نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا اتجاهل "ثورة الربيع العربي"
نشر في براقش نت يوم 08 - 03 - 2012

يلومني الكثيرون على تجاهلي لما يسمونه "ثورة الربيع العربي" واصراري على اشاحة نظري عنها بازدراء .. ويسوق لي البعض المقالات والمقابلات وصورا من اليوتيوب .. لكنني لم أستطع ابتلاع هذه الثورات ولاهضمها ولااستساغتها .. وموقفي ليس عنادا ولاتشبثا بنظام ولابعهد بل هو انحياز نحو عقلي وقلبي أولا وانحياز نحو كل ماتعلمته وقرأته .. وأنا قرأت كل ماقرأت في حياتي كي أتمكن من استعمال عقلي في حدث مفصلي كهذا .. وكي لا أسلّم بالأشياء فقط لأن الجمهور يريد ذلك ولأن بوصلة الشارع لاتخطئ حسب مايزعمون .. انني لاأحب السير مع القطيع الذي تقوده الذئاب ..بل وتسير بينه الذئاب .. ولاأحب الثورات التي لاتعرف نكهة الفلسفة ولا نعمة الفكر..فهذا برأيي ذروة الكفر..
لاتلام الديكتاتوريات اذا لم تكن لها فلسفة ولا فلاسفة يعتد بهم وبفكرهم .. فالثيران لاضروع لها لتنتج الحليب ..ولا أتوقع أن تنتج الديكتاتوريات فلسفة ذات أثر .. لكن لايغفر للثورات فقرها بالفلسفة وغياب الفلاسفة والمفكرين عنها وهم الذين يضيؤون ويتوهجون بالأفكار .. والثورات العظيمة يوقدها عظماء وتضيئها عقول كالشهب وتتكئ على قامات كبيرة ترسم بالنور زمنا قادما بالقرون .. وغياب هؤلاء يسبب تحول أي ثورة الى مجرد تمرد أهوج وانفعال بلا نتيجة سوى الدمار الذاتي..
الثورات الشعبية عادة هي انعكاسات لصراعات اجتماعية عميقة .. وسلوك الثورات انعكاس لفلسفة بعينها تغذيها .. فلكل ثورة صراعها وفلسفتها وقاماتها .. وبالتالي لها أبطالها على الأرض وفلاسفتها .. وغياب الفكر والفلسفة يجعل الثورة تمردا ليس الا ولا تحمل الا صفات الانفعال الشعبي والغوغائي .. فالثورة الفرنسية كانت رغم عنفها وجنونها ثرية بالفلاسفة والمفكرين الذين صنعوا من فعل الثورة حدثا مفصليا في التاريخ عندما تحولت هذه الثورة الى وسيلة صراع اجتماعي مسلحة بالفكر الثرّ وبالمنطق الذي لايزال يجري في عروق قيم الحضارة الانسانية .. كان الدم يسيل في طرقات باريس ومن مقاصلها ومن جدران الباستيل لكن كذلك كانت المصطلحات الثورية والمفاهيم الكبرى الفرنسية الصنع والصياغة عن المساواة والحرية تطل من الشرفات وتضيء مع شموع المقاهي .. وتفوح كالعطر من مكتبات الثورة ومؤلفاتها.. فكدنا نرى مفكرين وفلاسفة وكتبا أكثر من أعداد الغوغاء التي اجتاحت باريس ..فلاسفة الثورة الفرنسية ومفكروها كانوا أكثر عددا من الثوار الذين زحموا الطرقات ..
وكذلك كانت ثورة البلاشفة في روسيا فبرغم أن من قام بها كانوا على درجة كبيرة من الأمّية (الذين أطلق عليهم البروليتاريا) فانها اعتمدت على فلسفة عملاقة هي الماركسية والماركسية اللينينية وكل متخماتها من جدلية هيغل ومادية فيورباخ ..ويروي المؤرخون حادثة تدل على أن من قام بالثورة البلشفية لم يكن يعرف ماتقول فلسفة الثورة لكنه كان منجذبا الى حد الانبهار بفلاسفتها وفلسفتهم دون أن يفقه منها شيئا لكن مفكري الثورة كانوا يعرفون عن البروليتاريا كل شيء .. فقد كان لينين الساحر المفوّه يخطب في حشد من الناس ويبشرهم بأن البروليتارية ستقوم ببناء القاعدة المادية الفولاذية للثورة ..وهنا اندفع احد المتحمسين من المحتشدين وصاح بتأثر وحماس: أيها الرفيق لينين ..انني حدّاد وأنا سأضع كل امكانياتي وخبرتي في صناعة الحديد في بناء هذه القاعدة الفولاذية .. بالطبع ماقصده لينين كان غير "المصطبة الحديدية" التي قصدها الحداد ..
