نايف القانص لا يمكن بناء دولة مدنية يسودها النظام، ويحكمها القانون، وتقوم على المواطنة المتساوية والتداول السلمي للسلطة، ما لم يتحرر العقل أولًا، وينطلق نحو العلم والمعرفة، تاركًا خلفه تلك الغمامة الرمادية التي حاولت قوى التخلف والرجعية والكهنوت أن تفرضها عليه، مستغلةً العاطفة الدينية، وضعف الثقافة والاطلاع. لقد عمدت هذه القوى إلى استغلال مقدرات الدولة لفرض فكر تقليدي جامد، وتغيير بنية المجتمع وهويته، والسيطرة على مفاتيح المعرفة ابتداءً من المدارس، مرورًا بوسائل الإعلام، وانتهاءً بتشكيل الوعي العام. فتم تغيير المناهج التعليمية، وتنظيم ما يُسمى ب"الدورات الثقافية"، التي تُلقَّنُ فيها العقول الناشئة مفاهيم الطاعة العمياء، وتُزرَع الكراهية والانغلاق باسم "الهوية الإيمانية". وفي موازاة ذلك، تم تجويع المجتمع وإغراقه في الفقر، عبر قطع المرتبات، وفرض الجبايات، وخلق الأزمات المفتعلة، وإشعال الحروب الخارجية، ليصبح همّ المواطن الأساسي هو البحث عن لقمة العيش، بدلًا من التفكير أو الاحتجاج. ومن ثمّ، تُفرض قوانين الطوارئ، وتُشيطن الأصوات الحرة، ويُتهم كل من ينتقد أو يتذمّر بالخيانة والتخابر مع "العدو"، لتُصنَع بذلك حالة من الرعب وتكميم الأفواه، تُجهِض أي وعي جنيني يمكن أن ينمو. هذه السيطرة على العقل تُصعِّب من إمكانية استعادة الوطن بصورته الطبيعية. فاستعادة اليمن تبدأ من استعادة عقل الإنسان اليمني الذي أُغرِق في الضلالة، وقُيّد بالتضليل والخداع باسم الله، و"الحق الإلهي"، و"نعيم الآخرة". لقد دُفع بالشباب إلى محرقة الجبهات تحت شعارات "الشهادة"، و"بنات الحور"، في حين أن الحياة نفسها تحوّلت إلى جحيم. إن معركة استعادة العقل ليست معركة فكرية وحسب، بل هي معركة لاستعادة الفطرة الإنسانية، والوطن، والهوية، والمحبة، والسلام، والتنمية، والإعمار. إنها معركة من أجل صنع جنة على الأرض، تسبق الجنة الأخرى، وتقوم على القناعة والعمل الصادق، لا على نظام يتاجر بالدين، ويستغل العواطف، ويحارب كل ما هو جميل، ويُقصي الآخر، ويطرد التعايش مع بقية البشر.