيث عمدت المليشيات الانقلابية على زرع الألغام الفردية في كثير من المناطق التي تقع تحت سيطرتها وبمجرد انسحابها منها أو تحريرها يجد المدنيون مشكلة كبيرة في العودة إلى مناطقهم التي هجروها أو هجروا منها. وكشفت الحرب الحوثية على المدينة أهمية إعادة تشغيل مركز الأطراف الصناعية في هيئة مستشفى الثورة، مع بروز ظاهرة الإعاقة لأسباب ناجمة عن الحرب. ومنذ اندلاع الحرب في مارس العام 2015م، زاد الطلب على الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية بشكل كبير جدا. توقف المركز عن العمل مع بداية الحرب التي شنها الإنقلابيون على المدينة وإن كان قبلها يعمل إلا أن عمله لم يكن بالمستوى المأمول بسبب إهمال الجانب الحكومي للمركز رغم أهميته. وهو ما أستدعى قيام مبادرة "لن نقهر" المخصصة لإعادة تشغيل المركز بعد حملة إعلامية لجمع تبرعات تساعدهم في تشغيله بعد أن دمرت القذائف التي أطلقتها مليشيات "صالح- الحوثي" أجزاء كبيرة منه. وكان عدد من الناشطين والناشطات في مدينة تعز قد تبنوا مبادرة "لن نقهر" لدعم إعادة تشغيل مركز الأطراف الصناعية في مستشفى الثورة لمساعدة ذوي الإعاقات. حيث أطلقت المبادرة حملة عبر مختلف الوسائل الإعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي وحظيت بإسناد مجتمعي، رغم أنه لم يصل للمستوى المأمول بسبب الظروف الاقتصادية بالإضافة إلى الحصار المفروض على المدينة منذ ما يزيد عن العامين من قبل المليشيات الإنقلابية. حالات استقبلها المركز وفي إحصائية بلغ عدد الحالات المستفيدة من خدمات المركز منذ إعادة تشغيله وحتى نوفمبر من العام الماضي 2000 حالة. حيث بلغ عدد المستفيدين من خدمات الورشة الخاصة بقسم الأطراف الصناعية بإجمالي 948 حالة، توزعت على أطراف صناعية فوق الركبة بعدد 35 لجرحى الجبهات و13 حالة أخرى، وأطراف صناعية تحت الركبة بعدد 28 لجرحى الجبهات و2 حالات من غير الجبهات. فيما كانت عدد الحالات التي استفادت من الأجهزة الساندة من الجبهات 13 حالة و20 حالة لمواطنين آخرين. وبلغ عدد الحشوات المتنوعة 36 حالة للمواطنين، وكانت عدد الجبائر بأنواعها 125 حالة للجبهات و90 حالة أخرى للمواطنين، دينيس براون 20 حالة للجبهات و15 حالة للمواطنين. أما السمو (smo) فقد بلغ المستفيدين منها 88 مصاب في الجبهات و24 حالة من المواطنين، في حين بلغ عدد الحالات المستفيدة من العكاكيز 190 حالة للجبهات و23 حالة للمواطنين، وتم توزيع 16 حالة قدم للمواطنين وترميم 210 حالة. أما قسم العلاج الطبيعي فقد لغت عدد الجلسات 6300 جلسة علاج طبيعي لعدد 4000 رجل بنسبة 64% و820 امرأة بنسبة 13% و1480 طفل بنسبة 23 %. إمكانيات المركز ويتألف المركز من جزئيين أساسيين جزء مختص بالأطراف الصناعية وجزء لإعادة التأهيل الطبيعي، ويشمل القسم الأول من المركز قسم الأطراف الصناعية والذي يحتوي على المعدات اللازمة للقياس والقولبة وصنع الطرف وتركيبه. أيضاً يوفر لصاحب الطرف التدريبات اللازمة للحركة وإعادة مزاولة حياتهم بشكل طبيعي جداً وبدون أي مشاكل، كما يقوم القسم أيضاً بعمل جبائر داعمة لمساعدة الأشخاص الذين لديهم قصور في عمل العضلات. أما القسم الآخر من المركز وهو قسم إعادة التأهيل الطبيعي للمرضى لذوي الإعاقات الجسدية طبيعياً أو بسبب حادث أدى إلى أعاقته، ولمرضى الضمور وغيرهم، ويقوم بعمل جلسات علاج طبيعي تمكنهم من تحريك أطرافهم بعد أن فقدوا الأمل نهائياً بذلك. لكن