واليوم يحاول الكثيرون تسويق الربيع العربي على أنه ثورة من ثورات العالم الكبرى التي تتعلم منها الأمم والشعوب برغم ان هذا الربيع لايعدو في أعلى مراتب التوصيف أن يكون تمردا اجتماعيا متشظيا قائما على الانفعال العاطفي الوجداني لجمهور تائه لايختلف عن الحدّاد الذي أراد أن يبني "مصطبة" القاعدة المادية الفولاذية للينين .. فقد غاب عنا في هذه الثورة العربية "المترامية الأطراف" من شمال افريقيا الى اليمن السعيد والى سوريا شيئان مهمان هما فلاسفة الثورة الكبار ومفكروها ..وكذلك غابت كليا فلسفة الثورة .. واللهيب الذي نراه اليوم لم يوقده فلاسفة ولاعمالقة ولاقامات ولاهامات ولافكر .. هذه ثورات أوقدها النفط والجهل وحديث التعصب والتدين السياسي .. وليس القهر والحرمان والديكتاتوريات .. أما فلاسفتها الحقيقيون فلا يتكلمون العربية !!..
البحث عن ماهية فلسفة ثورة الربيع العربي عمل شاق للغاية ..والأكثر شقاء هو البحث عن فلاسفة الثورة والخزانات الفكرية الضخمة التي تستمد منها الثورات الكبرى طاقتها الخلاقة .. وقد حاولت ولشهور طويلة متابعة شخصيات هذه الثورة وكتاباتها وكتابها ولاحقت عيناي كل المقابلات الصحفية والبرامج التحليلية لكنني ما التقيت سوى الخواء وماوجدت نفسي الا في صحراء قاحلة بلا واحات وبلا نخيل عالي القامات .. وبلا قوافل المؤلفات الكبيرة .. ولم أجد قامات مفكرين ناهضين في الثورة كأنصال السيوف ..عجبا هل أقفرت الثورات العربية العابرة للقرات من تونس الى سوريا مرورا بمصر واليمن من أية مرجعية فكرية تستند عليها الجماهير ..وتضبط سديمية هذه الجماهير وغوغائيتها ..؟؟
من جديد يعاتبني الكثيرون على انكاري لوجود ثورة ويبعثون اليّ بالمناشير ومشاهد اليوتيوب والمقالات ومقاطع المقابلات .. ولكن عذرا أيها السادة فلا أزال مصرا على انه لاتوجد ثورة عربية ولاربيع عربي بل انفعال اجتماعي وقوده مال ونفط وفلاسفته أوروبيون .. هذه حقيقة مؤلمة ..
ان كل مارأيناه هو حركة فوضوية لجمهور بلا قيادة وبلا قائد وبلا عقل مدبر ..وهنا كمنت الكارثة الوطنية .. فالربيع العربي "العظيم" لم ينتج أكثر من منصف المرزوقي في تونس التي ذهب فيلسوفها الصغير الغنوشي سباحة الى نيويورك ليقايض كتبه في ايباك بثمن بخس هو "السلطة".. وهذه ليست من صفات فلاسفة الثورات الذين تأتي اليهم الدنيا لتسألهم عن فعل الثورة ولايذهبون الى تسول الاعتراف بثوراتهم ..
ولم ينتج الربيع العربي في ليبيا سوى "مصطفى العبد الذليل" الليبي فيما لم يكن هناك مفكرون اسلاميون من وزن المفكر الصادق النيهوم الذي كان قادرا على قيادة ثورة فكرية تقود الجمهور الغاضب .. وفي كل ثورة مصر لم نسمع بمرجعية ثورية واحدة ..سوى شاب عشريني يسمى وائل غنيم !! .. والفجيعة كانت أن كل هذه الثورات تتبع مرجعية قطرية خليجية مدججة بالزعران والمجانين وصغار الكتاب الذين كانوا أكثر أمية من الدهماء في شوارع الثورات وأكثر عددا من المتظاهرين في أحياء الثورة السورية .. وكانت هذه الثورات مجهزة بقاذفات الفتاوى الدموية الرديئة المخجلة والخالية من الانسانية والمليئة ب "الاسرائيليات" والأساطير ..
