يوم الرابع عشر من فبراير أو بالاحرى من مساء ذلك اليوم تحمّر الشوراع ، وتتزين المحلات بالورود الحمراء ، وتغرق بدببة تحمل قلوبا حمراء.. ويسهر العاشق الولهان يفكر ويضربُ أخماس في أسداس ماذا يُقدم لعشيقته ، وتلك هجرها النوم تُفكرُ ماذا عساها تُقدم لحبيبها وماذا سُيقدمُ لها. وتتنظر تلك الزوجة بلهف ٍ وشوق ٍ قاتلين تنتظر ذلك اليوم حتى تسمع كلمة {أحبكِ} التي ربما لم تسمعها سوى ذلك اليوم فهو عيدٌ بالنسبة لها ، كما هو حال ذلك الزوج .. وهكذا .. فمن الحبِّ "ماقتل". وبين تلك المشاعر الحمراء المُختلطه تذكرت تلك الحادثة التي حدثت مع الإمام البناء رحمه الله عندما كان في جولة يتفقد فيها مواقع المعركة على أرض فلسطين إذ رأى فتى صغيرا ً يحمل بندقية بين يديه وتبدو عليه روح الجهاد والصرامة فسأله الإمام : ما اسمك يا فتى؟ فقال : قيس ، فقال له مداعبا ً : وأين ليلاك يا قيس؟ فقال : ليلاي في الجنة ! هنا تذكرت وعرفت وأدركتُ ماهو الحبُ الحقيقي !!، لا ننكرُ الحبّ فالحب ماء الحياة ونهرها العذب السلسبيل ، وطعم الوجود ، ولذة الدنيا ، وغذاء الروح وبهجة القلب ، وضياء العين ونور الفؤاد ، حياة بلا حب حياة باهتة .. الحب ُ الحقيقي هو ذلك الحب الذي يدوم بين الزوجين طوال العام وطوال العمر فتسمع منه ويسمعُ منها ، الحبُ الحقيقي هو قوله تعالى { وعاشروهنَّ بالمعروف} الحب ّالحقيقي هو قوله تعالى { ولهُنّ مثلُ الذي عليهنّ بالمعروف } هو قول الحبيب صلى اللهُ عليه وسلم { {استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيرا} وقوله { خيركم خيركم لاهله } هو قوله صلى الله عليه وسلم عندما سُل عن عائشة قال: { رُزقتُ حبها} أو"رزقني اللهُ حبها ".. الحب هو كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد والحاكم عن الحصين بن محصن : أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أذات زوج أنت ؟ قالت نعم قال : كيف أنت له ؟ قالت ما آلوه ( أي لا أقصّر في حقه ) إلا ما عجزت عنه . قال : " فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك " أي هو سبب دخولك الجنّة إن قمت بحقّه ، وسبب دخولك النار عن قصّرت في ذلك. هو قول النبي صلى الله عليه وسلم {إذا صلت المرأة خمسها و صامت شهرها و حصنت فرجها و أطاعت زوجها قيل لها : ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت}. الحبُّ هو عندما يسمع المحبون منادي الحبيب ( حي على الفلاح ) فيهجرون الفرش ، ويطردون الكرى ، ويمتطون الأقدام في وهج الشمس أو لوعة البرد ، وكأنما يمشون على الحرير ، ويطرق أسماعهم ( حي على الكفاح ) فيبذلون المهج ، ويقدمون الأرواح ، ويزهقون الأنفس ، ويهريقون الدماء . ويتلى عليهم { وأنفقوا مما رزقناكم } فيتسابقون بالغالي والنفيس ، ويبذلون من أعز مايملكون ، وأفضل مايحبون ، ويعطون عطاء من لايخشى الفقر . ويرتل عليهم { ولله على الناس حج البيت } فيقبلون من كل فج عميق ، وواد سحيق ، شعثا غبرا خماص البطون ، ظمأى الأفئدة ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لاشريك لك لبيك.. الحبُ هناك في سوريا حيثُ تُضرج الدماء وتُزهق الأرواح وتسيل تلك الدماء الطاهره فُتسقي الأرض فتخضر وتحمّر ، هناك حيثُ تقدم أرواح الأطفال قرابين وحُباً في الكرامة والعزة , هُناك حيث تتزين الشوارع بدم الشعب من درعا إلى حمص وحلب الشهباء ودير الزور.. الحبُ هناك في سوريا ملاذ العُشاق ومأوى النُساك وملجأ العُباد ومحراب الابطال ورحم الحرائر الكل مرواْ من هناك فزرعوا بدمائهم الطاهره تراب سوريا الطاهر.. ولست هنا بصدد تحليل أو تحريم، لأن الجميع يعرف أن أعياد المسلمين ثلاثة فقط: الأضحى،الفطر، والجمعة.. وما غير ذلك دخيل. ولكن؛ القلوب التي آثرت الاحتفال والغناء وتوزيع الهدايا الحمراء وغير الحمراء لا تذكرني كلما رأيتها إلا بدماء الشهداء والأبرياء في بلادنا العربية، إخواننا في فلسطين وسوريا ومصر. واليمن ومالي والعراق وبورما ، والكثير من بلاد المسلمين التي تعاني كل يوم من الظلم من إخوان لهم عرب ومسلمين، أو من عدو غاصب.. ومحتل بغيض! همسة أخيرة : أشم رائحة دم طفل بريء بكت أمه أنهارا من دموع حفرت على وجنتيها خنادق الألم والحسرة.. في وردتك الحمراء الحبيبة! وكلَّ عامٍ والإسلام بخير .