إشهار جائزة التميز التجاري والصناعي بصنعاء    الهيئة العامة للآثار تنشر القائمة (28) بالآثار اليمنية المنهوبة    انخفاض صادرات سويسرا إلى أميركا بأكثر من الخُمس بسبب الرسوم    وقفات مسلحة في صنعاء القديمة والتحرير نصرة لغزة وتنديداً بجرائم العدو الصهيوني    مجلس القضاء الأعلى ينعي القاضي عبدالله الهادي    سفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا يثمنون دور الانتقالي والقوات الجنوبية    السيد القائد يوجه تحذير شديد للسعودية : لا تورطوا أنفسكم لحماية سفن العدو    البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    استمرار نزوح الفلسطينيين هربا من القصف الإسرائيلي المتواصل على مدينة غزه    المحرّمي يعزِّي في وفاة المناضل والقيادي في المقاومة الجنوبية أديب العيسي    الأرصاد: حالة عدم استقرار الأجواء ما تزال مستمرة وتوقعات بأمطار رعدية على أغلب المحافظات    مقتل مسؤول محلي بمدينة تعز    بتمويل إماراتي.. افتتاح مدرسة الحنك للبنات بمديرية نصاب    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    تغييرات مفاجئة في تصنيف فيفا 2025    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    برغبة أمريكية.. الجولاني يتعاهد أمنيا مع اسرائيل    موت يا حمار    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    يامال يغيب اليوم أمام نيوكاسل    النصر يكرر التفوق ويكتسح استقلول بخماسية أنجيلو    مفاجأة طوكيو.. نادر يخطف ذهبية 1500 متر    نتائج مباريات الأربعاء في أبطال أوروبا    شركة صهيونية :دفاعاتنا الجوية المتطورة مثقوبة أمام الصواريخ اليمنية والإيرانية    أصبحت ملف مهمل.. الحرب المنسية في اليمن والجنوب العربي    عاجل: غارة أمريكية تستهدف ارهابيين في وادي خورة بشبوة    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    دوري أبطال آسيا الثاني: النصر يدك شباك استقلال الطاجيكي بخماسية    حضرموت.. نجاة مسؤول محلي من محاولة اغتيال    مواجهات مثيرة في نصف نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    حياة بين فكي الموت    قيادي في الانتقالي: الشراكة فشلت في مجلس القيادة الرئاسي والضرورة تقتضي إعادة هيكلة المجلس    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    تعز.. وفاة صيادان وفقدان ثالث في انقلاب قارب    برنامج الغذاء العالمي: التصعيد الحوثي ضد عمل المنظمات أمر غير مقبول ولا يحتمل    واقعنا المُزري والمَرير    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    الأرصاد: استمرار حالة عدم استقرار الأجواء وتوقعات بأمطار رعدية غزيرة على مناطق واسعة    مجلس وزارة الثقافة والسياحة يناقش عمل الوزارة للمرحلة المقبلة    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    غياب الرقابة على أسواق شبوة.. ونوم مكتب الصناعة والتجارة في العسل    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    دوري ابطال اوروبا: ريال مدريد المنقوص يتخطى مارسيليا بثنائية    كأنما سلخ الالهة جلدي !    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وهيبة فارع : انا إنسانة ضعيفة ولست امرأة حديدية
نشر في براقش نت يوم 30 - 08 - 2010

لم تقبل بإجراء حوار كهذا من أول "اتصال"، لكن بعد جهود وساطة من نوع خاص، لم تتردد في فتح باب مكتبها والإجابة عن جميع تساؤلاتنا بما فيها الأسئلة المشاكسة والمحرجة إن جاز التعبير.. تماما كما لم تتردد في الإقرار بأنها "أضعف الناس" على عكس وصفها من قبل البعض "بالمرأة الحديدية" وذلك بالنظر إلى ما تتمتع به من قوة شخصية وصرامة وجدية في التعامل أثناء العمل، وروح مفعمة بسيل من الأفكار الثورية والنضالية ورثتها من أزمنة الكفاح والدفاع عن الثورة اليمنية ومكتسباتها.