في كل يوم يحاول "فقهاء" الثورة العربية حل هذه المعضلة والاشكال عبر ضخ أسماء عديدة ومنحها ألقابا مفخمة من باحث الى أستاذ العلاقات الى بروفيسور الى رئيس مركز الى ..الى ....والحقيقة هي أن صنّاع الثورة والمدافعين عنها يحاولون تجاوز هذه المعضلة الحقيقية خاصة بعد انهيار أسطورة المفكر العربي عزمي بشارة واحتراقه حتى التفحم ..
عزمي هو الوحيد الذي لعب دور فيلسوف الثورة والربيع العربي باتقان .. كان مفوها وكان في منتهى الدهاء فهو يوصّف الثورات وأمراضها بمكر وكان من الخبث لدرجة انه لامس الوجع الاجتماعي العربي وجعل الناس تنسى أنه كان عضو كنيست اسرائيلي و مدير الأبحاث في معهد فان لير الاسرائيلي في القدس.... والأكثر من ذلك أنه أنسى الناس أنه المفكر الذي يعيش في كنف اللافكر وتحت ابط الانحطاط الأخلاقي والثقافي وتحت رعاية أكثر الأنظمة جهلا وقمعا .. وبعد تلك المقابلة المهينة مع أخيه علي الظفيري وتوسلاته بتجنب الأردن في منظر صدم كل من شاهده رأى الناس احتراق الفيلسوف الوحيد للثورات العربية كبئر نفط وقعت عليه كتلة من اللهب .. ولم تتمكن الجزيرة وكل المعارضات العربية من انقاذ حريق الفيلسوف رغم كل سيارات الاطفاء .. الفلسفة قد تسقط لكن لاتحترق ..والفلاسفة قد تحترق أجسادهم لكن لا تحترق أقوالهم وقاماتهم .. واحتراق الفيلسوف يدل على تفاهة قيمه وأنه مجرد ثرثار يردد مقولات الفلاسفة .. وعزمي كان يحترق بشدة وتنطلق منه غمامة كثيفة سوداء كاحتراق الفوسفور المتوهج على أجساد أطفال غزة .. وسط دهشة الجميع وانفغار الأفواه المذهولة ..
قللت الجزيرة من حضور الفيلسوف المحترق لكنها عجزت منذ تلك الحادثة عن تصنيع فيلسوف آخر وكانت كل محاولاتها لنفخ الأبطال والمفكرين تصطدم بعقبة غريبة .. وهي ..أنه يمكن لهذه الثورات والربيع العربي أن ينتجا مقاتلين ومتظاهرين وراقصين في الطرقات ومصورين وممثلين على اليوتيوب لكن يستحيل انتاج فلسفة أو خلق فيلسوف .. لسبب بسيط أنها ليست ثورات طبيعية وليست ثورات قائمة على تطور منطقي يصنعه جهابذة فكر وعصارات عقول المجتمعات .. فالثورة عادة تأتي بعد نهوض الفلاسفة واضاءاتهم وزرعهم البذور واختمار أعنابهم .. أما أن ينهض الفلاسفة بعد الثورات فمحال ..ومستحيل..والأكثر استحالة أن تنتج ثورة فلسفة ..لأن الفلسفة هي التي تنتج ثورة .. ولذلك انتبه الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل الى هذه الحقيقة وحاول انقاذ ثورة عبد الناصر بحقنها بالفلسفة ..فكانت محاولات اطلاق فلسفة الثورة التي نجحت نسبيا لسبب واضح وهو أن ثورة عبدالناصر تميزت أنها لم تكن دموية ولم تكن ثأرية ..لكنها كانت تعكس اضاءات فلسفات أخرى مجاورة في الهند (غاندي) وفي روسيا (الاشتراكية) .. وكانت تالية لانكسارات وحطام الامبراطوريات الكبرى بعد الحرب العالمية ..

