منذ أكثر من ثلاثة عقود لم تعد المؤسسة العسكرية والأمنية ذات اعتبار وقيمة وطنية، ذلك لأن الواقع المعايش منذ سنوات ولازال أثبت وبرهن للجميع بأن المؤسسة العسكرية تخلت عن غالب مهامها إن لم تكن بأكملها، وراحت تستجيب لتطلعات أصحاب المشاريع الشخصية والصغيرة التي كان آخرها تمرير مشروع التوريث، المشروع الخبيث الذي قاد اليمن إلى ويلات ومآسي عديدة، وغاب خلال الفترة الماضية عن منتسبي القوات المسلحة والأمن الكثير والكثير من معاني الوطنية والإخلاص والولاء والفداء من أجل هذا الوطن إلا من رحم ربي وهم بكل تأكيد قلة، ولا يلامون في ذلك كون جميع أبناء الوطن شغلتهم لقمة العيش وشظف المعيشة وافتقر الجميع للانتماء لهذا الوطن، وراح كل منا يفسر الوطنية والولاء الوطني حسب ما تمليه رغباته ومصالحه وليس ما يمليه الوطن علينا تجاهه. وباعتقادي أن نظام صالح المخلوع كان اليد الطولى لجعل الانتماء للوطن بعيدا عن مهامنا وتفكيرنا وحساباتنا، كون تحقيق أهدافه الذاتية ومطامعه الشخصية تتأتى من هذه البوابة غير الصحية، فسعى بكل ما أوتي من قوة لإفراغ الوطنية والجمهورية والوحدة والديمقراطية وغيرها، سعى لإفراغها من مضامينها الحقيقية وأبقى على المصطلحات دون ملامستها للواقع، وأدرك الجميع بأن تللك المسميات عبارة عن ديكورات خارجية لتمرير مشاريع سرطانية بحق الوطن وليس بناء جيش بكل قواه وعتاده لتمرير التوريث عنا ببعيد. واستخدم صالح مسمى الحرس الجمهوري كي يقنع الشعب بأن هدفه الإبقاء على النظام الجمهوري، ولذا كان من الطبيعي أن نسمع من ينادي بالانفصال بدلا عن الوحدة والملكية بدلا عن الديمقراطية، ووجدنا من يحن إلى الماضي العتيق رغم كل مثالبه وسوءاته. أعود وأقول بأن مسألة هيكلة الجيش باتت مطلبا شعبيا وسياسيا وعالميا، ولابد من الشروع الفوري في هيكلة الجيش دون تلكؤ أو تباطؤ، وينبغي أن تكون على أسس وطنية ومعايير مهنية عالية ومؤهلات علمية وخبرة ميدانية كبيرة، وينبغي على الرئيس هادي وحكومة الوفاق أن تجعل الأسس الوطنية هي الأصل في الهيكلة بعيدا عن روح الوفاق والتوافق السياسي الحاصل حتى انتهاء المرحلة الانتقالية، لأن الهيكلة على أسس الوفاق الوطني ستعيد الأمور كلها إلى مربع الصفر، وكأنك يا بو زيد ما غزيت، وسنتفاجأ بعد كم شهر أو سنة بأننا اشترينا الوهم بثمن غالي جدا، ولم تتحقق النتائج التي رسمها شهداء الثورة، وبذا سنجد الخطأ الذي ارتكب في الفترة السابقة هو ذاته لم يتغير، وعندها لا حكمة يمانية نفاخر بعها ولا يحزنون. وعلى القائمين على مسألة الهيكلة أخذ الاعتبار بدرجة رئيسة الاهتمام والنظر بجدية إلى مرتبات الجيش كونها حجر الزاوية في تنمية الحس الوطني والتضحية، إذ كيف نريد من أفراد الجيش أن يكون ولاءهم للوطن في ظل مرتبات لاتسمن ولا تغني من جوع، فمن الطبيعي أن يباع الولاء لمن يعطي أكثر ويهتم بهم، ومن نقطة الهيكلة التي ستعيد الاعتبار للمؤسسة العسكرية والأمنية، نكون بدأنا ثورتنا الحقيقية والمهمة، إذ أن الجيش اليمني بكل مكوناته المتعددة فقد العديد من أهم المقومات التي تجعله حارس من أجل الوطن. وليس ذلك فحسب بل إنه تورط بقتل شباب الثورة السلمين طوال العام الماضي في سبيل الدفاع عن مصالح عائلة، ولم يتوفق الجيش اليمني لنيل شرف الدفاع عن الوطن وحمايته كالجيش المصري والتونسي، ويعيش الجيش منذ فترة طويلة وسط بحار من الفساد والإفساد التي لا يعلمها إلا الله والراسخون في فساد النظام البائد، وبهيكلة الجيش سينتهي الانقسام الحاصل داخل مؤسسات الجيش وسيكشف كل المتآمرين على الوطن وأبنائه، ومن تلك الاعتبارات وغيرها مما لا يسع المجال لسردها. تتربع مسألة هيكلة الجيش باعتبارها مسألة لا تتطلب أي تأجيل أو تأخير على الإطلاق في هذه اللحظات التاريخية، ونتمنى أن تكون هيكلة الجيش بعيد عن أعين ووصاية الأيادي الخارجية، لأن ارتباط الجيش بالوصاية الخارجية تعد معيبة وغير مرغوبه لدى شباب الثورة الذين خرجوا ثائرين على الوصاية الخارجية والداخلية. * الأهالي نت