تظل مسألة الأطراف التي يقوم المركز بتصنيعها أو يقدمها للمريض ذات إمكانيات بدائية ولم تعد ذات استخدام في العديد من الدول. وهي مشكلة يواجهها المركز حيث تسمى الأطراف التي يقدمها المركز ما يعرف بأطراف الدول النامية في حين صارت الأطراف الحديثة (هيدروليك أو ذاتية الحركة). نداء استغاثة وكان عدد من الأفراد من داخل وخارج الوطن قد ساهموا في دعم تلك المبادرة التي بدأت بترميم المركز وافتتاحه في العاشر من مايو / أيار منتصف العام الماضي.. لكن المركز لم يصمد كثيراً وسرعان ما بدأ يعاني مرة أخرى بعد توقف الداعمين من تراجع خدماته المقدمة للمرضى بسبب ضعف الإمكانات، وهو ما دفع إدارته إلى توجيه لتوجيه نداء بتبني ودعم المركز. وكان رئيس قسم الأطراف الصناعية بمستشفى الثورة بتعز، في مارس/ آذار من العام الجاري وجه نداءاً للمنظمات الدولية والمحلية بتبني ودعم المركز، بعد إغلاقه جزئياً. وقال رئيس القسم حينها أن المركز كان يفتح أبوابه للمرضى، ولكن بخدمات جزئية، متوقعاً انعدامها خلال في الفترة المقبلة. وأوضح الأسباب بعدم وجود الدعم لمواصلة العمل بعد انتهاء العقد مع عصام البتراء، وهو أحد رؤساء مبادرة "لن نقهر"، الذي دعم المركز لثلاثة أشهر، وقبلها الذي أعاد ترميم المركز جراء الحرب ودعمه لسبعه أشهر. ووجه رئيس القسم نداء للمنظمات الدولية والمحلية بتبني ودعم المركز، موضحا أن المواد المحلية متوفرة لدى المركز وكذلك المواد خارجية المنشأ والمتوفرة من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وجل ما يحتاجه المركز هو حافز للموظفين من اجل استمرار العمل في المركز. بادرة بحاجة لجهود ورغم الإمكانيات البسيطة التي يقوم عليها المركز، إلا أنه مثل بادرة أمل طيبة في محافظة تشكو ويلات الحرب والحصار. لكنه ما زال بحاجة ماسة إلى حملة دعم ومساندة شعبية وحكومية وأيضا بحاجة إلى دعم المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال وهو ما يستدعي تضافر الجهود للوصول إلى ذلك. ويلتمس عصام البتراء، حاجة المرضى لأطراف حديثة وخصوصاً الأطفال الذين من الصعب عليهم أن يركضوا ويمارسوا حياتهم كبقية الأطفال الطبيعيين بهذه الأطراف التي تعادل ضعف وزن أجسادهم. يقول البتراء: "نحن لا نطالب بتسفير مبتوري الأطراف إلى خارج البلد لتقام لهم العملية ويصنع لهم الطرف ثم يعودوا دون إجراء بقية الخطوات اللازمة، فالمريض بحاجة للقيام بالتمارين اللازمة لتسهيل عملية التعامل مع الطرف كما يحتاج لصيانة الطرف كل 6 أشهر، ويعتبر من غير الممكن سفر المريض كل 6 أشهر لخارج البلد للقيام بذلك، خصوصاً للأعداد المتزايدة يومياً بسبب الحرب". يوضح عصام بأن المركز معد تماماً لمرحلة ما بعد الطرف الصناعي وكل ما يحتاجه المركز هو الدعم بأطراف صناعية حديثة من النوع الألماني (هيدروليك) من قبل منظمات دولية أو محلية. ويطالب البتراء وأطباء المركز بإعادة صرف الميزانية التشغيلية للمركز، كحق لضمان بقاء المركز مفتوحاً لإعادة رسم البسمة على مبتوري الأطراف وعلى فاقدي الحركة مجدداً. أعراس رغم الجراح في مشروع يعد الأول من نوعه، للتأكيد على استمرار الحياة لمن بترت أطرافهم في الحرب، احتفلت مدينة تعز وسط اليمن، في الرابع من فبراير العام الجاري، بزفاف 40 من جرحى الحرب مبتوري الأطراف، أصيبوا في معارك خاضوها ضد مسلحي الحوثي وقوات المخلوع صالح. وشارك المئات في الحفل الجماهيري الذي نُظم بشارع جمال، أبرز