شاحبة هي اللحظة .. تغرقك في مستنقع الجفاف، جفاف طال كل ما تصل إليه تفاصيلنا وما لا تصل إليه، ضاربا عرض الحائط بالضرورة والذوق الانسانيين. هنا تدرك كم نحن بحاجة ماسة إلى عفوية محمد ناجي أحمد، وحضرة الحرف الذي أتقن كل منهما الآخر، يرافقك أدونيس وغابرييل ماركيز ونيكوس كازنتزاكيس، محمد ناجي بتمرده الكامينغزي على ألبوم الصور الرمادية ، والمثقل بثقافة الحرية والأدب، وإن بردة الفعل الغاضبة والمنفعلة أحيانا بحسب الرائع عبدالحكيم العفيري. أجدني دائما مأسورا بالجرموزي عبدالملك، بالإنسان حين يتحدث عن تقاسيم البسطاء وآلامهم، ملامحهم وأحلامهم.. فيما الكل منشغل بصراع الساسة وتجار الحروب، يقف عبدالملك في زاوية مميزة، ناقلا شكوى امرأة وصبرها الجميل، تبحث عن ابنها الأسير، أطفال يستنشقون الموت، وحده كان هناك .. في انتظار الحياة التي لم تنتظرهم هذه المرة. ينشغل الجرموزي في خضم هذا الجفاف بقضايا المواطن الحياتية .. حتى يستقيم العود الأعوج، مع عصا التعليم الغليظة، ودبة الماء التي تغتال طفولة الحالمة تعز .. الموشكي علي عباس والذبحاني فيصل، والزريقي عبدالرقيب، وقائمة طويلة من قيم النبل والتضحية، الصارخين في جدار الصمت الذي يلف حياتنا .. “بقطرة ماء نصنع الحياة”. لتلك القيم نفتقر نحن .. معشر الفوضى .. المغمورون بالصراع اللا أخلاقي والتجاهل اللا مسئول لقضايا البلد وهموم المواطن، فيما الباحثون عن البطولة وسط أكوام الباطل يستثمرون في الآمال والطموحات، ويتاجرون بالدماء والجراح، وسط تصفيق الجمهور المثقل بالهزائم والاتنكاسات. يا سادة .. لقد سئمتكم مثلما سئمت نفسي التي باتت تسأمني كلما أيقظتها أصوات الرصاص وروائح الدخان المتصاعد من كل التقاطعات، من كل الصدور التي ضاقت على كل شيء واتسعت للكراهية والتعصب. مثلما هو انتظار غودو .. فاجر هو انتظار كتابنا ومثقفينا، سياسيينا ورجال أعمالنا وأدبائنا وخطبائنا .. تذوب الروح على جدار اليأس تحت حرارة الانتظار وقسوة الإهمال واللا مسئولية.. وقبل كل ذلك وبعده تبقى اللحظة ساخرة معاتبة .. وشاحبة.