المعارضة السورية حاولت نحت شخصيات رمزية وقدمت برهان غليون بطريقة دعائية صارت عبئا عليه وعبئا علينا فهو رئيس مركز دراسات الشرق المعاصر وهو مؤلف وهو بروفيسور سوربوني وهو كل شيء .. لكن أداءه الرديء وتناقضاته الفجة مع ماكتب في السابق طوال عقود ضد الاسلاميين لم يجعله مفكر الثورة ولافيلسوفها ..فمن غير الممكن أن يكون غليون فيلسوف الثورات الدينية وهو من خرّق المفاهيم الاسلامية وسفّه تياراتها عملا وقولا وكتابة .. علاوة على ذلك فان الفيلسوف هو من يرفض الانضواء في قيادة الثورة بل يغذيها ويضيئها .. لكن غليون بدا صغيرا وضئيلا وهو يستمتع بلقب الرئاسة لمجلس لاقيمة له ..وبدا أن أقصى طموحات الفيلسوف هو السير على سجاد أحمر وامضاء الأيام في الفنادق الفخمة والحديث الى كل الفضائيات وقطف النجومية الاعلامية ولقاء مذيعات العرب وليلى وخديجة وبسمة و و .. ولذلك لوحظ أنه بعد توليه رئاسة المجلس الوطني السوري طارت عنه صفاته العلمية الخارقة فجأة وذابت توصيفات عبقرياته وانجازاته الفكرية وتحول من مفكر وفيلسوف للشعب السوري وثورته الى رئيس مجلس معارض ينتظر راتبه وتجديد عقد عمله شهرا بشهر .. وكان سقوط كل صفاته العملاقة التي أسبغت عليه هو نتيجة منطقية لأن كل ما منح له من صفات كان مثل باروكة وألبسة واقنعة مسرحية طارت مع عاصفة مواجهة الميدان الفكري للفلسفة الثورية ..فانكشفت صلعته بعد ان اقتلعت الريح الباروكة التي وضعتها له الجزيرة .. ولن يجديه بعد اليوم الهرولة خلفها ..فلن يظفر بها .. في هذه الرياح العاتية التي لاترحم ..وربما كانت غلطة عمره لأنه انخرط شخصيا في العمل السياسي بدل بقائه بعيدا كرمز فكري وملهم للثورة ..وكان من الممكن أن يكون في مرحلة ما ضمير الثورة وأن يوصل الجميع اليه كأب فكري للثورة .. لكنه ولغياب عبقرية الفيلسوف وسطحيته الفكرية قبل أن يستعمل كالغطاء لوجه الثورة الديني ..وقبل بالعمل لدى أعرابي جاهل مثل حمد ..وبالعمل لدى هيلاري كلينتون بوظيفة مصطفى العبد الذليل ..باسم برهان الفيلسوف الذليل..
ومن سوء طالع الثورة السورية انه لاتوجد اسماء أخرى يمكن تصنيعها لملء الفراغ ..والسبب هو غياب أي فكر خلف هذه الثورة.. ولكن السبب الأهم كما أعتقد هو أن الفلسفة الحقيقية للثورة والفلاسفة الحقيقيين للثورة ليسوا في صفوف الثوار بل في أعضاء مجلس الأمن الغربيين .. وبنبش المزيد من الأتربة التي تغطي وجه هذه الثورة سنصل الى مفكر الثورة وفيلسوفها الرئيسي وهو الفيلسوف برنار هنري ليفي ..وفلسفة ثورته هي في الحقيقة اللجوء الى التدمير الذاتي للقوى الاجتماعية العربية عن طريق اطلاق التمرد الشعبي وحرمانه من الفكر الذي يوجه سديميته ..فيتحول الى فوضى يتحكم بها فلاسفة الثورة الحقيقيون في الغرب وعلى رأسهم ليفي نفسه ..

بالطبع مايثير السخرية الشديدة هي الثورات المدججة بالهزال الفكري والقحط والتي تشبه مواليد المجاعات الافريقية ..ويكفي الاستماع للفيلسوفة رندة قسيس مثلا وتعذيبها للغة العربية وحروف الجر وارغام الفعل المضارع على أن يكون مجرورا من رقبته بالكسرة ومضموما الى فعل أمر !! .. بل اصرارها على اطلاق زخّات العلم والمعرفة بالحرية حتى كدنا نظن أنها ابنة توماس مور .. ويكفي الاستماع للفيلسوفة فرح أتاسي ومرح أتاسي وكل رهط الأتاسي حتى نعرف الى أين وصلت بنا المآسي عبر فلسفة الأتاسي .. أما الاصغاء أو قراءة فيلسوف الثورة السورية الذي يرتدي قبعة "ايمانويل كانت" أي - محمد عبدالله - فيوحي أن الفلسفة تمر بأزمة نفسية خطيرة خاصة عندما نقرأ تحليله لأسباب الفيتو الروسي الأخير .. فقد كدت أقوم من جلستي لأصفق له لأنه الوحيد الذي هزم دونالد رامسفيلد ..لأنني لم أفهم كلمة واحدة مما قال وذكرني ماقاله هذا الفيلسوف بما قاله دونالد رامسفيلد عن المجهول والمعلوم عندما قال: "هناك أشياء نعرف أننا نعرفها، وأشياء نعرف أننا لا نعرفها، وأشياء لا نعرف أننا نعرف أننا نعرفها، وأشياء نعرفها ولكن لا نعرف أننا نعرفها" ..
