ليس اهتمامي بالكتابة والحديث عن اهمية تركيا تاريخيا ودورها الحالي مجرد ترف فكري أو نتيجة اعجابي الكبير بالنموذج التركي فحسب كما هو ليس محاولة لدغدغة العواطف بقصد الشهرة او التكسب... بل هو محاولة لقراءة واستيعاب ظاهرة واقعية وحقيقة تاريخية وملموسة ومشاهدة اردت بها مخاطبة العقل العربي الى التحرك من قيوده وجموده لقراءة هذه اللحظة التاريخية الفارقة من حياة امتنا بتفاعلاتها ومؤشرات الواقع استعدادا للمستقبل (الواعد) بمفاجاته ومواجهة التحديات والتحكم بمصائر الاحداث وتداعياتها. أن علاقتنا بتركيا ليست وليدة اليوم ولاهي مجرد تفاعل سياسي طارئ او حاجة مؤقتة بل هي علاقة تاريخية اسلامية في صميمها امتدت قرونا من الزمان والمكان والحياة المشتركة...وهي علاقة ثانوية ومتميزة عن علاقاتنا بالشعوب الاخرى واليوم تفرض علينا الظروف والمتغيرات تجديد هذه العلاقة والروابط التاريخية وضرورة تطويرةها واعادة صياغتها وتعميقها في المستقبل في ظل اقتراب العالم وتتابع الاحداث والازمات التي تهدد مصيرنا جميعا وفي ظل التجاذبات الاقليمية والدولية على المنطقة وغياب المشروع العربي والاسلامي على حد سواء الا من بصيص أمل قادم من ناحية (اسطنبول) يراد له ان يظل عاجزا وفاشلا عند الحدود مع سوريا أو قل عند مصالح القوى الكبرى من الازمة السورية...! والتي لم ترق لها سياسة تركيا الجديدة وتحركاتها في المنطقة وقد وجدت من الموقف السوري فرصة لاقحام تركيا في ارتكاب (قرارات) خاطئة و(مواقف ) عدائية-تسيءالى العلاقة والصورة الانسانية الجميلة التي ظهرت بها تركيا في الفترة الاخيرة بما حققته من نجاحات سياسية واقتصادية وديمقراطية وحضور فاعل في المشهد وحسابات الاخر..!وهو ما جعلها محل اعجاب الكثير واتجهت اليها امال وأنظار الشباب والشعوب العربية التي طال انتظارها... وقد وجدت في القيادة التركية ما يملأ فراغها النفسي ويغطي حالة العجز والغياب - للقيادات العربية-والتي غرقت في سباتها ولم تصح الا على وقع ثورات( الربيع العربي).. وها نحن الان فيما بعد الربيع العربي وتداعياته نكون قد دخلنا منعطفا تاريخيا مهما ومرحلة انتقالية وشاغرة من أخطر مراحل تاريخ الامة بل قد تكون هي الاخطر اذا ما استوعبنا طبيعة المرحلة وحجم التحدياتالتي تنتظرنا ... ومسئولية القيام بواجباتنا نحو انفسنا والاخر.. وتبليغ رسالتنا العالمية كما ندعي..والانفتاح على العالم والتواصل معه كواحدة من معطيات لم نستوعبهافي مرحلة ما بعد الربيع العربي ... ما يشهد على جهلنا بسير العالم وتطورات المجتمعات وقراءة الواقع والذات والاحداث معا..!! فيما لا نزال مشغولين بأمراضنا وصراعاتنا الداخلية..وصناعة العزلة والدمار والانكفاء على ذواتنا ودوائرنا الضيقة..وتجاهلنا مهماتنا الأوسع ..ومشاريعنا الكبرى.. وتلك مشكلتنا نحن العرب: أننا أعفينا انفسنا من مسئولية القيام باي دور .وانشغلنا بالتكهنات وتوجيه الاتهامات والتساؤل عن القادم.. واذا طال بنا المكوث على هذه الحالة السلبية فلنتوقع ماهو أعظم من -اسرائيل..!! **ان مرحلة ما بعد الربيع تؤكد انه لا داعي للعزلة بعد اليوم للشعوب والحكومات العربية بل لابد من الانفتاح على الاخر والتواصل معه عل سبيل التباحث والتفاوض...أو على سبيل التعاون والتداول..لفتح خيارات وامكانات جديدة..وخلق معادلات وتوازنات تعزز وجودنا بين الأمم...ومن هنا تأتي أهمية الدور التركي في هذه المرحلة الحرجة والحساسة وضرورة التفاعل والتعاطي معه بايجابية ك(شريك تاريخي حضاري) أو ك(حليف استراتيجي ) اقليمي في المستقبل تجمعنا به روابط وعلاقات تاريخية وجغرافية وقبل ذلك يجمعنا الاسلام الجامع في رحابه لكل مظاهر وعناصر التنوع والاختلاف في اطار الامة الواحدة. وليس من المقبول ولا من المعقول أن تظل تركيا بمعزل عن تاثيرات الاحداث والصراع كما هو بالنسبة للعرب كذلك..وحيث ان تركيا ليست دخيلا ولا غريبا على المنطقة بل عنصر مهم.. ومكون رئيسي من مكونات الشرق الاوسط حتى لا نبدو مجازفين ولا متحيزين حين ندعو الى التكامل مع هذا (الشريك الوجودي)الذي لا ينكر بصماته في صناعة تاريخنا وحضارتنا وهويتنا الجامعة.. ودعوتنا الى الشراكة لا تعني التماهي والذوبان في الاخر وانتفاء الخصوصيات بقدر ما تعني صياغة قيما ورؤى مشتركة واجتراح حلول وفتح مساحات وافاق جديدة والانخراط في صناعة التحول والنهوض المشترك بالواقع العربي والاسلامي واتقان لغة الخلق والابتكار لكي نحسن مواجهة التحديات ومواكبة العصر واستعادة دورنا ومشروعيتنا في زمن تداخلت فيه المصائر وتشابكت المصالح والأدوار مما قد يعطي الحق للاخر في التدخل فكيف اذا كان هذا الاخر ( اسلاميا وشريكا تاريخيا)...؟ مع ايماننا أنه لن يجدينا الدور التركي ولا الايراني مالم نقم بواجبنا نحو انفسنا أولا.. فعلينا أن نعيد قراءة واقعنا ومراجعة علاقاتنا ومسئولياتنا واستعادة دورنا ..وان نبحث لنا ولا متنا عن مكان تحت الشمس والا فلا عزاء لنا..! وان نجعل من تركيا بوابة كبرى للانفتاح والتواصل مع اوربا والعالم لتبليغ رسالتنا (العالمية) الغائبة عن تفكيرنا واهتمامنا والتي بغيابها دخلنا في متاهات من الغياب والعذاب وصرنا نتسائل بلا حياء عن تغطية الاخرين لفراغنا .. وقيام(الأعاجم) بالمهمة حين تخلى عنها (العرب)....!!