الفرق بين المتدين وبين الإسلامي لا يتعلق بدرجة التدين، بل هو فرق نوعي كامن في وظيفة التدين، الدين لدى المتدين لا يقوم إلا بوظيفة راحة الضمير على المستوى الفردي، أما الإسلامي فوظيفة التدين عنده أبعد من حدود شخصه، إنها وظيفة حضارية بامتياز، مضمون تدين الإسلامي ليس فقط إراحة ضميره كشخص، ولكنه استدعاء للتراث الإسلامي بوصفه مصدر للطاقة النفسية والمدد الفكري اللازمين لمواجهة خطر الحضارة الغربية، حتى مسألة تطبيق الشريعة عند الإسلامي رغم أنها اعتمدت في منطقيتها على أفضلية شرع الله على شرع البشر، إلا أنها اتكأت، في أحد المستويات النفسية، على أن شريعة حضارتنا أفضل من قانون الفرنسيين مثلا.. صحيح أن المتدين لا يرضى عن الانحرافات الدينية للمجتمع بكل صورها، إلا أنه لا يتحفظ على المجتمع ككل ولا ينكر انحرافاته إلا بوصفها أمرا مألوفا، هي وإنكاره لها على حد سواء، وكأنه يحدث نفسه: «هكذا تسير الأمور.. وهكذا يجب أن تسير.. مجتمع منحرف وبعض أفراده ساخطين من تلك الانحرافات، وأنا منهم»، إن رضاه عن انحراف مجتمعه كامن في طيات سخطه المزيف، وهي تلك المسرحية التي قرر الإسلامي الحقيقي عدم الانخراط فيها، واستبدلها بتهديد حقيقي لثوابت المجتمع لصالح مثل أعلى مفارق له وللمجتمع. تحفز المجتمع إذا ضد الإسلاميين مفهوم من خلال هذا الموقف الإسلامي، مفهوم بكل مظاهره، فتراهم مرتابين في كل ما يفعل، متشككين في كل ما يقول، متربصين بكل يا ينوي، ولعلك تندهش حين تراهم مشمئزين جدا تجاه أي سلوك مشين قد يختلط بالظاهرة الإسلامية، وحاسمين جدا في ردهم لكل مظاهر الدين في تلك الظاهرة لأجل ما اختلط بها، لكنهم فيما بينهم، تراهم يقنعون حتى بحج�'ة راقصة أو صدقة عربيد دليلا على التقوى الكامنة وصفاء السريرة، إنه في الحقيقة عداؤهم للظاهرة الإسلامية وليس للسلوك المشين. الاسلامي إذا إنسان متميز، ومتفوق، وأفضل من الإنسان المتدين من الناحية الإنسانية، حتى لو حدث أن كان هذا (المتدين) هو أكثر منه تدينا. الإنسان المتدين يبقى أسير المجتمع حتى في تدينه، لا يستطيع أن يحلق خارجا عنه، بل يعمل دائما على تهذيب تدينه وتطبيعه وتطويعه للمجتمع بكل آفاته، وأهمها الآفة الأكثر عراقة فيه، وهي السلبية السياسية التي لا يتسامح أبدا في تجاوزها إلا بشكل صوري طبعا.