قصة قصيرة العصرية نت كتب / أحمد عمر باحمادي ( جلال ) طالب جامعي هادئ الطباع ، دمث الأخلاق ، محترم و طيب ، يدرس بكلية من الكليات النظرية ، كان يبدو عليه دائماً شرود الذهن ، و انشغال البال و تبعثر التفكير، إضافة إلى أنه كان غريب الأطوار ، كانت غرابته تكمن في هروبه مباشرة ؛ و خروجه بسرعة عند انتهاء اليوم الدراسي في الظهر .. فمن عادة الطلاب عند انتهاء الدراسة اليومية أن يتناقشوا و يتبادلوا أطراف الحديث ، و يسترجعوا الأحداث الطريفة التي مرت بهم خلال يومهم في قاعة الدرس أو خارجها ، و تسود بينهم روح الفكاهة و النكتة و الضحكات البريئة .. من بين كل تلك المشاهد كان ( جلال ) ينسل من بين زملائه انسلال الشعرة من العجين ، يذهب بسرعة و لا يكلم أحداً و لا يخاطب أحداً ، حتى ( عبد العزيز ) أعز أصدقائه فإنه في تلك الحالة لا يلقي له بالاً رغم انتظاره له عند بوابة الجامعة ليخرجا معاً كما هو الحال قبل سنين مضت . و في ذات يوم ارتاب ( عبد العزيز ) في أمر صديقه ( جلال ) ، و قرر أن يفاتحه في الموضوع و ذلك بأن يعترض طريقه و يمسكه عنوة ليخبره و يصارحه عن سبب تهربه من جميع الطلاب ، و منه خاصة ؛ رغم أنه ينتظره عند البوابة ، و فعلاً في آخر اليوم الدراسي انتظر ( عبد العزيز ) ( جلالاً ) عند البوابة ، فلما همّ الأخير أن يمر بسرعة ؛ أمسك به قائلاً له في عتاب شديد : ( لماذا تتهرب مني يا ( جلال ) ؟؟ ماذا فعلت لك حتى تعاملني هذه المعاملة القاسية ؟؟ أما تدري أننا صديقان منذ الدراسة ؟؟ ألا تراني كل يوم أنتظرك عند البوابة لنخرج سوياً لأتفاجأ أنك تعرض عني و تذهب مسرعاً ؟؟ إشرح لي السبب و قل لي ماذا حدث حتى أعتذر لك إن كنت قد أخطأتُ في حقك ؟؟ ) .. في تلك اللحظات كان ( جلال ) ينظر بحزن شديد إلى عقارب ساعته خلال حديث صديقه ( عبد العزيز ) معه ، و بدا لو أنه كان يتحاشى النظر إليه ؛ و مع ذلك استطاع ( عبد العزيز ) أن يعرف علامات الحزن التي كانت بادية على وجه ( جلال ) .. أجاب ( جلال ) و هو يهم بالانصراف : ( أخي لا زلت و ستظل أعز صديق لي ، و تأكد أن لا شيء في نفسي أحمله تجاهك ، و لكن لا داعي لأن تعرف السبب .. نلتقي غداً بإذن الله .. السلام عليكم ) .. انصرف ( جلال ) في عجلة من أمره ، و ( عبد العزيز ) ينظر إليه حتى توارى عن ناظريه .. لم تكن تلك الكلمات التي بثها له (جلال ) لتبرئ جانبه عن أي تقصير فحسب بل كانت كفيلة بأن تشعل نار الحيرة و تؤجج جمر الارتياب في نفسه أكثر فأكثر .. ( لا بدّ أن أعرف السبب ) قالها ( عبد العزيز ) في نفسه و انصرف قافلاً إلى بيته ، و في اليوم التالي قرر أن يقابل ( أحمد ) شقيق ( جلال ) الذي كان يصغره بعامين ، لكن كلاهما يدرس بالجامعة مع اختلاف في الفترة الدراسية ، فالأول يدرس صباحاً و الآخر مساءً .قصّ ( عبد العزيز ) ل ( أحمد ) تصرفات ( جلال ) الغريبة التي طرأت عليه ، طالباً منه أن يفسر له سرها إن كان يعلم حقيقة بأمره ، عندها قرر أن يخبره بالحقيقة .. هذه الحقيقة التي طالما فضلوا ألا يكشفوها لأحد إلا لربهم علام الغيوب .. قال ( أحمد ) : ( تمر أسرتنا بظروف مادية صعبة ، فأبي لا يجد عملاً إلا فيما ندر ، و نحن طلاب و دراستنا تتطلب مصاريف ، ناهيك عن مصاريف البيت الكثيرة .. جاء العام الدراسي الجديد و نحن على هذه الحال .. لم نستطع شراء ملابس الجامعة إلا لفرد واحد و بصعوبة بالغة .. تحيرنا في الأمر .. كيف نتصرف ؟؟ .. ماذا نفعل ؟؟ و ما العمل ؟؟ حتى اهتدينا إلى فكرة ربما فيها شيء من الصعوبة و لكن الظروف تفرض ذلك .. فأخي ( جلال ) عليه أن يلبس ملابس الجامعة صباحاً إلى حين انتهاء الدراسة .. ثم عليه أن يعود إلى البيت سريعاً لكي لا أتأخر ليخلعها ثم ألبسها أنا فأذهب للدراسة مساءً .. و هكذا نتمكن من الدراسة معاً دون أن يؤثر ذلك على دراستنا و حالتنا المعيشية .. ) عندما علم ( عبد العزيز ) بالحقيقة أحس أنه قد ظلم صديقه ( جلال ) كثيراً .. و في اليوم التالي عندما لقيه في ساحة الجامعة احتضنه باكياً و معتذراً .. ربّت ( جلال ) على كتفه قائلاً له : ( لا عليك يا أخي الحبيب .. هذا هو حال الدنيا .. و دوام الحال من المحال ) . أحبتي : ربما أثرت فينا قصة العدد السابق ( بعد التفتيش ) و ربما هذه القصة أيضاً ، و لا يعنينا إن كانت هذه القصص قد حدثت في جامعاتنا أم في مكان آخر ، المهم أننا لا نسوقها بهدف التسلية و الإمتاع بقدر ما نسطر شيئاً من معاناة طلابنا الذين تجاهلهم الجميع بكل المستويات و أصبحوا يكتوون بنار الأوضاع التي لا تفرق بين طالب علم أو جاهل .. و حتى نلقاكم في عدد آخر فإننا نحثكم على مواصلة طلب العلم و إن وقفت في طريقكم العوائق و المعوقات .. فكونوا ذوي همة .. فأصحاب الهمة هم المؤهلون دوماً لبلوغ القمة .