الدكتورة وهيبة فارع أول امرأة يمنية تتسلم حقيبة وزارة حقوق الإنسان، قبل أن تودعها وتتولى حاليا مهمة عميد معهد العلوم الإدارية بالعاصمة صنعاء، في حوارها مع (اليمامة) السعودية والذي تعيد "السياسية" نشره تستعرض أهم المحطات التي تخللت مشوار حياتها قبل أن تسجل الكثير من المواقف والاعترافات الجديرة بالاهتمام..فإلى نص الحوار
* كيف تصفين مرحلة الطفولة؟
هي مرحلة نقية تذكرني بنقاء القرية التي عشت فيها، فقد كانت من أجمل الأماكن التي عشت فيها حتى الآن، وبكل شيء جميل.. بالمطر، السحاب، الزرع، الهواء النقي، الناس البسطاء، والسواقي، والأودية المترعة بالماء والخضرة, الجبال العالية التي كنا نتسلقها حتى قممها لنقبل السماء, ومع ذلك لم نكن نغرق إلا في الضباب المنتشر فوق هضابها العليا..

*ماذا علق في ذهنك من تلك المرحلة؟
الصفاء، النقاء، الهدوء، التفاني والتعاون المجتمع الصغير المتآلف.. علق في ذهني كل ذلك عندما كنت -رغم صغر سني- أستمع إلى الإذاعة العربية، عبر جهاز الراديو "الأرض بتتكلم عربي" الذي مثل بصمة في حياتي لأني تخيلت العالم وراء الجبال المحيطة من خلال تلك العلبة الصغيرة، وكنت أستمع الى المذيعات في إذاعة صوت العرب كما تستمع الطالبات إلى مدرساتهن، وكان والدي ومعظم أفراد العائلة يحبون الاستماع إلى برامجها فنجتمع حول هذا الجهاز لأن من خلاله نستمع الى نداءات الثورة والثوار خصوصا في اوقات نشرات الأخبار.

*كيف كنت تتخيلين العالم كطفلة مندهشة من خلال الراديو؟
الراديو يعطيك القدرة على التخيل، تتخيل أشياء كثيرة من ضمن الأشياء التي كنت أتخيلها المدن العربية الكبيرة في حدود تخيلاتي، وعلى سبيل المثال عندما ذهبت إلى بيروت في 72 للدراسة في الجامعة الأميركية كنت اتخيل بيروت المدينة غير بيروت المدينة التي وجدتها في الوقع أكثر اتساعا وفوضى، فأصبت بصدمة حضارية كبيرة, فالانتقال لم يكن سهلا من القرية إلى تعز، إلى علي عبد المغني والغيل الأسود في صنعاء، ثم إلى بيروت رأسا, فأحدثت تلك الرحلة بالنسبة لي هزة كبيرة لدرجة أثرت على قرار الاستمرار لانتظار إجراءات القبول في بيروت، وكنت قد سجلت احتياطيا في جامعة صنعاء ففضلت العودة, مع ذلك ظل الراديو عالمي.

*هناك من أدمن النوم على إيقاع صوت الراديو ماذا عنك؟
أنا استمع الى الراديو وأحبه ولكن أصبح عندي بدائل أخرى، إنما يظل للراديو تأثير كبير في حياتي، فمن خلاله أحببت الشعر والأدب وتعلمت القدرة على التذوق والقدرة على الأداء والصبر والجلد.. الراديو لعب دورا كبيرا في حياتي وفي صياغة مسيرة حياتي بما تعلمته منه.

*هل مازلت تحتفظين بأشيائك وألعابك القديمة؟
نعم كلها موجودة، وأذكر من بين ألعابي سيارة يدوية مصنوعة من الحديد "الخردة" وهذه اللعبة كنت أعتز بها جدا لأنني من صنعها إلى جانب ما كنا نصنعه نحن البنات من عرائس من القماش والقش.

* هل هذا يعني أنكم كنتم تصنعون ألعابكم ولم تكونوا تشترونها؟
نعم، كنا نصنعها من الأشياء الهامشية ولم نكن نشتريها لسبب بسيط هو أن المتاجر لم تتواجد إلا بعد أعوام من قيام الثورة.

