حينما يسيطر الهاجس العسكري المسلح على الشخص الجالس على طاولة الحوار فإن ذلك يؤدي حتما إلى زلل في هذا الحوار، ذلك أن الذهنية القتالية تطغى على هذا الحوار الذي يعد قيمة حضارية أهم ما يميزها السلم. إن وصول أي جماعة أو أي حزب إلى مستوى معين من الانتشار في أوساط المجتمع من خلال رؤية معينة تبنى عليها ممارسات تنسجم معها لكفيل بتشكيل ذهنية تلكم الجماعة بناء على تلك الرؤية التي سايرت مراحل الانتشار، وإنه ومن المحال أن يحدث انفصام بين رؤية تم الانتشار والبناء على أساسها وبين ذهني الأتباع لتلكم الجماعة في لحظة ما. إن مسيرة الحوثي منذ البداية كانت مبنية على نهج العنف ولم يتم لهم الانتشار في الماضي دون هذا النهج، وهذا ما دعا التابع للحوثي صالح هبرة للتصريح بأن السلاح سيبقى معهم حتى توجد الدولة -حسب زعمه- ولا ندري ما هي مواصفات الدولة التي يبغيها المحاور المسلح صالح هبرة. إن الكلام عن وجود دولة من وجهة نظر من يعتقدون الولاية شرطا أساسيا للاعتراف بالحاكم الذي يحكم تلك الدولة لتتضمن دلالات سلبية في مدى اعترافهم بالدولة القائمة والدول التي تليها، وهذا ما يجعل من الكلام عن تسليم السلاح عند الحوثيين أمرا أشبه بالمستحيل، ووجود دولة حتى بالمعنى الجمهوري بعيدا عن مفاهيم الإمامة يعد معنى مطاطيا يسهل تحويره بحسب رغبة من يرى في الاعتراف بوجود الدولة نهاية لمشروعه المسلح، وقد يحتج ذلك المحاور بانفجار لأبراج الكهرباء قام به حليفه، أو بحرق محل تجاري في المحافظات الجنوبية بتدبير من رفيقه، قد يحتج بأنه لا وجود للدولة وحينها فإن بقاء السلاح في أيدينا أمرا مبررا ولا غبار عليه. وهنا نتساءل: لماذا يحرص الحوثي على بقاء السلاح في يده؟ ومن هو العدو المرتقب للحوثي وآله الطاهرين؟ والجواب بلا شك لن يكون في الاتجاه الإيجابي الذي يتناسب مع القيم الوطنية، فقد أثبتت الأيام الماضية أن الحوثي قد أخطأ في اختيار العدو الذي أعمل فيه سلاحه على مدى السنوات الماضية. وكما أن الذهنية المسلحة هي الموجهة لتعامل الحوثي مع كل المستجدات فإن ذهنية المناورة هي الغالبة على مواقفه من الحوار أيضا، فكثيرا ما سمعنا التهديدات الحوثية بأنه سيترك الحوار إذا حدث كذا أو إذا لم يحدث كذا، فإنه وحينما حدثت محاولة اغتيال عضو مؤتمر الحوار -أبو رأس- وهي محاولة مدانة بكل المقاييس، أكد الحوثي أنه لم ينسحب من الحوار رغم المصاب الذي أصابهم، وفي ذلك إشارة مبطنة توحي بأن الضمانة الحقيقية لاستمراره في الحوار تتمثل في أن لا يحدث أي خلل أمني أو تخريب في ربوع الوطن، وما أكثر ذلك في هذه المرحلة، خاصة أن هناك من يرى في نجاح الحوار فشلا حتميا لمشروعه اللاوطني، وحينها يجتمع الحلفاء المتضررين من الثورة ومن الحوار ليقوموا بالأعمال التخريبية في صورها المتعددة. لقد مهد الحوثي لانسحابه المرتقب من مؤتمر الحوار بالتعلل بما يكثر حدوثه، ويسهل القيام به من قبل من يرى في تلك العلل مخرجا له من مأزق سياسي حتمي الوقوع في المرحلة القادمة. إن البحث عن مبررات للانسحاب من الحوار والتمهيد لوضع بعض الألغام بين يدي المتحاورين يعد نهجا تبدو ملامحه بوضوح في الأفق الحوثي المطهر. وإن في التعلل بأي خلل أمني أو خطأ أو قصور من الدولة ليعطي مؤشرا حقيقيا عن تعمد الحوثي لتحوير مفاهيم الحوار وتصويره على أنه حوار بين سلطة ومعارضة، يمكن التخلي عنه في أي لحظة كورقة ضغط على السلطة القائمة، والحق أن الأمر ليس كذلك في هذا الحوار القائم، إنه حوار بين كل اليمنيين بصرف النظر عن الحاكم والمعارض، فكل المتحاورين يقفون على أرضية واحدة، وإن في قراراتهم إلزاما للحاكم والدولة بتنفيذها وهذا ما يدفع أصحاب المشاريع الوطنية لتعزيز تواجدهم في المؤتمر ومحاولة إقناع المتحاورين بوجهة نظرهم، وليس لدى أي إنسان أو حزب وطني نية الانسحاب من المؤتمر، فإنه ولو فرضنا جدلا أن كل المتحاورين يتعاملون مع الحوار بالرؤية الحوثية التي ترى في الحوار مطية لتحقيق أهدافها ولو على حساب الأهداف الوطنية، ويتضح ذلك من خلال التلويح بالانسحاب، فلو أن كل اتجاه أو حزب تعلل بحجة للانسحاب حينها من يتحمل المسئولية الوطنية في هذا الظرف خاصة، وأن الدولة ليست إلا أداة لتنفيذ القرارات بل إن المؤتمر يعد السلطة الأعلى في هذه المرحلة، وإن في تركه أو الانسحاب منه تسليم للوطن للمجهول، وهذا من سيعمل عليه من يرى في الحوار نهاية لمشروعه المبني أصلا على اللاحوار.