كالعادة ومنذ أكثر من عام واليمن السعيد يتصدر عناوين القنوات الإخبارية والفضائيات والصحف العربية والأجنبية، بات عنواناً للمحللين ومراكز الدراسات والبحوث نتيجة للأزمات والمشاكل التي تعصف بهذا البلد، نظراً لوصول النظام في اليمن إلى مرحلة الصمم والترهل السياسي حتى بات غير قادر على الإمساك بزمام الأمور في عدد من مراكز المدن الرئيسية، ناهيك عن المناطق الريفية الخارجة عن نطاق سيطرة الحكومة المركزية في صنعاء.. التمرد الحوثي، القاعدة، الحراك الجنوبي، التدهور الاقتصادي، القرصنة، الفوضى السياسية، الفساد، الانفلات الأمني، .....الخ، هذه المحاور والقضايا تمثل التحديات الأبرز أمام نظام الرئيس صالح الذي لم يعد قادراً على الرقص على رؤوس الثعابين كما يبدو .
مع العلم أنه في الوقت الذي مثلت فيه المحاور الثلاثة الأولى عناوين بارزة للتناولات الإعلامية المحلية والخارجية مثلت وتمثل أيضاً التحديات الأكبر أمام نظام الرئيس الصالح الذي لم يعد يثق فيه حلفاؤه التقليديون في الداخل نتيجة للعديد من الأسباب حيث ان هذه التحديات هي التي حركت المياه الآسنة لجميع المشاريع المذهبية والجهوية والمناطقية والأسرية في الداخل، والمشاريع الاستعمارية الخارجية المؤيدة لتلك المشاريع الصغيرة في الداخل اليمني نتيجة لعجز السلطات اليمنية في مواجهة هذه التحديات وحلها بالأسلوب الأمثل والطريقة المطلوبة التي تحفظ للدولة هيبتها وتعزز من مكانتها في أوساط المجتمع اليمني.
* ضرب القاعدة لمصلحة من؟!
سأحاول في هذه التناولة الحديث عن التحدي الثاني 'القاعدة' الذي تواجهه السلطة اليمنية وكذا عن العمليتين الأخيرتين اللتين استهدفتا بحسب زعم الحكومة اليمنية خلايا وعناصر ومعسكر تدريب تابعا لتنظيم القاعدة في كل من منطقة المعجلة بمحافظة أبين ومديرية أرحب بمحافظة صنعاء ومديرية الصعيد بمحافظة شبوة الجنوبية في أقل من ثمانية أيام.
أثارت هذه العملية التي تصفها الحكومة اليمنية بالعملية الاستباقية واستهدفت عناصر تنظيم القاعدة وما رافقها من أخطاء من حيث سقوط الكثير من المدنيين سيما في محافظة أبين اثارت الكثير من علامات الاستفهام ابتداءً من مشاركة القوات الأمريكية في تنفيذ هكذا عملية ومروراً باختيار الوقت وليس انتهاء باختيار المكان 'أبينشبوة الجنوبية'.
لم تتورع وسائل إعلامية فور تنفيذ العملية الأولى في 17 كانون الاول/ ديسمبر الجاري من الحديث عن مشاركة أمريكية في هذه العملية من خلال إطلاع البيت الأبيض عليها وموافقة ومباركة الرئيس أوباما وصولاً إلى القول أنه تم استخدام صواريخ 'كروز' الأمريكية والتي أطلقت من إحدى الطائرات الأمريكية الموجودة على متن الأسطول الأمريكي القابع في المياه الإقليمية الدولية بالقرب من خليج عدن.
وهو ما لم ينفه صراحة المسؤولون اليمنيون حتى اليوم، الأمر الذي يؤكد صحة الجزء الكبير من رواية الإعلام الأمريكي إن لم تكن جميعها هي الأرجح.
من هذا المنطلق ومع التسليم بالمشاركة الأمريكية في هاتين العمليتين يبرز ويطفو على السطح أكثر من سؤال حول قبول النظام اليمني بتنفيذ مثل هكذا عملية وضربه لما يسمى تنظيم القاعدة في محافظتي 'أبينوشبوة' في هذا التوقيت والمكان بالذات رغم أنه مازال غير قادر ولم يستطع بعد إنهاء وحسم جبهة التمرد في شمال اليمن - أي ان هذا النظام ليس بمقدوره ان يفتح لنفسه جبهتين مشتعلتين في وقت تشتعل فيه الساحة السياسية اليمنية بكثير من القضايا في مقدمتها مطالب الحراك الجنوبي.
وفي هذا الصدد يرى مراقبون سياسيون ان نظام الرئيس صالح الذي قام على التحالفات منذ أن تولى الحكم، وصل إلى مرحلة القناعة بأنه لم يعد بمقدوره إعادة بناء تلك التحالفات بشقيها السياسي والقبلي، خاصةً مع تزايد قناعات حلفاء النظام السابقين والحاليين بأن هذا النظام قد أثبت أنه لا يؤمن بالشراكة ووجود الآخر، عوضاً عن أن فكرة توريث الحكم باتت اليوم فكرة ومسألة راسخة وهي الشغل الشاغل لدى النخبة الحاكمة في اليمن.