شوارع مدينة تعز، معبرين عن فرحتهم بزفاف هؤلاء الجرحى رغم استمرار الحرب في المدينة. كذلك، أقيم حفل آخر لزفاف هؤلاء الجرحى في إحدى صالات جامعة تعز الحكومية. وقال بيان للجمعيات الراعية للعرس الجماعي إن هذا المشروع يعد الأول من نوعه في اليمن كونه يستهدف شريحة الجرحى. وأفاد البيان أن المشروع يهدف إلى دعم الجريح نفسياً واجتماعياً وتعزيز وتقدير هذه الشريحة، وتشجيعهم على الاستمرار في البناء والمشاركة في تنمية المجتمع ورفع الروح المعنوية لديهم بما يمكنهم من العيش الكريم في الحياة. وجاء هذا الحفل تحت شعار "مودةٌ ورحمة"، بتنظيم من مؤسسة معاذ التنموية (غير حكومية) وبالتنسيق مع مؤسسة رعاية التنموية (غير حكومية)، وبرعاية من محافظ تعز، علي المعمري. وأوضح وكيل محافظة تعز نبيل جامل في تصريحات صحفية، أن العرس الجماعي أقيم على نفقة فاعلي الخير، تعبيرا عن الامتنان لتضحيات هؤلاء المعوقين، والتأكيد على أن نساء ورجال تعز لن يتخلوا عنهم، بل إن جميع الشابات يحلمن بالزواج منهم وفاء لهم على ما قدموه. مبادرات ضئيلة للحرب الدائرة اليوم في اليمن الدور الأكبر في رفع أعداد المعاقين فهناك الآلاف من الأشخاص الذين تعرضوا للإعاقة، فمنهم ممن بترت أطرافهم وآخرين فقدوا قدرتهم على الحركة والبعض فقد حاسة السمع وآخرون البصر وفي تعز يتعرض المئات للإعاقة جراء الاقتتال اليومي، بحسب تصريحات صحفية لرئيس الإتحاد الوطني لجمعيات المعاقين عثمان محمد الصلوي. وفي الوقت الذي تظل جهود المنظمات الدولية والمحلية الساعية إلى مساعدة المعاقين في اليمن محدودة ومتواضعة لأسباب تتعلق بأوضاع الحرب وعدم القدرة على التحرك في مناطق الاقتتال، إلا أن بعض المنظمات الدولية تبذل جهود جيدة رغم الظروف في هذا المضمار. في المقابل وبجهود ذاتيه يسعى شباب متطوعون إلى تسليط الضوء على معاناة المعاقين ويبذلون جهود وإن كانت متواضعة في جمع التبرعات من رجال الخير لمساعدة أي من الأشخاص المعاقين، كما تفعل الشابة المتطوعة حياة الذبحاني التي تقوم بجمع التبرعات للأسر الفقيرة وجرحى الحرب والمعاقين في تعز. تقول الذبحاني أنها وبمبادرات ذاتية ومن خلال تواصلها مع رجال الخير واستخدام النشر الإعلامي في مواقع التواصل الاجتماعي لضحايا الحرب، وخصوصاً ممن تعرضوا للإعاقة تمكنت من جمع التبرعات لعشرات الحالات. إحصاءات في تقرير لها نهاية العام الماضي عن معاقين الحرب في اليمن، قالت منظمة الصليب الأحمر الدولية أن الآلاف فقدوا أطرافهم منذ بدء النزاع في عام 2015 وحتى مايو/ أيار 2016. حيث تفيد التقارير في واقع الأمر أن عدد الأشخاص المصابين بإعاقة قد بلغ 6,000 شخص، أغلبهم بسبب انفجار أو لغم أو طلقة نارية. وتؤكد التقارير أن أعداد هؤلاء في تزايد مستمر، رغم عدم وجود إحصاءات رسمية لهم قبل وبعد نشوب الحرب القائمة منذ أكثر من سنتين. ونشر موقع “دويتشه فيله ” الألماني تقرير نهاية العام الماضي عن حرب اليمن ومعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة، قال فيه إن أعداد هؤلاء تضاهي عدد سكان دول خليجية. وفقاً لإحصاءات الاتحاد الوطني لجمعيات المعاقين، ذكر التقرير أن الحرب الدائرة في اليمن خلفت نحو 92 ألف معاق. مشيراً إلى أن الحروب والصراعات التي شهدها هذا البلد في السنوات الماضية تسببت في ارتفاع أعداد المعاقين، استنادا إلى ما وصفها بتقديرات متواضعة، إلى ما يزيد عن 3 ملايين و700 ألف معاق عن الحركة.