*قبل الانتقال إلى مرحلة الدراسة في المدرسة ماذا عن دراسة القرآن؟
- كان كل الأهالي في منطقتنا ملزمين بتحفيظ أبنائهم القرآن الكريم، وكان يقوم بتدريسنا الشيخ "عبدول"، وأتذكر أنه كان من أمتع أوقاتي عندما يتأخر "الفقي" عن الوصول إلى القرية لأنه يصبح لزاما علينا أن نذهب إليه في القرية الأخرى، حيث كنا نعتبرها نوعا من الفسحة او الرحلة المدرسية فنحمل المصاحف بداخل (الخراطة) ونضع بجوارها فطور بسيط يتكون من قطعة خبز تشبه "الكبانة" تسمى فطير مع قليل من أنواع الحبوب المشوى على النار، وكانت هذه الرحلة من أمتع الرحلات بالنسبة لنا كأطفال رغم أن مسافتها لم تكن تتجاوز نصف الكيلو، لكننا كنا نقف خلالها عند السواقي الجميلة والشلالات، وننزل للسباحة واللعب بالمياه فيها، ولك أن تتخيل هذه المسافة القصيرة كم تحوي من الجمال الطبيعي الريفي الخلاب.. هذه كانت طفولتي الجميلة التي لم تتكرر حتى لأولادي، حقا كنا نعيش في زمن البراءة بجناتها وفردوسها الذي لم تلوثه ما نسميه بطغيان التقدم التكنولوجي، كانت طفولة حالمة كالتي ترونها أنتم اليوم في أفلام الكارتون وإن كانت مجتمعات أحاط بها الجهل والفقر.

*هل تتذكرين أحدا من رفيقاتك؟
- أتذكر العديد من الزميلات منهن من أصبحن الآن في وظائف ودرجات علمية وطبيبات ومهندسات مثل الدكتورة سبأ والدكتورة عزيزة, الجميل في الأمر أنه لم يكن يمكن أن نتجاوز سن السابعة دون أن نختم القرآن وبعضنا يختمه قبل ذلك، ولا زلت -والحمد لله- أحفظه حتى الآن، وأعتقد أن هذه هي الميزة اندرجت في اطار مرحلة الصفاء والنقاء والتعلق بالأرض واللغة والمكان, في هذه اللحظة لو سألت عن من لم يتعلم في قريتنا لوجدت النسبة أقرب الى الصفر ولا تتجاوز العشرة بالمائة في المنطقة كلها.

*هل كان هناك عقوبات وقعت عليك أثناء دراستك للقرآن؟
- أنا لا أذكر أني واجهت عقوبات أثناء ذلك، لكن عوقبت في الصف الثاني الابتدائي، وكتبت كلمة "المرأة ألف مرة لأنني أخطأت في كتابة الهمزة بجانب الألف وليس عليه، والغريب أن من عاقبني ليس مدرس او مدرسة اللغة العربية ولكن مدرسة اللغة الانجليزية فقد كانت دراسة اللغة العربية بالنسبة للجميع مهنة مقدسة.

* هل يمكن أن تصفي لنا حال المكان في ذلك الوقت وما هو عليه اليوم؟
- للأسف، السواقي التي كانت موجودة أزالتها الطرقات التي شقت ما بين القرى، فأصبحت غير موجودة، المساحات الخضراء التي كانت تحيط بكل شيء أستبدلت بالبيوت، لكن ملامح القرية الطبيعية وأجواءها لم تتغير كثيرا، والملاحظ أن القرية كانت كلها عبارة عن أهل يضموك ووطن يحتضنك، أما الآن فعندما تذهب إلى تلك القرى لا تجد الحرية للاطفال، ولا الناس متفرغين لبعضهم البعض، كما كانوا يتبادلون الزيارات ويتعاونون فيما بينهم.. أيضا مجموعة القرى رغم تباعدها وما يفصل بينها من اودية سحيقة وجبال إلا أن أصحابها كانوا يتعارفون ويتجمعون في المناسبات ويشاركون بعضهم بعض الأحزان والأفراح، وعندما كانت الأفراح تدوم اسبوعا كان كل بيت وكل أسرة تساهم بشيء ما، لذا لم يكن العبء كله ملقيا على كاهل الأسرة الواحدة بل كانت المناسبة مسؤولية أبناء القرية ككل.