ويبدو أن قضية 'التوريث' السبب الرئيسي بحسب ما يراه مراقبون في إيجاد الدافع والقناعة التامة لدى الرئيس صالح للتخلي عن حلفائه أو العكس على حدٍ سواء.. ومن هنا يتضح بأن النظام سعى من خلال اختيار هذا التوقيت - ضرب أكثر من عصفور بحجر- فاختيار محافظتين جنوبيتين كمسرح لتنفيذ الضربة وتنفيذ العملية الاستباقية هناك، مع الوضع في الاعتبار علم السلطة وأجهزتها الأمنية بوجود معسكر وتواجد للقاعدة في محافظة مأرب ومناطق اخرى.
وهذا يشير إلى ان الهدف من هذه الضربة خاصة بعد ان سمحت أجهزة الأمن لعناصر التنظيم بالظهور العلني بتلك الصورة التي عرضتها بعض القنوات - رغم ان عددهم لا يتجاوز أصابع اليدين - خلال مراسم التأبين في أبين، يشير إلى ان الهدف منها إلصاق تهمة تحالف ما يسمى بالحراك الجنوبي بتنظيم القاعدة وإظهار هذا الحراك أنه عبارة عن فصائل متعطشة للدم والقتل وليس لديها أي مشروع سياسي أو إصلاحي.
ويرى مراقبون أن عدم اهتمام السلطة والنظام اليمني بإيجاد مناخ وفرصة سانحة للحوار بين أطياف ومكونات العمل السياسي في اليمن وعدم تعويله على الالتقاء على طاولة حوار شفاف وجاد من شأنه الخروج بمشروع وطني ينقذ البلاد من السير باتجاه الهاوية، هو السبب الثاني الذي دفع النظام اليمني للموافقة على تنفيذ هذه العملية بغية في الهروب من ذلك الحوار بحيث يضمن الرئيس صالح التأييد الخارجي له في اتخاذ أي خطوة متعلقة بالاصلاحات السياسية والتعديلات الدستورية ويأمن بهذا التأييد عدم وجود دعم خارجي للمعارضة في الداخل والخارج الساعية للإصلاح والتغيير.
خاصة وأن الرجل قد فتح أجواءه وأراضيه للشروع في تنفيذ استراتيجية أوباما في الشرق الأوسط والدخول في مرحلة جديدة مما يسمى الحرب على الإرهاب بشراكة قوية وملاحقة فاعلة للتنظيمات الإرهابية اينما وجدت وهو ما أشار إليه الرئيس أوباما في خطابه الذي أعلن فيه استراتيجية الولاياتالمتحدة في أفغانستان وعرج على اليمن والصومال في ذلك الخطاب أيضاً.
خبراء استراتيجيون رأوا أنه في الوقت الذي ستعمل فيه هذه الضربة على فتح جبهة جديدة للحكومة اليمنية كانت في غنى عنها في الوقت الحاضر والمستقبل القريب ستعمل في الوقت ذاته على فتح شهية نظام الرئيس صالح في تصفية حساباته مع خصومه السياسيين في الداخل والقابعين في الخارج، وقد بدا ذلك جلياً من خلال مسارعة الحكومة اليمنية في مطالبة الدول التي يتواجد فيها علي سالم البيض بتسليمه.
الخبراء ذهبوا إلى القول ان الاتصال الهاتفي الذي تلقاه الرئيس صالح من كلٍ من الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس المصري محمد حسني مبارك حول قضية واحدة ومباركة أوباما ومبارك بنجاح العملية يثير الكثير من علامات الاستفهام والاستفسارات منها:
- هل ستكون هذه الضربة مقدمة لضرب بقية الحركات الإسلامية في اليمن بما فيها الإصلاح 'الإخوان' والحركة السلفية؟!
ما مصير الاتفاقات التي وقعها الحزب الحاكم مع أحزاب المعارضة اليمنية؟!
- هل سيذهب النظام إلى فرض تعديلات دستورية يضمن تمديد بقائه في الحكم أكثر من المدة المحددة حالياً والتي قاربت على الانتهاء؟
وهل سيعمل على خلق تحالفات جديدة مع من تسميهم المعارضة اليمنية 'المشترك' بأصحاب المشاريع الصغيرة المدعومة حالياً من قبل جناح في السلطة وممولة من الخزينة العامة للدولة؟!
هذه الاستفسارات وغيرها تطرح نفسها على السطح والأيام القادمة كفيلة بالإجابة عنها وعلى اجاباتها تكون أكثر تفاؤلاً أو أقل تشاؤماً مما سنذهب إلى توقعه أو تحليله ..
* مرايا:
- الأطفال يتموا والحكومة غير عازمة على الحسم .
- ميكرفونات الحزب الحاكم على الشاحنات ما زالت تزعج المارة والساكنين وعقلية الشاطر حسن تغلق أخرى وتفتح باب التقاعد لرجال الأمن.
- الحبر قد ينفد والسجون تتزاحم والأصوات بحَّت والشعب في كمد.