تختلف وتتنوع اشكال الادمان ودرجاته، لكن الادمان يبقى ادماناً وتبقى نتائجه هي هي، على الفرد وعلى مجريات حياته. وقد شهد العالم مؤخراً فورة في تطور وسائل التواصل والتكنولوجيا، بحيث بتنا نعيش في قرية كونية صغيرة موّحدة، فبات التواصل سهلاً وسريعاً ومتاحاً للجميع، بين مختلف الحضارات والمجتمعات، ما كسر حواجز الزمان والمكان. وقد بات هذا التطور يعرف ب"مواقع التواصل الاجتماعي" التي شكلت وتشكل ظاهرة لافتة اكتسحت كافة شرائح المجتمع وفئاته واعماره، فلا تعرف فقيرا او غنيا، رجلا او امرأة، كبيرا او صغيرا، ما ادى الى تسهيل عملية التواصل والحوار بين مختلف الاجيال والثقافات بعيدا عن التكلف، ما سهل حياة الانسان اليومية بشكل كبير وجذري.
وانطلاقاً من ادراك الانسان لاهمية هذه المواقع في حياته اليومية، دخل معها، من دون ان يدرك ذلك، بنوع من العلاقة والحاجة وهذا ما ادى في خلق حالة باتت تعرف ب"الادمان على مواقع التواصل الاجتماعي". وتختلف هذه المواقع وتتنوع، الا ان أهم موقع للتواصل بين مختلف اطياف المجتمع في كل انحاء العالم يبقى "فايسبوك"، حيث حصد هذا الموقع خلال سنوات قليلة شهرة لا مثيل لها سابقا واقبلاً لافتاً وملحوظاً من قبل الجميع، مشاهير وسياسيين، طلابا واساتذة، ما ادى الى كسر فجوة بين الحضارات والثقافات المختلفة وساهم في التعرف على الاخر، بشكل أسرع وأسهل. وعلى الرغم من كل التسهيلات والايجابيات التي احدثتها مواقع "التواصل الاجتماعي" بشكل عام، و"فايسبوك" بشكل خاص، فانها خلقت حالة واسعة وشبه شاملة من الادمان. والخطر في القضية، هو الانكار لدى اغلبية متصفحي هذه المواقع بادمانهم. وقد كشفت دراسة بحثية أن أكثر من نصف مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يعانون متلازمة "الخوف من فقدان شيء ما" المعروفة اختصاراً باسم "فومو"، لافتة الى ان 56٪ من مستخدمي هذه المواقع بأن شيئاً ما ينقصهم عند الابتعاد من حساباتهم على تلك المواقع الاجتماعية، مما يجعلهم حريصون على الولوج إلى تلك المواقع باستمرار. وافادت هذه الدراسة أن 27٪ من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يستطلعون حساباتهم على تلك المواقع فور استيقاظهم، لمعرفة ما فاتهم خلال فترة نومهم، مشيرة الى ان نحو 35٪ من المستخدمين يقضون ما يزيد على 31 دقيقة يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى بريدهم الإلكتروني لاستطلاع الرسائل الواردة فيه والرد عليها. صحيح ان الادمان على مواقع "التواصل الاجتماعية" ليس بخطر الادمان على المخدرات او لعب الميسر او غيرها، الا ان خطورته كبيرة لناحية نتائجه وانعكاساته السلبية على الحياة الاجتماعية وتكوين شخصية الفرد، فهو يسلبه قدرته على التواصل المباشر مع الاخرين في المجتمع ويدخله تدريجا بنوع من التقوقع الذاتي ما يؤذي شخصيته على المدى البعيد ويفقده قدراته البشرية في التواصل والتكيف في المجتمع. كما ان خطورة هذا الادمان تكمن في افقاد الانسان حيوتيه وبالتالي حصول انعكسات ىسلبية على جسد وصحة الفرد، بحيث يصيبه الخمول والكسل وتوقف عن اداء والقيام بنشاطات ترفيهية ورياضية. وبالتالي، شهد