ظل الرئيس هادي يرفض افتتاح عهده بالحروب، خاصة مع اقتراب تأسيس دولة اليمن الاتحادية، إلا أن الدماء التي سالت في عهده في ثلاثة سنوات تساوي ما اسيل في عهد سلفه في ثلاثة عقود.. وتمنع هادي عن الحروب ينطلق من رؤية سياسية قديمة تتحدث عن فضيلة أخلاق القائد، وهي رؤية قوضها المفكر الإيطالي ميكافيللي في كتاب "الأمير" حيث رأى أن "فاعلية القائد أهم من أخلاقه، وأن القائد المهاب أهم من القائد المحبوب". صحيح أن الحوثيين وتنظيم القاعدة كانا حجر الزاوية في كل هذا الدمار، لكن الناس عادةً يسألون: أين شخصية الرئيس، وفاعليته، وهيبة الدولة المتمثلة في شخصيته؟ وحقيقة التحالف بين هادي والحوثيين جاء وفقاً لاتفاق رعته عُمان بين الرئاسة اليمنيةوإيران، حين التقى هادي بوزير الخارجية العماني على هامش القمة الاقتصادية العربية بالكويت، وبدأ الوزير يتحدث عن الدور الإقليمي الفاعل لإيران وإمكانية إسهامها في تحقيق الاستقرار في اليمن إذا ما حدث تقارب معها، وكان رد الرئيس هادي مستفزاً حين تحدث عن "دسائس" إيران ودورها في دعم الجماعات المسلحة، وزعزعة استقرار اليمن، ومع استطالة هادي في النقد، شد على معصمه شريكه في الأريكة بما معناها: "خفف من حدتك تجاه إيران" وهنا استدرك هادي وقال للوزير العماني: "لكن إذا وُجِدَ أي تقارب مع إيران لن يكون إلا عبر السلطنة". أعقب ذلك اللقاء إتصالات وزيارات سرية بين صنعاء ومسقط، وحين رضخ الرئيس هادي أوفد رئيس جهاز الأمن القومي علي الأحمدي إلى طهران، وكانت خلاصة الزيارات الموافقة على تمكين الحوثيين من دخول صنعاء لتوجيه ضربات قاتلة إلى حزب الإصلاح الإخواني وحليفه اللواء علي محسن الأحمر، وجر الإصلاح إلى حرب أهلية تفقده مشروعه السياسي المدني، وربما يمهد ذلك لقرار أممي بإدراجه ضمن الجماعات الإرهابية. وفي حسابات هادي أن الجو السياسي سيصفو له، بعد القضاء على الإصلاح، وسيستفرد بالسلطة وإعطاء الحوثي بعض الوزارات مكافأة لدوره، غير أن الحوثي دخل صنعاء ولم يجد من يقاتله، فنهب المعسكرات وسحب السلاح الثقيل، وسيطر على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والمالية، حتى أصبحت سلطة القرار السيادي تحت رحمته. في غفلة من الوعي قرر الرئيس هادي رفع الدعم عن المشتقات النفطية؛ وأحسن الحوثيون استثمار غضب الشارع فهتفوا باسمه ضد القرار الجائر وقرروا إسقاط صنعاء.. ولاحقاً قال الإيراني ميرزا حسن المدير الإقليمي للبنك الدولي إن هادي رفع سعر الوقود أكثر من المتفق عليه، وكأن هادي خلق مبرراً لزحف الحوثيين تجاه العاصمة، وتمكينهم من إسقاطها وفرض واقعا تقوده ميليشيا مسلحة عبر لجان شعبية، هي من يدير كافة شئون الحياة، بما فيها القوات المسلحة والبنك المركزي، وبهذا تحول هادي من رئيس شرعي إلى موظف إداري يحمل ختم الرئاسة، ويستخدم الطرف الآخر ختمه واسمه. عشية السبت 27 سبتمبر الماضي كان الرئيس هادي يرتب لكلمة سيلقيها اليوم التالي في حفل تخرج دفعات عسكرية وأمنية، وتفاجأ كبار قادة الدولة أن رئيس البرلمان يلقي كلمة رئيس الجمهورية بالإنابة، وبحسب معلومات متواترة تتبعتها فقد كان سبب غياب هادي خليطاً من النصائح المبطنة بالتهديد، حيث يفرض الحوثيون وجود أفراد مسلحين على مداخل مقر الحفل في معسكر القوات الخاصة وسط العاصمة، ما يعني أن حياة الرئيس ستكون في خطر لو تعرض لحصار في الداخل، وهي ذات النصائح التي منعته من الخروج لأداء صلاة العيد خارج أسوار دار الرئاسة في حي السبعين. وهادي ما بعد 21 سبتمبر ليس كما قبله، فهو الآن في نظر الحوثيين موظفاً تابعاً، وبلا شرعية، لسببين؛ الأول: أن فترة رئاسته انتهت في 21 فبراير الماضي بموجب المبادرة الخليجية، والآخر: أن الحوثيين قادوا انقلاباً عسكرياً عليه أفقده كل شيء، وهو انقلاب أكد عليه رئيس جهاز الأمن القومي لصحيفة السياسة الكويتية، وقال إن توقيع إتفاقية السلم والشراكة بعد ساعة واحدة من إسقاط الحوثيين لكامل مؤسسات الدولة وفر غطاءاً شرعياً لانقلابهم. صحيفة الناس [email protected]