* ماذا عن مراسم الاحتفال بختم القرآن؟
- نعم هذه المناسبة لا تنسى، ولا زلت أذكر حفل الانتهاء من حفظ القرآن، الحفل الذي يعرف باللهجة الريفية اي"الختمة" وتأتي بعد إتمام الجزء الأخير حيث تجتمع النساء لمشاركة أسر الحافظات بشرب القهوة وترديد الأناشيد الدينية لمباركة الحافظات، يومها تركت النساء يحتفلن مع والدتي بعد انتهاء المراسم التي تقتضي لبس زي خاص للمناسبة, وخرجت للعب مع صديقاتي في الخارج وكان يوما ممطرا فتزحلقت وسقطت على ظهري بسبب ما كنت ارتدي يومها من ملابس وحذاء ثقيلة الأمر الذي استدعى حملي والذهاب بي إلى عدن التي كنا نصل اليها بطرق بدائية جدا إما على ظهر الحمير والخيول أو على سيارات في الأصل كانت تستخدم لنقل البضائع الثقيلة التي تتحمل السير بين المناطق اليمنية الخالية من السفلتة، وبعد "الجبس" استمريت في عدن حتى دخولي الفصل الرابع الابتدائي خصوصا وأن والدي لديه تجارة فيها تستغرق نصف وقته بينما يتنقل باقي الوقت بين اليمن والخارج.

* كيف استطعتم الانتقال إلى عدن رغم حالة القطيعة بين الشمال والجنوب؟
- أولا القطيعة لم تكن حقيقية كانت قطيعة وهمية، حيث كنا نستطيع الدخول والخروج من وإلى عدن بسهولة، بيد أن القطعية حدثت عقب الاستقلال من الاحتلال البريطاني وبالتحديد عندما تولى الرفاق الحكم.. وبالنسبة لقريتنا فقد كانت امتدادا لمساحات زراعية مأهولة تربط بين الشطرين أنذاك وتصل بين مناطق الشمايتين ولحج، ولم يكن هناك ثمة فوارق او حدود نهائيا على مستوى التراب أو على مستوى علاقات النسب والقربي؛ فالارض واحدة منذ الأزل.

* كيف تصفين تشجيع الأهل لك على الدراسة؟
- في الواقع كان الوالد -رحمه الله- رجلا " تقليديا" رغم أنه لم يكن يعيش في القرية بصورة دائمة، لكنه كان يحب أن نبقى فيها ويعتبر البقاء في المدينة سواء كانت عدن او تعز ضرورة فقط، انما الأصل بالنسبة له أن يظل بيت الأسرة كما هو في الريف، لكن بعودة أخي الأكبر من الدراسة في القاهرة استطاع بصورة او بأخرى أن يقنع والدي بأن نبقى في عدن خصوصا بعد تعرضي للاصابة على أن نعود في العطلة الصيفية إلى القرية سنويا وذلك من اجل غرض هام هو اكمال دراستنا.

* هل معنى ذلك أنه لم يكن مقتنعا ويعارض دراستك؟
- لا بالعكس هو كان متفهما لدراستنا كبنات، وكان منفتحا جدا، لكنه كان حريصا على تربيتنا تربية تقليدية فهو ينتمي الى أسرة فقهية وقد تربى هو عليها, وربما كان يشفق علينا منها، لكنه كان يصر على ضرورة العودة إلى القرية وتطويرها بدلا من الخروج منها، حتى وإن كانت مسافة الرجوع للقرية مسافة ساعة وليس مسافة يوم، وربما أنه كان يجزم بعدم استطاعتنا التأقلم مع الحياة المدنية خصوصا وأننا ننتمى الى أسرة ريفية وكان هو منتقلا بين بريطانيا وايطاليا وتجارته في عدن التي عاش فيها مع اخوته الذين كان يعتمد عليهم في ادارة ما يملك.

