حينما وسوس الشيطان لأبي البشر (آدم عليه السلام) بأنه ما مُنع من أكل الشجرة إلا أن يكون (ملكاً) أو يكون من (الخالدين)، كان - أخزاه الله - يدرك أن نقطة ضعف الإنسان تكمن في فرط أنانيته التي لا تفتأ تدفعه نحو البحث عن: (التميُّز، والاستحواذ، والبقاء)؛ فهو يهرول نحو أي عرْض يحقق له ذلك، دون نظر في العواقب ولا دراسة للنتائج.. وكلما كان العرض مغرياً كلما استحوذ على مشاعر الإنسان وسلبه القدرة على التفكير فيما سواه، وهذا ما يجعل «أكثر مصارع العقول تحت بُرُق المطامع» حسب تعبير الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ولما كانت الزعامة من أكبر المطامع التي تنجذب إليها النفوس، وتتطلع نحوها الآمال؛ كثرت إليها الرحالُ المشدودة، وهوت في طريقها القيم الرفيعة، وتساقطت الأخلاق النبيلة، بل أزهقت في سبيلها نفوس الخلق، وقُطِّعت أواصر القربى!! وقد أجاد من قال: لئن صبرت عن فتنة المال أنفسٌ * لما صبرت عن فتنة الأمر والنهي وهذا ما جعل التنافس على الزعامة سبباً لكثير من الصراعات بين الناس على مَرِّ تاريخ البشرية، فكلٌ يرى أنه الأولى والأجدر بالزعامة والتميز، وأنه الأصلح في سائر الأحوال لاعتبارات يرها في نفسه؛ وبالتالي يُقدم على أي حماقة، ويدلي نفسه بغرور وتَهَوُّر، ليستحوذ على شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى.. ولا يدرك أن من يتسلق أعالي الأشجار لابد أن تبدو سوأته، ما لم يخصف عليه من ورق الاستقامة ليستتر بها. لقد أخطأ الإنسان الأول بسبب الاندفاع للحصول على التميز إلى درجة أنه عصى ربه وأصغى لعدوه، فهبط إلى الأرض ليعيش معه حياة الصراع التي نتقلب اليوم وحلها، حتى بلغت الحال بأن بعضنا صار يفسد في الأرض ليحصل على الزعامة والتميز ولو على تلال من جماجم معارضيه، فإذا حصل على ما يريد؛ أوغل في الطغيان ليحتفظ بالزعامة أطول مدى ممكن، ولا يكترث في سبيل ذلك بأن يزهق الأرواح ويدمر معالم الحياة، ولا يستوحش من تبرير الظلم والجور، بل قد يرى كل ذلك جهاداَ في سبيل الله، وانتصاراً للحق الذي يتعين الموت لأجله! وما نشهده اليوم من اضطرابات في طول البلاد وعرضها ما هو إلا نتيجة لعقدة: (أنا.. أو الموت). *صحيفة الناس