لقد قامت ثورة 26 سبتمبر للتخلص من مشروع أكثر من كونها قامت للتخلص من أشخاص، والثورات التي تبنى على القيم تكون أهدافها وأد المشاريع التي تتناقض مع القيم الدينية، وتعد ثورة 26 سبتمبر ثورة قيمية من الطراز الأول، ذلك أنها قامت للتخلص من الاستبداد بكل أشكاله، وخاصة منه الاستبداد باسم الدين والذي يحمل فرية الحق الإلهي. وقد انتصرت الثورة وخلصت الشعب من كابوس الإمامة وغيرت الكثير من المفاهيم لدى أبناء الشعب اليمني، إلا أنه ولاعتقاد البعض أن الحق الإلهي قد سلب منهم عنوة، فقد استمر عملهم على إعادة الإمامة حتى في أجواء الجمهورية، ولقد ساعدهم في الاستمرار تنسمهم لروائح كير الأفضلية السلالية مدعما ومطعما بفرية الحق الإلهي والتي تسنده تأويلات كاذبة وتخرصات باطلة على بعض الآيات والأحاديث النبوية. لقد اتخذت الأمة الإسلامية من القرآن والسنة منهاج حياة يضيء لها دروب الخلاص من كل ما يناقض القيم القرآنية والتي من أهمها العدل والمساواة والحرية، واتخذ البعض منهما -القران والسنة- بعض مغشوشي التدين وسيلة لترسيخ ترهات وأقاويل طالما حاربها القرآن وأخمدتها السنة. لقد استمر مشروع الإمامة يعمل في دهاليز كئيبة باغياً إعادة الظلام على الأمة والعودة بها إلى سالف معاصيها المتمثلة في الخنوع والتقديس للأشخاص وجرائم التقبيل والانحناء، ولقد وجدوا من يظاهرهم في مشروعهم الباطل من أصحاب المشاريع الباطلة والتي تجمعها قواسم مشتركة من الظلامية بكل أشكالها. واليوم وبعد اندلاع ثورة الشعب السلمية وانتصارها، لم يكن هناك من سبيل أمام دعاة الإمامة إلا محاولة الوقوف في وجه هذه الثورة والنيل منها بكافة الأساليب الفاشلة التي هي متاحة لهم، فما إن تحقق الثورة هدفا من أهدافها إلا وتسمع الصراخ عاليا من دعاة الإمامة في وجه من تحقق على أيديهم ذاك الهدف، إنه وبموازاة تحقق كل هدف ثوري يكون التململ والألم الإمامي، ويتم التعبير عن ذلك بصور متعددة، في ظاهرها الوطنية ومن وراءها الإمامية المقيتة. وليس أدل على ذلك من موقفهم حينما صدر القرار بضم ألوية الصواريخ من يد ابن المخلوع لتكن بيد الشعب، حينها أرعد أولئك وأزبدوا بدعوى أن الصواريخ تم تسليمها من أيدي الشعب إلى أيدي الأمريكان -والشعب عندهم أحمد والأمريكان هم الشعب- وحينما صدر القرار بتقسيم المناطق العسكرية إلى سبع مناطق، صاح أولئك في وجه القرارات باعتبارها قرارات غير وطنية ولا تلبي حاجة الثوار -الثوار على الثورة- وحينما صدرت القرارات الأخيرة والتي كانت من آخر المسامير في نعش العائلة وحلفائها، وبناء عليه صدر قرار اللجنة التنظيمية برفع الخيام ومراقبة المسار الثوري، أعلن أولئك أن الثورة عندهم بدأت بالتزامن مع تحقيق أهم أهداف الثورة بعزل ما تبقى من العائلة في المواقع العسكرية، بل ونفيهم بصورة ذكية. والحق أنهم ورغم أن التقية عندهم دينا إلا أنهم لم يستخدموها هذه المرة، فكل فئة من الشعب تثور على وضع لا ينسجم مع أهدافها، ولأن الأهداف الثورية الحقيقية قد تحقق الكثير منها، وهي -بالطبع- ليست أهدافا لهؤلاء الإماميين فإن ثورتهم مستمرة كما يقولون، وذلك بغية تحقيق أهداف لديهم هي أقرب في تحقيقها إلى الخيال منه إلى الواقع، كيف لا وهي أهداف تتناقض مع قيم الدين والوطن، وهذه الأهداف هي التي تدفعهم إلى التخبط في الخطاب المتأرجح بين الخطاب الثوري واللاثوري في آن واحد. وقد يتساءل البعض ما سبب هذا التخبط المريع في نهج هؤلاء؟ والجواب أن الواقع الذي يعيشونه ويعملون فيه يناقض المشروع الذي يتبنونه، ومرد كل ذلك يتمثل في الحنين إلى الإمامة، وهو عشم أقرب ما يكون لعشم إبليس في الجنة.