مما لا جدال فيه أن القضايا والموضوعات التي ناقشتها القمة "اليمنية- التركية" المنعقدة يوم أمس بالعاصمة صنعاء بين الزعيمين فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وضيف اليمن الكبير فخامة الرئيس عبدالله غُل رئيس الجمهورية التركية الشقيقة، قد جاءت معبرة بصدق عن مدى استشعار قائدي البلدين الشقيقين لحتميات المرحلة التاريخية الراهنة، وهو ما تأكد في حرصهما على الارتقاء بمجالات التعاون القائم بين اليمن وتركيا والدفع به صوب الشراكة الاستراتيجية التي تعود على البلدين وشعبيهما الشقيقين بالخير والنماء والمنفعة المتبادلة، لإيمان الزعيمين بأن أفضل الوسائل لتعميق مسوغات التكامل هي تشابك المصالح المشتركة عن طريق إقامة المشاريع الاقتصادية والاستثمارية وتبادل الخبرات وإقامة المناطق الصناعية وتأمين المزيد من الامتيازات والتسهيلات لانسياب عملية التواصل بين أبناء الشعبين والقطاع الخاص في البلدين لإعادة استنهاض العمق التاريخي الذي تستند إليه العلاقات "اليمنية- التركية" وتقديم الأنموذج الذي يبرز القواسم المشتركة التي تجمع بين الدول الإسلامية والتي بات من الضروري عليها اليوم إمعان النظر في ما يخدم توجهاتها وتطلعاتها في هذا العصر الذي لا يضع اعتباراً إلاَّ للأقوياء. ومن نافلة القول، الإشارة هنا إلى أنه وبالقدر الذي صار فيه العرب بحاجة ماسة للتعاطي مع العمق الإسلامي بإيجابية أكبر ومفهوم أوسع يكسر الجمود ويبدد الفتور، الذي اكتنف جوانب كبيرة في علاقات العرب بأشقائهم في الدول الإسلامية، فإن العالم الإسلامي هو الآخر بحاجة قصوى للانفتاح أكثر على شعوب الدول العربية للنهوض جميعاً بنفس الدور الذي صارت تضطلع به اليوم العديد من التكتلات على الصُعد الاقتصادية والاستثمارية والسياسية. ونعتقد أن اليمن وتركيا بوسعهما أن يتحركا معاً في هذا الاتجاه بحكم ما يحملانه من رؤى متقاربة في هذا الجانب أو في غيره، فاليمن بما يتمتع به من تأثير ومكانة رفيعة في نسيجه العربي لاشك وأنه قادر إلى جانب تركيا التي أصبحت اليوم لاعباً محورياً في العالم الإسلامي بل والدولي، على صياغة ملامح هذا التوجه للتعاون والتقارب وتوحيد الطاقات والجهود وفق مفاعيل المصلحة المشتركة، وتبديد ذلك الانطباع السائد عن الأمة العربية والإسلامية التي دائماً ما يصمها الآخرون بأنها أمة ما تزال عاجزة عن استيعاب حقائق العصر الراهن وأنها تفتقد لروح المثابرة والقدرة على تغيير الصورة التي تشكلت عنها، إلى درجة أن هناك من يصفها بأنها عدوة نفسها وأن مجتمعاتها لا تفكر إلاّ في اللحظة التي تعيشها وأن علاقاتها ببعضها البعض تحكمها العاطفة وليس المنظور الواقعي الذي تتزاوج فيه العاطفة بالمصلحة والإرادة الواحدة!!. ومما سلف يغدو من الواضح والجلي أن ما تطرقت إليه القمة "اليمنية- التركية" يوم أمس من موضوعات قد رسمت الكثير من العناوين التي يمكن البناء عليها لإقامة الأنموذج الثنائي للشراكة الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين ليصبح القدوة التي يُقتدى بها على المستوى الأكبر والأعم، خاصة في ظل الرغبة الأكيدة التي أبداها الزعيمان فخامة الرئيس علي عبدالله صالح وأخوه فخامة الرئيس عبدالله غُل في إنجاز هذا الأنموذج الذي يمكن له أن يتطور وينمو ليمثل في النهاية المحفز الأساس لصنع التحول "العربي- الإسلامي" الذي ينتقل بالتطلعات والآمال الكبرى لأمتنا من دائرة الأحلام إلى حقائق على أرض الواقع. وفيما تحدونا الثقة في أن المباحثات "اليمنية- التركية" والنتائج التي ستتمخض عنها زيارة فخامة الرئيس عبدالله غُل لليمن، ستفضي إلى الدفع بالعلاقات "اليمنية- التركية" إلى مستوى أكبر من التعاون المثمر والشراكة البناءة في مختلف المجالات والصُعد، نثق أنها ستنعكس أيضاً بإيجابية على مجريات التفاهم والتقارب بين الدول العربية والإسلامية، خاصة وأن تركيا باتت تبني استراتيجيتها الكبرى على ضوء قراءة ثاقبة لتاريخها وجغرافيتها المركبة ما بين البحار والمضايق، التي تجعل أمنها يمتد في جغرافيته من جبال الأناضول وتخوم روسيا إلى المحيط الأطلسي غرباً، ناهيك عن صلتها الوثيقة بالعالم العربي الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والتي جعلت منها حليفاً استراتيجياً في نصرة القضايا العربية وفي الصدارة منها قضية الشعب الفلسطيني، ولم يكن موقفها المشرف من الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة سوى تأكيد على أن تركيا تُحسن بالفعل قراءة أين تقف؟ وأين تضع أقدامها؟ وكيف تصنع المواقف المشرفة والمبدئية؟.