* كم كان ترتيبك في عائلتك؟
- كان ترتيبي الثالثة في العائلة، شقيقي الأكبر كان قد أنهى مرحلة الدراسة الاولى في عدن ثم في القاهرة ومن ثم عاد الى تعز آخر ايام الملكية, وله الفضل في التحاقي بالمدرسة عام 63، فقد عاد من القاهرة مباشرة إلى تعز وعين مديرا للمدرسة الاحمدية ونائبا لسيف الاسلام عبد الله، لكنه كان قد ضاق بالوضع فعبر عن ذلك صراحة, فاتهم بمشاركة الثوار وزج به في سجن القاهرة في حجة, ولم يفرج عنه الا قبل الثورة بأيام ليتجه نحو عدن, ومن هناك بدأ يدعو مع الوالد لكل الافكار الثورية لخدمة الثورة والجمهورية, شقيقي الثاني كان قد بدأ الدراسة أيضا في عدن, بينما كنت وأختي التي تصغرني بعام فقط في بداية مراحلنا الدراسية بين سن السادسة والسابعة عندما عاد أخي وهو بروح جديدة مع العام الثاني من فجر الثورة واستطاع إقناع والدنا على دراستنا لنتمكن من أن نكون طبيبات مع دراسة القرآن ليترافق مع الدراسة الحديثة ويمكننا من خدمة بلادنا، وهنا اقتنع الوالد بالفكرة لأنها بدت مهمة وطنية شرط عدم تركنا للقرية نهائيا, لكننا بعد الاربع سنوات بالتحديد في مطلع عام 68انتقلنا نهائيا لنلتحق اولا بمدرسة النهضة بمنطقة التربة في تعز التي فتحت تحت إصرار من الأهالي رغم أن مبناها لم يكن مناسبا, ثم بمدرسة اروى للبنات في مدينة تعز.

* وفي عدن ما هي المدرسة التي درست فيها؟
- في عدن درست اولا في مدرسة "انجمن" وهي مدرسة هندية لمدة عام ونصف بسبب قربها من المنزل, ثم انتقلت الى مدرسة بلقيس لمدة عامين.

* هل من مشكلات رافقت العيش في عدن تلك الفترة؟
- قبل استقرارنا في تعز لم تكن لدينا اية مشكلات خاصة حيث كنت ادرس في كلية بلقيس وهي مدرسة أنشأها التجار اليمنيون لمواجهة احتياجات أبناء المناطق المتاخمة لمستعمرة عدن آنذاك والتي أسسها دولة الأستاذ عبد العزيز عبد الغني الذي يشغل حاليا منصب رئيس مجلس الشورى، وأدارها الأستاذ محمد انعم غالب الذي تقلد وزارة التربية والاقتصاد لأكثر من مرة عمادة المعهد الوطني للعلوم الإدارية، لكن بسبب وعورة الطريق للذهاب والعودة من والى التربة فضلنا ان نبقى في تعز..اعتقد أن تلك كانت هي المشكلة الرئيسية لنا ماعداها لم يكن هناك شيء آخر.

* كيف تصفين عدن أنذاك؟
- عدن كانت مدينة صغيرة وجميلة في تلك الفترة، ولا زالت, وكانت بالنسبة لكل اليمنيين بمثابة الحلم، وكنا عندما نتجه إليها أو نعود إلى القرية نتوقف عند منطقة "الرجاع" مثلا أو في "المصلى" وتشدنا الأضواء المنبعثة منها فتشعرك بأنك قادم إلى عالم سحري له مذاق آخر في سكانه وأجوائه, وانك عندما تغادره تترك قطعة منك.

* ماذا عن توفر الخدمات بالنسبة لأسرة ميسورة؟
- كنا نعتقد ذلك لأن البيوت الميسورة والبيوت القريبة من "العرضي" أي مقر الحكومة كان لديها كهرباء وكنا منها بمعنى آخر كان لديها لمبة واحدة او اثنتين!، وكان لدينا تلفون على عكس بقية الناس وهذه هي نفس الخدمات التي ظلت الأسر التي تسميها أنت ميسورة تمتلكها فقط، وقد تتخيل ذلك عندما تعي معنى وجود لمبة واحدة في البيت, إنما في كل الأحوال كان ذلك أفضل من الظلام، ولم نعرف فرق الخدمات او مستواها إلا في عهد الثورة.

