منفي وأنت مع الجريدة جالس لا لست وحدك نصف كأسك فارغ والشمس تملأ نصفها الثاني كم أنت حر أيها المنسي في المنفى فلا أحد يرى أثر الكمنجة فيك منفي وأنت مع الجريدة جالس في الركن منسيا فلا أحد يهين مزاجك الصافي كم أنت منسي وحر في خيالك بهذه الإطلالة الشعرية القاتمة وبهذا المدخل الشعري الهام الذي جسده درويش كأيقونة من أيقونات النسيان وترنيمة من ترنيمات الضياع الشعوري والوحدة النفسية والغربة الفكرية الذي يحس به الإنسان عندما يمارس عليه القهر والإذلال كطريقة غير شريفة للوصول إلى أهداف تتعلق بالحرية والكرامة الإنسانية لتبدو السجون سياحة في فضاءات المنافي القسرية التي يعاني منها كل من خرج ليلا وبحث بمصباحه عن العدالة والمساواة في أنظمة استبدادية بوليسية. في اليوم الذي يستنشق فيه اليمنيون نسيم الحرية تزكم أنوف شباب الثورة مرارة السجون كلحظة هامة وفاصلة في التاريخ اليمني ليستبدلوا ظلمة السجون بنور الحرية دونما بخس. وكأحد ضحايا الجرائم السياسية والانتهاكات الحقوقية يصحو وينام على صورة سجان مخيف كأنه ال"آندرتيكر" وهو يدخل حلبة المصارعة بعد أن أطفأت الأنوار وبدأ يمارس طقوسه المفزعة. فربما بعضهم قد اشتاق للسلتة والعصيد أو ربما اشتاق أحدهم لسماع فن متسق أصيل أو صوت شجي أو موسيقى ناعمة لا يقطعه صوت سجان كأنه صوت ماطور في غرفة مجاورة. على ضوء خافت وبين ممرات كئيبة وغرف قاسية وجدران بالية يتذكر عبدالكريم أهله وأبناءه كحلم جميل في ليلة مقمرة. وحين تطل برأسك في عمق السجون ترى أن كثيرا من مسجوني الجسد أحرار الفكر سيبتسم النور لهم في المستقبل القريب إلا أن عمق المعاناة وحرارة الألم ستظل محفورة في ذاكرة الجسد كخطأ لا يمكن أن يغفر. ومما يصيبك بالدوار سجان بليد يمتلئ بالمتاريس الروحية والفكرية وبينه وبين الحرية أبعد ما بين السماء والأرض ولا يعرف من قوانين الحياة وأنظمتها إلا أوقات الطعام والحمام. على هذه الأرواح أن تنطلق لتشارك في الحوار الوطني ليس من أجل أن يلبسوا ربطة العنق الأنيقة أو يجلسوا في طاولات الحوار الدائرية بل لأن هناك أفكارا هامة ما زالت تقبع خلف القضبان وستكتب لها الأقدار الخروج يوما ما. ترى هل سيتفاجؤون كثيرا حين يخرج شباب الثورة من دهاليزهم المغلقة ليروا بلدا كانوا يحلمون أن يكون كبلد ابن خلدون (صاحب المقدمة) فيما أرادت بعض القوى الإقليمية والدولية تحويله إلى بلد محمد عبدالوهاب حتى تتمكن من إعادة إنتاج كتب العقيدة الطحاوية وطباعة حكم اللحية والإسبال على أوراق ثمينة فاخرة!! لا بد أن يمضي الحوار على قاعدة التساوي بين جميع القوى الوطنية وعلى قدم واحدة من كل المسافات إذ لا يمكننا أبدا أن نتحاور مع نظام مازال يأسرنا ويعتقلنا وإلا كان الحوار أشبه بمسرحية تراجيديا تنتهي بالدموع. على شباب الثورة أن لا يخافوا من الحوار الوطني إذ لا يمكنهم تسويق المشاريع الشبابية التقدمية إلا في ظل خفوت أدوات القتل والموت وبزوغ أدوات التكنولوجيا الحديثة وبغض النظر عن القوى التقليدية التي تعتمد في نموها على أدوات الدمار والحرب فإن المشروع المدني النهضوي لا ينمو أو يزدهر إلا في واقع أكثر استقرارا وفي بلد أشد هدوءاً. * الأهالي نت