كلّ إنسان منا يعمل بتلقائية للحصول على ما يطمح إليه، وفي نفس الوقت يتصدى لكل ما يعطل مساره، ويُوقف طموحاته. كل ذلك حسب قُدُراته.. ولكنه إذا علا في الأرض وتجبر ألقى بنفسه في متاهات الصراع.. وتحت تأثير الخوف والطمع يدمر ما يعترض طريقه؛ فيهتك عصمة القيم، ويجتاح قُدسيَّة الحياة.. قد يَطْعَن عُمَر .. قد يفتك بعثمان.. قد يغتال علياً .. قد يذبح الحسين، قد يقطع الطريق.. قد يهدم المنازل .. لا شيء يوقفه.. لا حرمة المسجد.. ولا حرمة الصلاة .. ولا حرمة براءة الأطفال والنساء.. لقد تحول هذا الإنسان إلى كتلة من لهبِ الشر تُحرق كل شيء يصادفهاً .. القصة لا تتوقف هنا.. ولكنها تتحول إلى مسلسل مُرعب .. تظهر في حلقته الثانية: قوى مضادة، مشحونة بنفس الرُّوحية.. وتحمل ذات الأدوات.. وترفع نفس الشعارات .. وتستحضر نفْس المبررات.. وتغرد بزوامل التحدي .. وتتغنى بالنصر على أعدائهم، الذين صاروا بالطبع: (أعداء الله)..! وفي الحلقة الثالث: يبتهج البعض منا، ويقول: لا يَفُلّ الحديد إلا الحديد، ولا يرُدّ العقائدي إلا مثله، ويتمتم ب: { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ } [البقرة: 251]. إنها فرصة في نظره كي يطيح بعضهم المعقدين ببعضهم..! وفي الحلقة الرابعة: تكثر التَّعازي في أبطال الموت، وتُرفع صورهم بعد أن سُطَّر عليها: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران : 169]. فهذا الشهيد في سبيل الله هو الذي قتل ذلك الشهيد في سبيل الله. ومن قال غير ذلك فهو مثبط عن الجهاد، وراكن إلى الدنيا محب للحياة. وفي الحلقة الخامسة: تمتلئ الأجواء بفتاوى النُّصرة ووجوب الاحتشاد، وتسيَّر قوافل الدعم والمؤيدين لمختلف الأطراف من سائر البلاد، كل يردد: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72] متجاهلين أول الآية وآخرها.. المهم أن يعبروا إلى عواطف الناس من خلال القرآن. وفي الحلقة السادسة: تتوسع دائرة الضرر، ويُصاب كثير من الناس بالشظايا والشرر، فيستحضرن - بعد فوات الأوان -: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً } [الأنفال: 25]، فيعض بعضهم أنامل الندم، ويشعر بأن ما سكت عنه بات يجتاح الأيابس والأخضر. وتستمر الحلقات في مسلسل طويل، يفنى فيه الإنسان.. وتُقطَّع أواصر القربى .. وتدمر الأرض .. ويُمتهن الدين .. وتهدر الأموال.. ويسيطر المتربصون.. و و و.. وفي الحلقة الأخيرة: يعود الجميع إلى بداية الحكاية، ليفكروا كيف يوقفوا هذا المسلسل اللعين الذي غيب الأحبة وأفسد الحياة. فيتذكرون أن في القرآن أيضا: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء : 93]. ويتذكرون أنه لا يمكن لطرف أن يقضي على طرف وأن بإمكانهم أن يتحاوروا ويعيشوا ولو تحت سقف: {قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت : 46]. ويتذكرون صراعات الأمم والأجيال السابقة، وكيف أن أحدا منهم لم يقض على أحد إلا وظهر من يحمل ثأره ويواصل مشواره.. فيقرروا وقف الاقتتال والانتقال إلى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال : 61].. فهلا اكتفينا من المسلسل المشؤم بالحلقة الأولى والأخيرة .. فالمهم هو بداية القصة ونهايتها، دون آلمها وآسيها.