لاأخفيكم أنني توقفت منذ فترة عن متابعة مواقع الثوريين وتحليلاتهم وقراءة مايكتب جهابذة الربيع العربي الذين صرنا جميعا نشعر أنهم دون استثناء من كبار صعاليك الفكر .. وصرت لاأقدر على السباحة في مقالاتهم الضحلة المياه والتي صارت لجفافها وقلة عقلانيتها تشبه البرك الطينية الموحلة لقلة المياه التي لايمكن الا لعلوج قناة الجزيرة الجزيرة وال بي بي سي ... التمرغ بها والاستحمام فيها ..
وصار مقدار خوضي في مقالاتهم لم يعد يتعدى أسطرا قبل أن أنتفض عائدا نادما كمن يرجع عن الخوض في شواطئ بحيرات الوحل الآسن وشواطئ الذباب .. لأن من يتعلم العوم في الأنهار الفكرية العذبة ويتعلم فن الابحار في محيطات الثقافة الكبرى (حيث تجرفه التيارات القوية ورياح الفكر العاتية الى رحلات أسطورية) لايستطيع الخوض في الطين بل لايقدر الا على ركوب الموج العاتي ليكتشف قارات جديدة في الثقافة رغم اختلافه الشديد معها .. ان مايكتب ببساطة في مدائح الربيع العربي وتوقعات بفجر عربي جديد اضاعة للوقت وغرق في التهويمات واحتقار لابسط قواعد المنطق .. ومن أراد الاستمرار في قراءة كتّاب الثورات العربية فليتبوأ مقعده في مدرسة "ألاخوان " للمنطق ..لأنه سيعرف مامعنى عبارة "ماأضيع العمر الذي ذهبا" .... **** أعرف أنه لن يقرأ لي المسلحون بالبنادق وقاذفات الصواريخ والملثمون وراكبو الدراجات النارية الذين يتجولون في المدن اليمنية كعصابات الغرب الامريكي .. ولن يقرأ لي الراقصون السذج الأميون في الساحات أمام شاشات الجزيرة الذين لايجيدون من القراءة والكتابة الا مايكتبونه من خربشات على قطع كرتونية أمام عدسات هواتفهم عن تاريخ المظاهرات وأسماء القرى الراقصة .. لكنني أعرف أكثر أن حروف كلماتي وحوافها حادة وباردة كالشفرة والامساك بها بعصبية لاقتلاعها يدمي الأصابع ويجرح العقول المغامرة .. وأعرف أيضا أن كلماتي محاطة بالأسلاك الشائكة في مواقع الثوريين وأن اسمي مطلوب على حواجزهم العقلية ..وأعرف أن كلماتي ملاحقة في مواقع الثورة وبين قادتها بل ان هناك حظرا عليها يشبه الحظر المفروض على غزة حتى اللحظة .. ومع هذا فانني لاأزال كلما قررت ان أكتب في الشأن اليمني ينقبض قلبي .. وأصلّي بقلب صاف أن تهتدي روحي دوما الى الحقيقة حيث الطمأنينة .. وأن لايقودني غضبي أو انفعالي وعواطفي أثناء الكتابة .. فليس هناك أكثر شرا من أن نملأ المحبرة بنبيذ العاطفة والانفعال.. فيما نملأ الكؤوس بالحبر الأسود والحقد الأسود ونشرب السواد الأسود .. وابتهل الى الله أن أتمكن دوما من أقف في وسط الميزان .. لأن ماأقوله شهادة لنفسي عن نفسي قبل كل شيء .. وعن وطني ..الذي أحبه . انني أيضا أحس أثناء كتابتي بمسؤولية أخلاقية ووطنية تجاه المتعاطفين مع مايسمونها "الثورة اليمنيه" بمثل احساسي بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية تجاه الرافضين لهذه الثورة وعهدي على نفسي بأن لايتم خداع أحد .. فأنا أرى أن اندفاعي في رفض الثورة لايجب ان يخفف اندفاعي لايقاظ من لازال يحلم بالثورة .. وربما لا أبالغ ان قلت أنني في قلبي أميل للتعاطف مع الحالمين بانتصار الثورة لأنني أدرك كثيرا أنهم "يتامى وأيتام" لاينالون الصدق من آبائهم الروحيين من قيادات الثورية وزعماء المجالس والعرب الذين أخذوهم من وهم الى وهم .. ومن كارثة وطنية الى أخرى .. وأوقعوهم في فخ كراهية الآخر في الوطن .. وفوق كل هذا لاتوجد قيادة ناضجة وواعية تجنبهم الخطأ .. قادتهم لم يبادلوهم الصدق وكانوا يحقنونهم بالكذب والسم والكراهية بلا مسؤولية ولا أخلاق .. فلا يزال مؤيدو الثورة في البلاد يجرون خلف جزرة لن ينالوها .. لم يعد الصراع السياسي هو مايعنيني ولا الحرية ولاالديمقراطية ولا الاسلاميون ولاالدستور ولاالديكتاتوريات .. بل مايعنيني هو تفسير هذه الظاهرة التي فككت العقل العربي والثقافة العربية تفكيكا مريعا سريعا .. ولا أدري كيفية اعادة تجميع ولملمة قطع الوعي العربي الذي تفكك بسرعة خلال عام واحد ويتم تحضيره مع العقل العربي للخروج في مغامرة في الظلام لاتعرف نهايتها.. ..