المشي على الأشواك بأقدامٍ حافية، فكرة مجنونةً كما تبدو، تُشبه ما ذهب إليه مؤتمر الحوار بخصوص تقسيم اليمن إلى أقاليم. طريقةٌ وحيدة لنزع صفة الجنون عن الفكرة؛ عدم المشي على الأشواك. بالقياس ذاته؛ التخلي عن تبعات الأقلمة بأسلوب عشوائي بلا أدنى منهجية، ويبقى كل شيء على ما هو عليه حتى إشعارٍ آخر. في الدراسات الجيوبولتيكية التي تَتَ�'بع الأطماع في الجغرافيا السياسية؛ يتم دراسة الدولة وما تحيط بها من تداعيات من ناحية البناء والقوة أو الضعف والتشرذم، حسب اتفاق علماء الجيولوجيا. في اليمن لامنهجية لقادات القوة؛ نظرًا لتخليهم عن الجغرافيا. تعز أو تاعز، أو قل ماشئت، فإن الجغرافيين أنفسهم لا يعرفون حق المعرفة حقيقة اسم هذه المدينة، هكذا ذكر الصحفي الإيطالي سلفاتور أبونتي في خمسينيات القرن الماضي، جاء ذلك في كتابٍ له موسومٌ ب "خفايا الحياة في بلاد السعيدة"، ليتحول العنوان إلى "مملكة الإمام" بعد التعريب ب2009. اتخذها الإمام يحيى عاصمة له، في دار النصر قابل أبونتي السيد علي الوزير ومجموعة من أقربائه، كانت خدودهم متورمة حتى ظن أنهم مصابون بمرض في الأسنان قبل أن يتبين أنهم "خلائق ماضغة" تلوكُ أعلاف القات بنهم، لتدخل في "فراديس الوهم" حسب وصف الصحفي الوافد. لا يوجد سبب واضح لاتخاذ الإمام من تعز عاصمةً للدولة المتوكلية، بيد أن الأقرب للمنطق هو استغلاله لطيبة أبناء المدينة فكان ملاذه آمنًا خوفًا من غدر القبائل به رغم ارتباطه الوثيق بهم. ولمعرفته أن التوطن في صنعاء يعني تركه للمثقفين حياكة نسيج التآمر على غطرسته الشديدة. أتى علي صالح إلى كرسي الحكم من معسكر المخا، كان الميناء في أوج عطائه، شطآنه المفتوحة متنفسًا للتهريب بتعاون المُساعد الهزيل، وفي عهد حكمه كان متنفسًا للتهريب أيضًا بتعاون مُقنن مع رجالات التهريب، حسب وثيقة لويكليكس، في 2011 فرض الرجل قيدًا على المواد المهربة القادمة من جيبوتي إلا إذا كان "الويسكي جيدًا". في كل الحالات، تعاملوا جميعًا مع محافظة تعز كقوة جماهيرية تُضفي الشرعية على الحاكم، أو جغرافيا فسيحة لاستقبال "كُحل الروح". المُتخمة بلقب العاصمة! قبل مايو 90 طرح علي سالم البيض مقترحًا حول عاصمة دولة الوحدة، كان رأيه أن تكون العاصمة تعز؛ لم يستدل بذلك على المنهج المورفولوجي في الجغرافيا السياسية (هذا المنهج يدرس شكل الدولة والحجم ومراكز الثقل السكاني وكذلك عاصمة الدولة). كانت نظرة البيض إلى تعز قاصرةً على القرب الجغرافي للمحافظة من الجنوب، فالمدينة من ناحية الموقع حلقة الوصل بين الشطرين الشمالي والجنوبي، في التقسيم الإداري للمديريات بعد الوحدة تداخلت مديريات تابعة لتعز في محافظة لحج كالقبيطة، كما دخلت مديريات في محافظة إب إلى محافظة الضالع. مقترح البيض إن كان آخذًا الجدية، اعتمد على البنية الجيولوجية وطبيعة التضاريس، كان يرمي في اختيار "الشكل الدائري" لهيئة الدولة، أن تكون العاصمة في الموقع الوسط الرابط بين