جماعات العنف والارهاب تتناسل مثل نبتة شيطانية، وتحاصر حقول أحلامنا التي سقيناها ذات يوم بدمائنا ودموعنا.. هناك من صار يؤمن أن ذلك الحلم كان السبب في تعاظم انتشار هذه الجماعات، وهو على كل حال كان لديه الاستعداد النفسي المسبق لمثل هذه النتيجة التي توصل اليها. وبقدر ما يكون مثل هذا الافتئات مستفزاً فهو أيضاً ليس مهماً، وعلى الرغم من أنني لست من أنصار تلك النغمة المكررة (بقايا النظام)، فإن هناك ما يبررها، فما قامت به الأنظمة الساقطة (في بلدان الربيع العربي) لم يكن شيئاً بسيطاً، ولا كان وجودها الطويل عابراً، وعندما كانت تتوالى تحذيراتهم بأن ما بعد إسقاطهم لن يكون أفضل مما كان قبله، كانوا ،وحدهم، يعرفون تأثير ما فعلوه بأوطانهم. لقد ارتكبت هذه الأنظمة من العبث بالبنية الاجتماعية لشعوب هذه البلدان ما جعلها جاهزة، بعد سقوط أدوات القمع الأمني، للمضي في طريق التفكك والانحلال عن طريق الاحتراب الذاتي، والانفجار على شكل صراعات هوياتية كانت الأنظمة قد وضعت أسسها في مرحلة سابقة واستطاعت تأخير لحظة انفجارها الى الوقت الذي تحدده هي. مثل هذه الصراعات التي نشأت في بلدان الربيع العربي لم تكن بحاجة حتى الى وجود أطراف من الأنظمة السابقة تغذيها وتقف وراءها الآن، إنها تحمل مبررات انفجارها من فترة (تحكم) الأنظمة السابقة، وما يضيفه دعم الأنظمة السابقة هو جعلها أكثر فتكاً (كأن تقوم بدعم هذه الجماعات بأسلحة منهوبة من مخازن الجيش كما هو الحال في اليمن). ليست هذا فحسب، فالثقافة السياسية والتجربة السياسية لهذه الشعوب جعلت من العنف والصراع المسلح أداة سياسية فاعلة، يدلل على ذلك مركزية بعض المفاهيم ك"التغلب" قديماً، وسيادة الانقلاب العسكرية حديثاً كطريقة حصرية للوصول الى السلطة، وإذا ما أضفنا الى ذلك مفهوم "الجهاد" الذي تتبناه بعض الجماعات للوصول الى دولتها ذات الإطار الاسلامي، فإن إطار العنف يكون أكثر إحاطة بنا وأشد خطورة. المهم هو أن وضعاً سياسياً/ اقتصادياً/ اجتماعياً كهذا يدفع نحو إنتاج مزيد من جماعات العنف وتوسيع دائرة انتشارها، بقدر اتساع مساحة الإحباط من أداء قوى ما بعد التغيير، وهذا يلقي بمسؤولية أكبر على هذه القوى، ويستوجب عليها التفكير بما هو أبعد من مصالحها السياسية الآنية، التي لن تجد مكاناً لممارستها إذا ما استمر الوضع كما هو عليه الآن. كما أن دعم أي حزب سياسي لأي من هذه الجماعات للحصول على مكاسب أكبر في مواجهة خصومه ،السياسيين، لن يعني سوى تخريب الأرضية التي يقف عليها، وحتى في حال تم التعافي من حالة الاحتراب المجتمعي والانتقال الى مرحلة أخرى، فأنه سيكون على رأس قائمة المتضررين من هذه الجماعات لأنها ستكون خصماً من رصيده وتواجده بفعل تزايد القوى التي تصنعها الصراعات.