استعرضت الحلقتان السابقتان الأصول الفكرية والسياسية للحركة الحوثية، مستخلصتين أنها جاءت كحركة إحياء زيدية دعاها الاختراق السني للجغرافيا الثقافية الزيدية عبر حاملي الإخوان المسلمين، والحركة السلفية الوهابية للميل إلى الزيدية الجارودية القريبة من الجعفرية في بعض مقولاتها، أو بعبارة أخرى اتخاذ وجهة الزيدية المتشددة، مرتكنة إلى الطبيعة السياسية الثورية الداخلة في صلب الفكر الزيدي، لاسيما المتعلقة بالخروج، ومتأثرة بالفكر السياسي للثورة الخمينية في إيران، وحزب الله اللبناني، خصوصاً ذلك المتصل بالحركات السياسية القومية، وبعض الإسلامية السنية، وبشكل أكبر في الخطاب السياسي حيال الغرب وإسرائيل. ونتيجة لأحداث متسارعة في اليمن منذ العام 2011 استطاعت الحركة الحوثية بناء طيف واسع من التحالفات القبلية والاجتماعية والسياسية في المشهد مكنها في شهور العام 2014 من بسط نفوذ سريع على معظم المحافظات الشمالية ما ألقى في المشهد اليمني تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية، قبل الولوج فيها نضع على طاولة الحركة ملاحظات عامة، سنأتي على مناقشة قدر من التفاصيل حولها حسب الحاجة. الأولى، أن هناك ثنائية في السلطة على معظم محافظات الشمال، شخصها القيادي الحوثي علي البخيتي بأنها سلطة شرعية شكلية وسلطة فعلية لا تمتلك الشرعية، يقصد بالأولى سلطة هادي –على تآكل مشروعيتها-وبالثانية سلطة الحوثيين على الأرض. وليس من الصعوبة إدراك مخاطر هذه الازدواجية على الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية، وربما على كيان الدولة على الأقل لناحية انحصار الازدواجية في مناطق الشمال دون الجنوب وما لذلك من تداعيات، حاصلة حقاً على خيار الوحدة، ولناحية إرباك المشهد السياسي وتشويهه وإبقاء اليمنيين على موعد غير مسمى مع انهاء الفترة الانتقالية وتركها مفتوحة ليس فقط على الزمن بل وعلى كل السيناريوهات السيئة، سيما وتجارب اليمنيين مع فترات الانتقال السياسي لا تبشر بخير. ونتمنى أن يتفق الطرفان، السلطة الشكلية والفعلية، على تفاصيل وزمن دمج اللجان الثورية والشعبية في أجهزة الدولة، على ما لذلك من تجاوز لقوانين الخدمة المدنية والعسكرية وإضافة أعباء على مالية الدولة ربما ستكون في الحدود المقبولة إذا ما قابلها إزالة الازدواج والوظائف الوهمية وتفعيل التقاعد. الملاحظة الثانية، وهي مرتبطة بالسابقة في جانب قوة الحوثيين وسلطتهم على الأرض. وإن كان المدى الجغرافي والسياسي الذي يستهدف الحوثيون الوصول إليه تشوبه الضبابية إلا أنه يمكن القول إن الحوثيين حالياً يتمتعون بأفضل وضعية تفاوضية تمكنهم من فرض شراكة في السلطة لصالحهم وتمنحهم ضمانات تقلل من التأثير السلبي على حركتهم في حال تبدلت طبيعة التحالفات والسياسات. قد لا يحصل الحوثيون على وضعية سياسية أفضل حتى لو تمكنوا من إزاحة هادي، على سوء، بل غيابه عن إدارة البلد. على العكس فإن ولوجهم السلطة بديلاً للسلطة الضعيفة القائمة ستضعهم في مواجهة أزمة المشروعية ومشكلة استقطاب شركاء في السلطة، علاوة على التحمل المباشر لمسؤولية أعباء الدولة، إضافة لمدى قدرتها على طمأنة المجتمع الدولي الذي يعتبرها امتداداً غير مرغوب للنفوذ الإيراني إلى أحد أهم مضايق التجارة العالمية، وقدر استطاعتها الدخول في مواجهة سياسية واقتصادية مع المحيط الإقليمي الخليجي الغني والنافذ بقيادة السعودية والحليف المصري. وتتعلق الملاحظة الثالثة بمدى إدراك قيادة الحركة الحوثية لمخاطر النصر السريع الذي حققته ميدانياً خصوصاً إذا لم تتمكن من الحفاظ على تلازمه مع المبررات الأخلاقية الحقيقية. أو كما أشار الصحفي محمد عايش إلى حاجتها للانتصار الأخلاقي أكثر من الانتصار العسكري، ومعه. التاريخ -مع استثناءات نادرة –سجل انكسارات وحتى أفولا سريعا للمنتصرين سريعاً على المستوى العسكري المجرد من انتصارات أخلاقية، ومع الاحتفاظ بالفوارق نشير إلى الانتصار الصاعق للعرب المسلمين وبقاء الحضارة الإسلامية ووعائها اللغوي على مدى القرون في مساحة جغرافية وبشرية واسعة، بسبب الانتصار الأخلاقي أساساً. وبالموازاة انقراض حضارات وامبراطوريات إلا من آثار مكتوبة لافتقار انتصاراتها العسكرية للانتصارات الأخلاقية. الحلقة (3) لمتابعة الحلقة الثانية أضغط على الرابط التالي... http://alahale.net/article/19759