الشمال والجنوب، وهو الشكل الذي تطبقه دولًا أوروبية كفرنسا. والصائب أن صالح مُصابًا بفوبيا الجغرافيا، لأن اختيار العاصمة لم يكن على أساس علمي وإن استحقت صنعاء هذا اللقب الثقيل بالنظر إلى مساحتها الشاسعة. البيض نظر إلى المحافظة طبقًا للقرب الجغرافي، وصالح رأى بأنها لم تكن مهيأةً على النواحي البنائية؛ لكن تأويلًا آخر بأبعاد سيكودينامية مترسبةً في أذهان الرجلين؛ هذا البُعد بالنسبة للبيض على صلةٍ أيديولوجية بمنطقة الحجرية التي صد�'رت ألمع الرفاق الاشتراكيين، نفس المنطقة يخشى صالح أن تأتيه منها طعنة�' غدر قبل أن يهنأ بكرسي الحكم في دولة واحدة، ومخافة صالح نابعةً من الحدث التاريخي الأشهر "أحداث الحجرية وتصفية مشائخها" بعد أن غدر بقائد الحملة الرائد عبدالله عبدالعالم في 78. تموضع صالح وأزاح البيض إلى عُمان، وكعادته في امتصاص أبناء اليمن، أطلق على المحافظة الوديعة لقب "عاصمة الثقافة" تجنبًا لتذمرهم المُتفاقم، لم يُصدر بذلك أي قرار، ولازدواجية عقله سهى "وجل من لاينسى" أطلق ذات اللقب على محافظة إب في الذكرى الخامسة عشرة للوحدة اليمنية، قبل أن يستدرك في نهاية الحفل أن "إب" عاصمة السياحة. وحين أتت الثورة التي عصفت بنظام صالح ب 2011، أطلق عليها سياسيون وأجمع عليها الثوار بأنها "عاصمة الثورة"، كان هذا الاسم نظير تقديم المحافظة لأكثر الشهداء خلال هذه الفترة، وقعت بداخلها أبشع الجرائم. بعد ذلك أصدر الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي قراره الجمهوري باعتماد تعز عاصمةً للثقافة اليمنية. وفي المحافظة المُتخمة بالألقاب، لا تجد في أكشاك المدينة المجلات الآتية من خارج اليمن، بعض الأكشاك تجلب بعض المجلات من عدن وتبيعها بأضعاف لأنها لاتصل إلى تعز، في عاصمة الثقافة يحدث ذلك. عاصمة مرةً أخرى يرى المُحافظ شوقي هائل أن الفيدرالية هي الحل الأنسب لليمن، قال ذلك في حوار صحفي قبل نحو أسبوعين، كأنه استعار مابنفس ذلك المجهول الذي غمس قطعة القُماش في عُلبة الرنج وكتب على بابي أحد المحلات: «لاحل إلا بفدرالية أقاليم وتعز عاصمة اتحادية». بيد أن صاحب المحل كان قد أغلق محله، جلس أمام بابه مجهولٌ شارد في حيرته!. حسب الصيغة التي جاء بها الحوار الوطني، فإن البلد ستنقسم إلى خمسة أقاليم، يرى المتفائلون أنها فكرةً جيدة لبث روح المنافسة بين المواطنين على أنحاء اليمن؛ لكنهم لا يستندون إلى تجربة مُحددة ويتناسون الوضع الاقتصادي المتماثل في المحافظات على السواء. في إقليم الجند (تعز- إب) تتواجد معالم حيوية لكنها منزوعة القيمة، فمثلًا ميناء عدن وميناء الحديدة استقطبا الحركة التجارية منذ زمن على ميناء المخأ. وإذا لم تكن هناك رؤية واضحة لإعادة تحاصص الحركة على المنافذ البحرية بالتساوي، فستكون بعض الأقاليم عُرضة للاضطهاد الاقتصادي. نتيجةً لموقع تعز وأسماء بعض الرجالات المحسوبين عليها، يتغزل بعض المحسوبين على الحراك الجنوبي بالمحافظة لدرجة