* ما مدى مساهمة وضعكم المادي في مساعدتكم على الدراسة؟
- نحن كان حالنا حال بقية الناس لا تمييز للغني من الفقير او بين من جاء من القرية أو المدينة ..الثورة فتحت ذراعيها للجميع الذي اتجه نحو التعليم وبفضله تغيرت الكثير من الأمور واستطاع الكل أن يغير من مستواه وظروفه الاجتماعية والثقافية واستطاع ان يحدث حراك اجتماعي صاعد في المجتمع، وأنت ترى كم انضم الى سلك المدرسين والمهندسين والأطباء من اليمنيين في حين كنا حتى نهاية السبعينيات نعتمد على كل هذه الفئات من الدول العربية.

* لكن بعض الأسر المسحوقة لم تتوفر لهن فرص التعليم أليس كذلك؟
- ربما ولكن لأن الجميع بدأ من الصفر لذا لم يكن هناك فرق كبير بين الناس، فالفقر وغياب الوعي كان موجودا لكن الإحساس بعظمة الثورة وبأن الثورة لم تفرق بين غني ولا فقير زاد من زخمها بين الناس كالزلزال فلم تترك أحدا إلا وأشعرته بالتغيير والمساواة، وكان الناس يعبرون عن فرحتهم بإشعال النيران في كل أسطح المنازل والجبال ربما تعبيرا عن الرغبة في إزالة النظام الظلامي بكل ما يعنيه وربما تعبيرا عن الفرحة لعيد غير كل الأعياد مما زادنا شعورا بفرحة الناس البسطاء التي لم يكن أحدا يستطيع ان يلحظها الا اذا كان يؤمن بالتغيير وبالإيمان بان أهداف الثورة ستحقق مجتمع المساواة والعدل فالجميع في عهد الإمامة كان أكثر من فقير وأكثر من مسحوق.
درسنا جميعا بمقر سكني كان مهدما لا يقاوم الرياح والمطر وتولينا مهام التدريس ونحن في الصف السادس وتحملنا في تلك السن أعمالا فوق طاقاتنا دون أن يكون لأحد منا أفضلية على الآخرين ولم يعامل كعبقري أو صاحب مواهب غير عادية؛ لأن الجميع في هذا الظرف كان مشاركا دون انتظار لكلمة شكر أو مقابل وكنا مستعدات جميعا ونحن في المدرسة أن نحمل السلاح كغيرنا من الطلبة الذين انضموا للمقاومة مع إننا كنا مجرد دفعة بسيطة من البنات.

*وهل حملت السلاح؟
أنا لم احمل السلاح ولكن كنت مستعدة لحمل السلاح الذي كان جزءا من محتويات المنزل، لكنني لم أفكر مرة أن أمسك فيها السلاح الا عندما أحسست بأن أي مدينة في اليمن يمكن ان تحاصر مثل صنعاء.

