يجمع كل معارضي النظام السوري، ومعهم المحايدين كذالك، على إن نجاح الثورة السورية ونهاية النظام الاسدي قد اقتربا وأصبحا وشكين.. هذا التأكيد لم يأتي من الثوار الذين يناضلون في الداخل السوري وحسب، كما انه لم يأتي من أعضاء المجلس الوطني فقط، بل جاء على لسان العديد من الشخصيات المؤثرة إقليميا و دولياً كووزير الخارجية التركي (داود أغلو) ونظيرته الأمريكية (هيلري كلنتون)والعديد غيرهم من الساسة الفاعلين والمهتمين بالشأن السوري. إلا إن الأبرز من بين كل تلك التصريحات كان للجنرال روبرت مود -رئيس بعثة المراقبين الدوليين- الذي أكد على إن النظام السوري يتآكل من التداخل وان سقوطه لم يعد إلا مسألة وقت لا غير ..تصريح مود هذا أتى قبل أن ينهي مجلس الأمن مهمة البعثة في سوريا خصوصاً بعد الفشل الذر يع الذي أصابها بسبب الشلل الذي فرضه النظام السوري على تحركاتها وعدم قدرتها على مواكبة الأحداث وملاحقة وتوثيق الجرائم التي كانت ترتكب بحق أبناء الشعب السوري المكلوم. إنهاء بعثة المراقبين الدوليين لم تكن الخطوة الوحيدة التي أظهرت فشل الحل السياسي بسوريا، بل سبقها بأسبوعين تقريباً استقالة المبعوث الأممي الدولي المشترك كوفي عنان الذي علل استقالته بعدم استجابة الطرفين لطلب الحوار والسعي الدائم منهما لعسكرة الصراع. حقيقتاً يبدو لي أن دبلوماسية عنان الزائدة دفعته إلى عدم الإفصاح عن هوية الطرفين المتصارعين، فالطرف الأول وكما يعلم الجميع هو النظام الاسدي الغاشم، أما الطرف الأخر فهو الشعب الذي لم يكن يعي النظام بأنه يواجهه وانه سيقدم كل ما يمتلك في سبيل الخلاص منه. وهذا بالفعل ما حدث، فالشعب السوري أو كما تسميها وسائل الإعلام (المعارضة) لم تتوانى عن بذل كل ما تمتلكه من مال ودم مقابل الحصول على الحرية، بل إنها قدمت علاوة على ما سبق عرضها الذي انتهك من قبل الشبيحة والجيش النظامي في السجون والأقّبية المظلمة بعد أن اعتمد النظام السوري سياسة الاغتصاب الممنهج كوسيلة لترهيب الثوار إلى جانب القتل والتجويع. النظام السوري لم يعد يتلقى الضربات السياسية من الخارج وحسب بل من الداخل أيضا فنشقاق العميد مناف طلاس و انشقاق السفير السوري في العراق نواف الفارس وأخيرا انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب كانت بمثابة الضربات القاضية التي جعلت النظام السوري يترنح فعلاً ، كما إن حادث دمشق الذي راح ضحيته وزير الداخلية ووزير الدفاع وصهر الرئيس السوري اّصف شوكت الذي كان يوصف بالأشرس من بين أعضاء خلية إدارة الأزمة اثبت مدى اختراق النظام من الداخل. ميدانياً كان يعلم الثوار جيداً إن الحل السياسي قد مات منذ أن اختار النظام السوري سياسة الأرض المحروقة ليتعامل بها مع الثورة المباركة، فلجئ المتظاهرون السلميين إلى حمل البندقية والتوجه إلى الكفاح المسلح للقتال إلى جانب الجيش المنشقين عن الجيش النظامي أو كما يسموها (كتائب الأسد)والقتال معهم جنباً إلى جنب تحت لواء الجيش السوري الحر، وهو الذي قلب الطاولة وقدم عطائات رائعة في الميدان برغم قلة العدة والعتاد التي يعاني منها.. فالجيش الحر استطاع أن يصل إلى دمشق واستطاع أن