إعلان التساهل معهم في المناصب الوظيفية في حال أفضت الأقاليم إلى انفصال ناعم. فلتان أمني قريبًا من يوميات المواطنين، فإن تعز تمر بحالة فلتان أمني، علاوةً على اختلال المنظومة الأمنية وأخطائها الفادحة في عملها الوظيفي، مثلًا: تم اقتحام مقر التجمع اليمنى للإصلاح بآليات ثقيلة، واتهموا ضمنياً "رجال المخلوع" أنهم "مازالوا يعملون". بعد المُداهمة التي حدثت في ساعة متأخرة من الليل، قال مدير الأمن إنه لايعلم عن الحادثة شيء. قبل تقديم الاعتذار عن الاعتداء من قبل قائد المحور ومدير الأمن وقائد اللواء 22 وقائد اللواء 35 وقائد القوات الخاصة "الأمن المركزي". عبر رئيس المكتب التنفيذي للتجمع اليمنى للإصلاح عبدالحافظ الفقيه، عن تقديره اللجنة الأمنية على تعاملها المسئول، مشيرا إلى أن قيادة الاصلاح قبلت الاعتذار واتفقت مع اللجنة على ايجاد عدد من الإجراءات، منوها: "لا يوجد أحد فوق الدستور والقانون". بنفس الأسبوع، اغتيل الضابط المقد�'م عبد الملك حسين العمري، مدير قسم شرطة الشماسي في مدينة تعز، بعد أن فتح مسل�'ح يستقل دراجة نارية النار عليه في حي زيد الموشكي. لحظتئذ كان محافظ تعز يلتقي أعضاء الجالية اليمنية بمدينة برمنجهام البريطانية في إطار زيارته للعاصمة البريطانية لندن. حسب موقع المؤتمر نت. حرب المياه القادمة! "تعز.. المدينة الأولى في ندرة المياه في العالم"، قال وزير المياه في حكومة الوفاق الوطني في شهر رمضان، على هذا الوتر دق�' صالح في برنامجه الانتخابي ب 2006، وقف أمام حشد جماهيري لا يخلو من طلاب المدارس وعمال المصانع، كانت حنجرته جافة وهو يبشر: سنعمل على تحلية المياه. لم يتحقق شيئا على أرض الواقع من برنامج صالح المزعوم، انصرف المحافظ السابق حمود خالد الصوفي، خلَت قصيدته الأخيرة من التغزل بالمياه وحَفلت بالكثير من الندب على سوء الخاتمة. جاءت الثورة في 2011 وحدث التغيير، أثناء تغيرات المناخ فقط تحدث تحولات سريعة على مستوى تنمية الدول؛ عدا اليمن، حتى الثورات لم تُحدِث شيئًا من ذلك المأمول الذي يقوم من أجله الثوار. لا يزال المواطن يحلم بمحاكاة التجربة التركية الحافلة بمشاريع تحلية المياه وتنقية زرقة مياه البحر من الملح الآسن، تتم العملية قبل عمليات الفلترة. لم تنل تعز حقها في التحلية على غرار تركيا، كما لم تنل قسطًا من تنظيم دُبي وتخليصها من العشوائية. حتى هذه اللحظة مازالت الأعصاب مشدودة، والتوتر سيد الموقف، الحرب من أجل المياه على أهبة الاحتدام، ليس نزاعًا على مياه إقليمية، بل على بئر ماء بين قريتي "قراضة والمرزوح" التابعتين لجبل صبر. النزاع يُلخص المشكلة القادمة ذات المستقبل القاتم، سقط عدد من القتلى من الجانبين، يتبادلون إطلاق النار بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة مثل الرشاشات والمعدلات. تجدر الإشارة أن المشكلة قائمة من عهد صالح وتدخلت فيها شخصيات محسوبة عليه في التسعينيات، لكنها عادت للواجهة من جديد.