الأزمة اليمنية لم تضع أوزارها بعد، رغم مرور حوالي السنة على اتفاق المبادرة الخليجية، الذي أدى إلى تنحية الرئيس علي عبد الله صالح، ومجيء الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتشكيل حكومة باسندروة التوافقية. ، فالصراع لا يزال على أشده بين السلطة الحاكمة المدعومة أميركياً وخليجياً من جهة، وقوى المعارضة الوطنية والشعبية الراديكالية من جهة أخرى، حيث تمكنت المعارضة من تعطيل عملية إعادة تشكيل وتجديد النظام السياسي بما يؤمن استمرار ارتباط اليمن بالسياسات الأميركية اقتصادياً وسياسياً وأمنياً. على أن هذا الصراع المستمر الذي اتخذ أشكالاً متعددة، سجل تطورات جديدة تؤشر إلى أن اليمن سيشهد في الفترة القادمة مزيداً من التأزم على كل المستويات. التطور الأول: ازدياد ملحوظ في حجم التدخل العسكري الأميركي في شؤون اليمن الداخلية الذي يحصل تحت غطاء محاربة تنظيم القاعدة والإرهاب، إن كان عبر الغارات المتواصلة للطائرات الأميركية من دون طيار ضد أهداف لتنظيم القاعدة، أو من خلال مشاركة قوات أميركية مع القوات اليمنية في عملية تطهير بعض المدن الجنوبية، ولا سيما عدن، من السلاح، والأخطر أن هذا التدخل أصبح يحظى بغطاء رسمي علني لأول مرة بعد أن كان في السابق مستوراً، ومبطناً. وتجسد ذلك في واقعتين: الأولى: إعلان الرئيس منصور هادي موافقته على الغارات التي تشنها طائرات أميركية من دون طيار. الثاني: تأكيد مصدر أمني في وزارة الداخلية اليمنية، وجود غطاء عسكري لحملة اعتقالات تطال مسلحين في مدينة المنصورة، وفق اتفاق يمني أميركي بتطهير عدن من وجود السلاح، وأماكن تجمعاتهم. التطور الثاني: ترافق الكشف عن ارتفاع منسوب التدخل العسكري الأميركي، مع حملة ممنهجة ومبرمجة تتهم إيران بالتدخل في شؤون اليمن، قادها الرئيس منصور هادي الذي عمد إلى اتهام طهران بتقديم الدعم لما أسماه الحراك غير السلمي، ويبدو من الواضح أن مواقف هادي تندرج في سياق: 1 التغطية على التدخل العسكري الأميركي المشرع. 2 التعمية على الأزمة الداخلية، ومحاولة التهرب من الإقرار بوجود معارضة وطنية وشعبية قوية، تعارض سياساته المرتهنة للولايات المتحدة وأنظمة الخليج. 3 تقديم أوراق الاعتماد لواشنطن، لكسب تأييدها إلى جانب سعيه لعزل القيادات الأمنية والعسكرية الموالية لعلي عبدالله صالح، التي يحظى بقاؤها بدعم أميركي لاعتبارات مكافحة الإرهاب والقاعدة. ويظهر أن هادي قد نجح في ذلك، حيث كشفت مصادر عسكرية يمنية، أن السفير الأميركي بصنعاء جيرالد فاير ستاين، عبّر عن تأييد بلاده لأي قرارات رئاسية جديدة سيتخذها الرئيس هادي للتهيئة لعملية إعادة هيكلية الجيش. التطور الثالث: تنامي العداء للسياسة الأميركية إثر نشر مقاطع الفيلم المسيء للرسول الأكرم، والذي تمثل في اقتحام السفارة الأميركية، والذي عزز المعارضة السياسية والشعبية للتدخل العسكري الأميركي في اليمن، ورفضها واستنكارها لتصريحات هادي "التي قدم فيها شعبه وأبناءه ساحة للمحتل الأميركي، معلناً وبكل وقاحة، أنه كان موافقاً على كل الضربات الأميركية". التطور الرابع: أدى تدهور الوضع الأمني في البلاد، وتفاقم الأزمة الاقتصادية الاجتماعية واستعصاء الحل الناتج عن التدخل الأميركي الخليجي، ومحاولة إعادة تعويم النظام أميركياً وخليجياً مع بعض التغييرات الشكلية في الأشخاص، إلى استعار الصراع بين السلطة الموالية للغرب من ناحية، وقوى المعارضة الوطنية والشعبية التي تمكنت من فرض إزاحة صالح عن الحكم، لكنها لم تتمكن بعد من تغيير نظامه. ما تقدم يؤشر كل ذلك إلى الأمور التالية: الأمر الأول: إن محاولة إعادة تشكيل نظام الحكم لا تزال متعثرة بسببين: 1 المعارضة القوية التي تحظى بتأييد شعبي واسع، المعادية للسياسات الأميركية والحكم الموالي لها، والتي تسعى إلى إحداث تغيير جذري في هذه السياسات. 2 تناقضات الطبقة السياسية نفسها وصراعاتها التي تنعكس بانقسام داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، وباحتدام الصراع بين القبائل. الأمر الثاني: عدم تبلور جبهة موحدة للقوى الوطنية التغييرية قادرة على توحيد وتنظيم جهودها وطاقاتها لفرض التغيير، وتحقيق الاستقلال الوطني بعيداً عن التدخل الأميركي، وكل أشكال التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة، وأنظمة الخليج