ولاأبالغ ان قلت ان ماقاله رامسفيلد أكثر ثراء من مقالة محمد عبدالله عن الفيتو الروسي .. وأنصحكم بقوة أن تتجنبوا قراءة ماكتبه فيلسوف الثورة السورية (نسخة ايمانويل كانت) محمد العبدالله لأنه مقال شديد الثقوب والعيوب والرتوق والفتوق والرقع الفلسفية كما تعودنا منه ..وقد تنفتقون ضحكا .. ولارتق لمن ينفتق فتقا فلسفيا ..ثوريا..
في غياب مفكري الثورة الكبار وفلاسفتهم العقلاء وفلسفتهم تجد أن الجماهير العربية تعيش أقصى حالات التعتيم والظلام والتوهان .. لدرجة أن مثقفين كثيرين ومتعلمين وليبراليين ومهاجرين في مؤسسات علمية من أطباء ومهندسين يساندون الثورات دون أن يواجهوا أسئلة فلسفية مخيفة من مثل:
كيف لثورة أن يقودها قطري أن يقود تحررا ديمقراطيا؟ وكيف يمكن لمن اقتحم الفلوجة العراقية بالسلاح الكيماوي وارتكب الفظائع وأكل لحوم البشر فيها وروى مياهها الجوفية بالمواد المسرطنة ..كيف له أن يبكي على مدينة حمص السورية المحشوة بالمقاتلين المغرر بهم والقتلة وسلاح بلاكووتر الذي أحرق الفلوجة العراقية السنية؟ كيف نصدق الأمريكي الذي يبكي على حمص وهو بالأمس حوّل الفلوجة "السنية" الى هيروشيما الشرق ..؟؟ كيف نصدق هذا الغرب في بكائه على حمص وهو منذ أشهر قليلة أمسك غزة من عنقها لتذبح وثبّت أيدي وأرجل لبنان على الأرض كي يتمكن الاسرائيلي من ذبحه..
في غياب مفكري الثورة تجد أن لبيراليين عربا وسوريين ملؤوا صفحات الانترنت بالشعارات الثورية وأعلام الثورات وصور اليوتيوب دون تبين ..اليوتيوب الآن – بكل مافيه من فقر توثيقي وفبركات - هو من يقود النخب المثقفة لأن الصورة لا الفكر ولا المفكرين هي من يحرك العقول عندما تغيب الفلسفة والمنطق والمنهج العقلي .. ولم تسأل هذه النخب ان كانت الثورة تضرب المنشآت النفطية للبلاد وتحرق المعامل وتنتقم من النظام بقتل عماله وافقار شعب الثورة؟ وفي غياب الغطاء المنطقي الفكري للثورة لايسأل هؤلاء أسئلة سهلة من مثل:
اذا لم تؤيد منطق العرعور فلماذا لاتدينه علنا وتطلب لفظه من المجلس الوطني؟ وكيف لرجل مزواج مطلاق كل صوره السعيدة مع الزعماء العرب وهم يستقبلونه بحفاوة ويبارك حكمهم (وهو القرضاوي) أن يكون ملهم الثوار ولينينهم؟
بل وفي غياب العامل المنطقي لانستغرب أن وصل الأمر ببعض المهرجين الناطقين باسم الثورة أن يستبدلوا السيد حسن نصر الله باسرائيل ..ويصل الامر أن علم اسرائيل يرفع في حمص ويتسلل متحدث ثورجي لجعل تدخّل اسرائيل لحماية الشعب السوري في حمص مقبولا .. فقر المنطق هنا أبقاه جلدا على عظم ..فالتخلص من نظام يبرر بيع وطن..وفق فلاسفة الثورة ..
الديكتاتوريات التي ترحل لايؤسف عليها لكن مايؤسف عليه هو أن هذه الثورات تشبه فارسا مقطوع الرأس .. انه فارس مخيف بلا ملامح ..وبلا حياة .. جثة تتنقل من بلد الى بلد على متن راحلة قطرية فيما هي تتعفن وتنشر الوباء والطاعون النفسي والأخلاقي ..والذباب والدود والموت والاستعمار الجديد .. ولذلك لن نقول "فهاتوا برهانكم ان كنتم صادقين" .. بل خذوا "برهانكم" وثورتكم ان كنتم صادقين مع أنفسكم .. وارحلوا ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.