يسيطر على مساحات واسعة من الأرض السورية كما انه يقود اليوم معركة مصيرية في حلب لتكون محور نقطة انطلاقه إلى العاصمة دمشق وتحريرها من عفن الأسد. من الغريب أن نرى النظام السوري الذي عرف ببطشة وقوته يحتضر اليوم ويلفظ أنفاسه الأخيرة، ومن الأغرب أن نرى بأن العديد من الدول العظمى لازالت تربط بقاء نفوذها بالمنطقة ببقاء الأسد.. فروسيا والصين وإيران تأبى وان توقف نزيف الدم السوري بل هي تمد النظام بما يحتاجه من ترسانة عسكرية تمكنه من أرقاة الدماء طويلاً كما إنها تدعمه سياسياً في مجلس الأمن وهو ما يزيد من أمد الأزمة وينهي فرص الحوار الذي تدعوا له موسكوا وطهران. المؤلم هو إن إيران وحزب الله ذهبا إلى ما هو أبعد بكثير من الدعم المالي والعسكري والسياسي حيث لم يتوانيا عن إرسال المقاتلين الإيرانيين واللبنانيين إلى سوريا كي يوغلوا بدماء إخوتنا هناك. النظام السوري بدوره لم يكتفي بتفجير الوضع داخلياً وإحراق النسل والحرث بل انه وسع من دائرة النزاع، حيث دأب على نقل الصراع إلى جارته لبنان عن طريق قصف عدد من القرى اللبنانية المحاذية للحدود السورية وكذالك محاولة إشعال الحرب الطائفية عن طريق استهداف رجال دين وقيادات سنية شهيرة ولكن المخطط الأخير هذا باء بالفشل بعد أن تم اكتشاف الاتفاق الذي تم بين وزير الإعلام اللبناني السابق ميشال سماحة ورئيس قطاع الأمن القومي السوري وهو ما نص على زرع عبوات ناسفة تستهدف شخصيات سنية مهمة. محاولة زرع الفتنة هذه لم تكن الوحيدة، فقد قام الجيش النظامي والشبيحة باستهداف الكثير من القرى السنية في الداخل السوي وذالك لتحويل الثورة السورية إلى حرب طائفية تستطيع من خلالها إيران إقحام نفسها أكثر لقمع الثورة السورية بسهولة. هذه الأحداث وغيرها تثبت إن سياسية النأي بالنفس التي تتبعها الحكومة اللبنانية ليست مجديه البتة خصوصاً وإنها تتمتع بنسج طائفي متنوع قد يؤدي في حال تمزيقه إلى اندلاع حرب أهلية تعيد ذكريات الثمانينيات المؤلمة، فإذا كانت سياسة النأي بالنفس فاعلة حقاً فالأجدى بها أولا أن تقيل حكومة ميقاتي الحالية التي عينت من قبل نصر الله وبشار الأسد، ولكن يبدو إن هذه السياسة لا تطبق إلا فيما يخص وضع اللاجئين السورين بلبنان ولكنا تظهر عقمها التام عندما تمس حزب الله ودعمه الواضح للأسد ونظامه. من الناحية السياسية يزداد الملف السوري تعقيداً كما أن الحلول الدبلوماسية تقل وتصبح معدومة مع مرور الوقت ولكن ميدانياً تتضح لنا الصورة جيداً، حيث يثبت لنا الجيش السوري النظامي بمجازره المتتالية إن من يتحدث عن الحل السياسي هو كمن يغرد خارج السرب أو هو ماريا أنطوانيت عندما أبلغت بان شعبها لا يجد الخبز فقالت لهم فليأكلوا البسكويت. الآن يدرك كل المتابعين للوضع في سوريا إن نجاة الشعب السوري من آلة القتل لن يكون إلا عن طريق توجيه الدعم للجيش السوري الحر، فنظام قاتل كنظام بشار لن يتوقف عن سفك الدماء إلا إذا تم التلويح له بالعصا الغليظة وهنا أعني التدخل الخارجي أو دعم الجيش الحر وان كان الأول قد أصبح مستحيلاً فعلينا أن نتوجه صوب الأخر لأنه الحل الوحيد القادر على انتشال السورين من بحر الدماء.