* ماذا عن وعيك بالثورة في تلك المرحلة؟
كنت وإخوتي وأطفال القرية قد وعينا على قيام الثورة من خلال التهليل والتكبير وإيقاد النيران على السطوح، عبر ما كان يعرف "بالتنصير"، وكنا صغارا لا نعي كامل معناها، ثم وعينا فيما بعد على معنى تلك التجمعات التي كان ينظمها أهالي القرية، ومتابعتهم لإذاعة صوت العرب وخطابات عبد الناصر وما يدور في مصر وبقية الدول العربية وما بدأ يدور في جنوب الوطن المحتل آنذاك والذي اندلعت فيه الثورة، وكانت منطقتنا الحدودية منطقة التربة، وهي تقترب من عدن بحوالي70 كيلومتراً، تعيش حالة ثورة هائلة مع انطلاق أول رصاصة من قمم جبال ردفان لتتشكل بذلك البدايات لتصبح نقطة انطلاق لدعمها بالمقاتلين والسلاح من قرانا والمناطق المحيطة بها.
نحن وعينا على ما بعد قيام الثورة، وأتذكر عندما دخلنا المدرسة أن الأهل كانوا يتحدثون عن الثورة كما يتحدثون عن أسباب الحياة اليومية؛ لأن الكثير من الأهل التحقوا بجيش الدفاع والمقاومة الشعبية ..هذه الثورة كانت هدف وغاية تسعى الجماهير لتحقيقها لهذا كنت تجد المؤسسات التي يتم إنشاؤها بفضل مساهمات أبنائها فمثلا البنك اليمني قام على أموال المهاجرين والتجار اليمنيين والذين كانوا يعضون على الثورة بنواجذهم، وأتذكر أيضا إني كنت استمع الى أحاديث بعض إفراد الأسرة وتساؤلاتهم كم ساهمتم في البنك اليمني كم ساهمتم في الكهرباء وحتى النساء كانت تشجع وتشارك ضمن بقية أفراد الأسرة؛ لأنه لكان عليهم المساهمة في ذلك بقليل من الأسهم هنا وهناك فالثورة ومؤسساتها كانت تبنى على أكتاف اليمنيين سواء كانوا رجالا أم نساءً وكنا نحس بهذا التغيير الذي يحصل أمام أعيننا.

* ماهي اهم المشاهد التي تتذكرينها عن تلك المرحلة؟
- أتذكر بعد التحاقي بالمدرسة في التربة بعد عودتنا من عدن في نهاية الصف الرابع الابتدائي كانت المدرسة الوحيدة التي أصر الأهالي على افتتاحها وهي مفتوحة السقف، وكان المطر ينزل علينا حتى اضطررنا للدراسة تحت الشجر خارجها، وكانت خالية من الأثاث تقريبا، وكانت مدرسة اروى الوحيدة التي بنيت في تعز كمدرسة تلاها معهد المعلمين والتزمنا جميعا بالدراسة وبالتدريس فيها اعتبارا من الصف السادس الابتدائي وقد درست في مدرسة القرية بدون طاولات ولا كراسي فقط كنا نأتي "بتوانك" (علب ذات أحجام كبيرة من الصفيح) الكبيرة لنجعل منها طاولات ومن الحجارة كراسي للجلوس وجمعنا في فناء المدرسة، كل شيء كنا نحس انه يحدث تغيير وهذه كانت أعمال مساندة للثورة لأنها كانت أعمال جيدة.
عرفت الثورة في المقاومة الشعبية بين اعوام67 و69 وعندما بدأت المقاومة الشعبية كنا نرى أهالينا يجهزون (البزات العسكرية) ويحملون البنادق ويخرجون للحراسة في أبواب المدن وكانت المقاومة في صنعاء على أشدها. ثم انتقلت إلى صنعاء أواخر أيام الحصار وشهدت بعض مظاهر الحرب.
وأتذكر عن تلك المرحلة عاتقة الشامي الله يذكرها بالخير وحورية المؤيد -رحمة الله عليها- مع من كانوا يشاركون في الدفاع عن الثورة، كن يحملن العلاجات إلى بيوت المدينة المحاصرة، لهذا فإن حصار صنعاء ظل من أكثر المشاهد العالقة في الذهن، وأبرزها مظاهر البيوت التي قصفت من نقم ومن الجبال المحيطة بنيران المدفعية وعند محاولات الزحف نحو صنعاء التي كانت تضرب من كل الجهات ..وربما كانت هذه أكثر المشاهد التصاقا بالثورة، التي ظلت في ذهني.. سلسلة من المعارك المتصلة حتى انتهاء حصار صنعاء وانتصار النظام الجمهوري.

* هل نستطيع القول إن جملة الإحداث التي عايشتها من الثورة إلى المقاومة ساهمت في طبع شخصيتك؟
- الجيل الذي كان معي هو جيل الثورة سواء الذي وعى على الثورة أم الذي وعى أحداث ودلالات ما بعد الثورة..ونحن من الجيل الذي وعى بعد الثورة على الظروف التي فرضت علينا لتقرض علينا المساهمة في بناء المدارس والجمعيات مثل جمعية المرأة اليمنية وجمعية الهلال الأحمر فساهمنا في نقل المعدات الطبية وساهمنا في تقديم الأغذية للمقاومة الشعبية وفي برامج محو الأمية يعني ادوار كثيرة لم يكن بالإمكان تأديتها لولا إيماننا بالثورة وأتمنى ان يقرأ الجيل الجديد تاريخ اليمن ليعرف أهمية ادوار أجيال الثورة والوحدة.