العالم مؤخرا حملة واسعة في محاولة، لعلها فاشلة، من التخفيف من هذا الادمان، خصوصا لدى الشباب الذين باتوا يتلهون كثيرا عن مسؤولياتهم وواجباتهم ما ينعكس سلبا وبشكل مخيف على مستقبلهم. من المهم جداً ان يعي المدمن او المتصفح بانه مدمن على "فايسبوك"، من خلال ادراكه لحاجته الدائمة الى تصفح صفحته الخاصة او الموقع وبالتالي عليه المحاولة شيئا فشيئا من التخفيف من ساعات التصفح والهاء نفسه من خلال القيام بنشاطات ترفيهية ورياضية متنوعة والخروج وتمضية الوقت مع الاصدقاء. وفي حالات الادمان القوية، على المدمن اللجوء الى اتخاذ خطوات صارمة وجذرية كالغاء الصفحة الخاصة للمتصفح بشكل نهائي مما يجبره على الانقطاع القسري عن الموقع وبالتالي العودة شيئا فشيئا الى حياته الطبيعية والاجتماعية. كما ان الادمان على "فايسبوك" قد ينتج، ليس فقط نتيجة رغبة في البقاء على اطلاع باخبار ومستجدات الاصدقاء والناس، بل بسبب ادمان على العاب متنوعة، الا ان اخطرها هو لعب الميسر. وهنا يكون المتصف امام خطر ويجب دق ناقوس الخطر، فهو يواجه ادمانين في آن، الادمان الالكتروني والادمان على لعب الميسر عبر "الانترنت. كما ان العديد من المتصفحين ليسوا مؤهلين كفاية ومحصنين امام التعرف على اناس جديد، من عقليات وخلفيات متنوعة ومختلفة، من هنا كثرت مؤخرا حالات الاغتصاب والقتل نتيجة "فايسبوك"، بحيث تم انتهاك الخصوصيات الشخصية وبات كل شيء مباح ومعروض على الملئ وهذا الموضوع خطر جداً، وان لم يتم تداركه سريعا، سيكون له نتائج وخيمة وخطرة على المجتمع ككل.
وللادمان انعكاسات سلبية على الفرد، ومنها جسديّة كالصداع الدائم، احمرار بالعينين نتيجة الإجهاد البصريّ، وتعب عامّ بسبب السهر حتّى ساعاتٍ متأخّرة من الليل، اضافة الى خمول جسديّ بسبب قلّة الحركة، فضلا عن آلام في الرقبة والكتفين والظهر بسبب الجلوس غير الصحّيّ أمام الكمبيوتر. ثم هناك الآثار النفسيّة، كالشعور بالتوتّر عند انقطاع الانترنت أو عدم القدرة على استعماله، يرافقه شعور بالعصبيّة اضافة الى الانعزال عن العالم الحقيقيّ والهروب من مواجهة الواقع. والانعكاس الاخطر هو ما يخلفه هذا الادمان على الحياة الاجتماعية للمتصفح، خصوصا لناحية حصول اوازدياد نسبة الخلافات مع الآخرين لأنّ التعبير الكتابيّ أضعف من التعبير الكلاميّ حيث تساهم نبرة الصوت والنظرة والابتسامة في إيصال ما يريد قوله بشكلٍ صحيح، اضافة الى ضعف الترابط العائليّ وضمور العلاقات الاجتماعيّة. كما ان هذا الادمان يؤثر على قدرة المتصفح الفكرية وقدرته على التركيز والتحليل.
لا يمكننا ان نغفل اهمية مواقع "التواصل الاجتماعي" والانعكاسات والارتدادات التي تمكنت من خلقها في الاونة الاخيرة، خصوصا لناحية تغيير او المساهمة في تغيير بعض الانظمة السياسية وخلق ما بات يعرف اليوم بال"الربيع العربي"، فهي تبقى وسيلة اساسية ومهمة اليوم للتوعية ونشر الثقافة والتأثير على الرأي العام وتحولت الى وسيلة ضغط رئيسية باتت تخيف الحكام واصحاب النفوذ في العالم اجمع، الا انه يجب الحذر منها ايضاً ومعرفة كيفية استعمالها واستخدامها بما يخدم ويحقق مصلحة الفرد.