تعفنت الجثث بعدما رقدت لفترات طويلة في الأماكن التي قتلت فيها. أطفال يتضورون جوعا لأنهم تركوا لا حول لهم ولا قوة بعد مقتل أمهاتهم، بينما تقترب الحرب في غزة من نهاية أسبوعها الثاني. وتصاعدت حصيلة القتلى في صفوف المدنيين، الخميس 8-1-2009، عندما حوّل قصف الجيش الإسرائيلي بأسلحة شديدة الانفجار، المزيد من الأهداف في غزة إلى ركام، وفي بعض الأحيان يخطئ الهدف. ووسط هذه الحرب التي تستخدم فيها أسلحة حديثة تماماً، توجد مشاهد مروعة معروفة في تاريخ الصراع الإنساني. وقال خالد، وهو سائق سيارة إسعاف في غزة ذهب مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى حي الزيتون "قمنا بإجلاء 90 شخصا على قيد الحياة كانت تقطعت بهم السبل داخل منازلهم وبينهم العديد من الأطفال". وقال "كان منظرهم مروعا. كانوا يعيشون بدون ماء وبدون طعام لأيام عديدة طويلة". وعثر الفريق على 4 أطفال صغار بجوار جثث أمهاتهم القتيلات. وقال طبيب يدعى عوني إن الدبابة كانت على بعد 150 مترا عندما فجرت منزله في حي التفاح بشمال غزة. وقال "كنت أجلس داخل الغرفة عندما دوى صوت انفجار وهرعت إلى الصالة وشاهدت ابني عبد الرحيم وسألته أين أمه وأخوه يوسف؟". وأضاف "وجدت زوجتي ألبينا وقد انشطر جسدها إلى نصفين، وابني يوسف وقد نسف تماما، وتمكنت من التعرف عليه فقط من أسنانه". وكانت زوجته الأوكرانية المولد التي تبلغ 37 عاماً، رفضت مغادرة غزة، بينما لم يزد عمر ابنه الراحل عن 18 شهراً.
مأساة زينات وشهد حي الزيتون مأساة أخرى، لزينات السموني، التي ظل ابنها ينزف حتى الموت تحت أنقاض منزلهم الفقير، من دون أن يتمكن المسعفون من الوصول إليه، فيما قضى زوجها و4 من أبنائها، بالإضافة إلى نحو 25 من أفراد عائلتها في القصف. وتضيف زينات (40 عاما) التي ترقد على سرير في مستشفى الشفاء باكية "قتلوا أفراد عائلتي وابني ظل ينزف ليومين, وقد ناشدنا الصليب الأحمر والهلال الأحمر ووكالة الغوث ولكن من دون جدوى حتى استشهد من في البيت". وتصرخ "أقول للشعب الإسرائيلي: الله ينتقم منه". وتتابع "كنا في أمان الله أنا وأولادي وزوجي وزوجته الثانية وأولادها، هجم علينا الجنود الإسرائيليون وصاروا يطلقون النار ونحن نصرخ, فأطلقوا النار على زوجي وهو رافع يديه" وأردوه. ولم يبق لزينات إلا طفلتها الرضيعة التي ولدت قبل 20 يوما، وابنتها المصابة إصابة خطرة والتي أحضرها المسعفون إلى المستشفى على عربة يجرها حمار, إضافة إلى ابنها فرج. اما حلمي السموني (24 عاما) ففقد ابنه محمد البالغ 5 أشهر ونصف شهر، وقال "استشهد برصاصة غدر وهو في أحضان أمه. وكان يعاني الجوع لمدة 3 أيام بسبب الحصار. لقد جمع الأعداء الصهاينة 100 شخص في بيت واحد وأخذوا يدكونه بطائرات الهليكوبتر من دون شفقة أو رحمة".
استهداف المدارس ولا يعرف الفلسطينيون الأمان حتى حين يلجأون للمدارس التابعة للأونروا، حيث تحولت المدارس ذاتها إلى أهداف للطائرات الإسرائيلية. وزارت "العربية.نت" عدة مدارس تابعة للوكالة الدولية، من بينها مدرسة بنات جباليا الإعدادية "ج" ومدرسة "أسماء" المشتركة "أ" في مخيم الشاطئ غرب غزة، حيث مئات الفلسطينيين الهائمين على وجوههم، بينما يحشر عشرات الأشخاص داخل الفصل الدراسي الواحد، لتوفر لهم الأونروا المياه والطعام وبعض الفراش والأغطية والبطانيات. ويقول الحاج أبو زهير العمصي (55 عاما) إنه لجأ للمدرسة بعدما هدم منزله في منطقة السيفة شمال القطاع، وإلقاء الطائرات منشورات إسرائيلية تطالب بمغادرة السكان خلال ساعات. وتابع "جئت مع عائلتي هربا من القصف، لاعتقادنا أنه سيكون هنا مكان آمن، لكننا فوجئنا بقصف المدرسة التي يرفرف عليها علم المنظمة الدولية، فقتل 3 رجال كانوا متوجهين إلى منطقة الحمامات". ويتساءل محمد السودة (30 عاما) "إلى أين سنذهب؟ نحن لا نستطيع الهرب خارج قطاع غزة لأن الحدود مغلقة.. في البيت الموت يحاصرنا، وفي مدارس الأونروا القتل يلاحقنا، والشارع أخطر من المدرسة". أما الحاجة أم ابراهيم شاهين، فتشكو من تركها كل ما تملك في بيتها، لتلجأ إلى مدارس الأونروا خوفاً من الموت الذي يهددها وأبناءها. وتقول إن الجيش الإسرائيلي دمر منزلهم وجرف أراضيهم الزراعية.
طلب لجنة تحقيق وفي لقاء مع "العربية.نت" قال عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي للأونروا، إن عدة مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين تعرضت إلى هجمات متعددة من قبل الجيش الإسرائيلي حيث تم إطلاق صاروخ من طائرة إسرائيلية باتجاه مدرسة أسماء، ما أسفر عن مقتل 3 مدنيين. وأشار إلى أن مدرسة الشوكة في مخيم رفح للاجئين أصيبت ببعض الأضرار أيضا بسبب القصف الإسرائيلي فيما أصيب 7 من العاملين في مقرات تابعة للأونورا في مخيم البريج وسط قطاع غزة بجراح حالة اثنين منهم خطيرة جدا. وأضاف "لقد أبلغنا الجانب الإسرائيلي بإحداثيات كافة منشآت ومدارس الأونروا لتجنب المس بها"، مشيراً إلى أن المنظمة طالبت بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة حول تعرض منشآت الأممالمتحدة والأونروا للقصف.