*وماذا عن وصفك "بالمرأة الحديدية"؟

من قال لك ذلك؟ أنا اضعف الناس (تضحك).. في الحقيقة أنا إنسانة بسيطة ولكني منظمة ودقيقة في عملي ولا أحب المتهاونين، لذلك يطغى على عملي الانضباط، وهو ما لا يعجب البعض أو أن البعض يعتقد أن إطلاق هذه الصفة نوعا من المديح لعملي وربما قد يكون ذلك مقبولا، ولكن ليس في كل الأحوال، إنما أنا في نهاية الأمر إنسانة بسيطة وأكثر الناس تأثرا بكل ما هو إنساني وربما أكثر الناس تأثرا بالمواقف لدرجة لا أستطيع فيها حبس الدموع.

* وماذا عن الإصرار في وصولك إلى ما وصلت إليه رغم الصعوبات؟
الإصرار كان له دور مهم وكثير من المواقف التي وضعت فيها، فقد كنت اسمع الناس يهللون من أسطح المنازل وهم يلوحون ويهتفون تحيا الثورة ويهتفون للتغيير، وهذا التغيير كان يحتاج الى تغيير في الناس وتطوير لإمكاناتهم ونحن أطفال أدركنا بوجود التغيير ولامسناه وأدركنا -رغم صغر السن- أن ما يسعد الناس كلهم يسعدنا فلم يكتفي أهالينا بتعليمنا القرآن وإنما بعد الثورة مباشرة حصلنا على دعم من الجميع بالدراسة لأنهم أدركوا أننا ذاهبون إلى عهد جديد, فشارك الأخوال والأعمام وبقية أفراد الأسرة في دفعنا نحو التعليم, ولم يكن هناك مدارس فشارك الجميع في المساهمة في بناء المدارس فصلا فصلا، ولم يكن هناك مدرسون فشاركوا بالتدريس ودفع رواتب المدرسين، ومن هنا استشعرت المسؤولية وعظمتها فاتجهت إلى انجاز ما طلبة مني الجميع وما رغبت فيه انا فيما بعد.
* هل معنى هذا أنك لم تكن ترغبين في الاتجاه نحو ما اتجهت اليه؟
- لا بالعكس، لكن أنت تعرف في مرحلة التعليم الأولى المرء لا يكون وعيه قد وصل إلى مرحلة استشعار المسؤولية، لكن عندما يصل إلى مرحلة يدرك فيها ذلك تبدأ طموحاته ترتسم لدية رؤية حول مستقبلة، بعد الثانوية حصلت على منحة من الجامعة الأميركية في بيروت بعد دراسة اللغة الانجليزية في "الكمب" الأميركي في تعز، وفي فترة انتظار المنحة في صيف عام 71 بتعز عملت في شركة التبغ والكبريت لمدة شهرين تدربت فيهما على التوثيق وتعلمت خلاها الطباعة على الآلة الكاتبة التي كانت في تلك الأيام مهمة غير ممكنة, ثم التحقت بالتدريس بمدرسة محمد علي عثمان لمدة فصل دراسي, لكن تأخر المنحة جعلني أعود للدراسة في جامعة صنعاء التي كانت سيرت عامها الثاني لخمسة وعشرين طالبا وطالبة كنت منهم.
* هذا يعني انك بدأت العمل بالطباعة؟
- لا لم أبدأ بالطباعة وإنما تعلمت الطباعة عن رغبة ثم اتجهت للتدريس في مدرسة محمد علي عثمان عندما أنهيت الثانوية تمضية للوقت وكان غرضي الحقيقي من ذلك هو أن أتعلم الطباعة.

حاورها محمد السياغي السياسية نقلا عن (اليمامة) السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.