"عندما ينتهي القانون يبدأ الطغيان".. يورك لا شك أن لدى الرئيس قائمة طويلة من الأعداء الذين يتمنى اختفاءهم، لكن على الأرجح ليس في هذه القائمة الرئيس نفسه. "عدوك الأكبر نفسك"، يقول الشاعر الأمريكي هنري لونجفيلو، لكن أحداً وخاصة طبقة السياسيين لا يهتم بالشعر والشعراء. يواجه الرئيس خصوما في قمة الانحطاط والصلف والتاريخ القذر، لكن لأسباب غير واضحة يقوم بتقديم هدايا مجانية لهم، فالقرارات الخاطئة أفضل شيء يريد حدوثه من يعمل في السر والعلن لتدمير كل شيء انتقاماً لكرامة مجروحة، أو انسياقاً وراء مصالح عمياء. قرار تشكيل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ينتمي لفصيلة هذه القرارات المؤسفة لتصادمه مع حكم قضائي فصل بعدم مشروعية الترشيحات، وهو الأمر الذي كان يجب على الرئيس التوقف عنده وعدم مخالفته بأي حال من الأحوال. لست هنا بصدد التشديد على ضرورة احترام أحكام القضاء والخضوع للقانون، فهذا ما لا يجب النقاش حوله، ولكن أود القول للرئيس ومساعديه إن الضرب بأحكام القضاء عرض الحائط مسألة خطيرة للغاية، وتؤشر إلى استمرارية نظام عبدالله صالح الذي لم يكن يرى في القضاء إلا أداة من أدوات حكمه الاستبدادي. لا أعرف كيف يفكر الرئيس ومعاونوه، لكن ما حدث خيار خاطئ للغاية، فمن المهم في ظل أوضاع غير مستقرة كهذه، وفي ظل عدم وجود تقاليد احترام القانون، أن تكون السلطة هي من تؤسس لهذه التقاليد المهمة في مسيرة بناء الدول، ولنتذكر أن بريطانيا ليس لديها دستور، وتُحكم بواسطة تقاليد وأعراف. لقد أثبتت تجارب التاريخ أن السلوك أكثر إقناعاً من الكلام، فخطب كثيرة تدعو الناس لاحترام القانون لن تكون أكثر تأثيراً من الانصياع لأحكام القضاء، هل يدرك الرئيس أن انصياعه أمام القانون سيجعل منه رئيساً قوياً، فالأقوياء يناسبهم القانون، أما اللصوص فدائماً ما يتجاهلونه؟! وما يزيد من عدم الارتياح، أن يقيم فريق "الحكم الرشيد" في مؤتمر الحوار الوطني احتفالاً بمناسبة تعيين رئيسه القاضية أفراح بادويلان رئيساً لهيئة مكافحة الفساد، هذا الفريق المعني بوضع أسس الحكم الرشيد يصفق لقرار يخالف حكم القضاء، ترى أي حكم رشيد ننتظر من هؤلاء؟! موقف الرئيس وموقف فريق الحكم الرشيد يشيران إلى أننا ما زلنا نمارس السياسة بنفس عقلية علي عبدالله صالح، لكن من يستطيع أن ينبه الحكام الجدد، أن الشعب قام بثورة لتغيير السياسات وليس تغيير الأشخاص.